المراه فی حیاه الامام الحسین علیه السلام

اشارة

رقم الإیداع فی دار الکتب والوثائق وزارة الثقافة العراقیة لسنة 2011: 1128

رقم الدولی ISBN: 9789933489342

الفتلاوی، علی، 1960-   م.

المرأة فی حیاة الإمام الحسین علیه السلام .../ تألیف علی الفتلاوی. – الطبعة الثانیة منقحة - کربلاء: العتبة الحسینیة المقدسة، 1434ق. = 2013م.

253 ص. – (قسم الشؤون الفکریة والثقافیة فی العتبة الحسینیة المقدسة؛ 99).

المصادر : ص. 233 - 237؛ وکذلک فی الحاشیة.

1. الحسین بن علی علیه السلام، الامام الثالث ، 4 __ 61 ق. – نساء __ دراسة وتحقیق. 2. زینب بنت علی بن أبی طالب علیها السلام، 6 __ 62 ق. – السیرة. 3 . واقعة کربلاء (61 ق.) __ نساء. 4. النساء __ حقوق وقوانین. ألف. عنوان.

408 م 2 ق / 75 / 41 BP

 تمت الفهرسة فی مکتبة العتبة الحسینیة المقدسة قبل النشر

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

ص: 3

المرأة

فی

حیاة الامام الحسین علیه السلام

 

تألیف

الشیخ علی الفتلاوی

الطبعة الثانیة

إصدار

قسم الشؤون الفکریة والثقافیة

فی العتبة الحسینیة المقدسة

وحدة الدراسات التخصیصة فی الامام الحسین صلوات الله وسلامه علیه

ص: 4

جمیع الحقوق محفوظة

للعتبة الحسینیة المقدسة

الطبعة الثانیة

1434ه_ - 2013م

العراق: کربلاء المقدسة - العتبة الحسینیة المقدسة

قسم الشؤون الفکریة والثقافیة - هاتف: 326499

Web: www.imamhussain-lib.com

E-mail: info@imamhussain-lib.com

ص: 5

المقدمة

یعجز القلم ویحتار لبُّ الکاتب وتنحنی الأوراق إجلالاً أمام نور السبط الشهید، هذا الوجود المقدس الذی شهدت له آیة التطهیر بالعصمة والطهارة حیث تقول:

(( إِنَّمَا یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیرًا))(1).

وهذا الشموخ الروحی الذی یرغم النفوس علی محبته دون أن تقول آیة المودة:

((قُلْ لَا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی))(2).

 وهذه الحجة التی حاجج بها جده المصطفی فی یوم المباهلة, وهذا الإمام المفترض الطاعة الذی فرضت طاعته آیة أولی الأمر فی نصها:


1- سورة الأحزاب، الآیة: 33.
2- سورة الشوری، الآیة: 23.

ص: 6

 ((یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا أَطِیعُوا اللَّهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ))(1).

 لا یمکن لقلمی أن یفی بحقه, ولکن ما لا یُدرک کلُّه لا یُترک جلُّه, فوجدت توفیقاً الهیاً قادنی إلی أن أسلط الضوء علی زاویة من زوایا هذه الشخصیة الإلهیة بعد أن طغی علیها طابعُ الشهادة والتضحیة وتضاءلت الجوانب الأخری أمام سعة عنوان الشهادة وأمام انتصار الدم علی السیف.

فانقدح فی ذهنی القاصر أن أکتب عن الجانب الاجتماعی من جوانب هذه الشخصیة المقدسة وأن أقف أمام نافذة واحدة من نوافذ حیاته ألا وهی علاقة الإمام الحسین  علیه السلام بالمرأة.

فشرعت فی کتابة هذا البحث لنری الإمام بعین أخری غیر عین البطولة والفداء, نراه بعین العشرة الطیبة والحنان والرحمة, هذه العشرة التی جعلت من السیدة الرَّباب زوجة الإمام الحسین  علیه السلام لا یهدأ لها بال ولم تستظل بظل بعد أن رأت حبیبها وحبیب القلوب مقطوع الرأس تصطلمه شمس الظهیرة فآلت علی نفسها إلا أن تواسیه فی ذلک, وأردت أن أبین مدی العلاقة مع المرأة الأم والأخت والبنت والزوجة والمرأة الموالیة والمتعاطفة من خلال هذا البحث الذی سیشتمل علی ثلاثة فصول:

نتعرض فی الفصل الأول منه إلی بیان موقع المرأة ومکانتها قبل الإسلام ومن ثم بیان رعایة الإسلام لهذا المخلوق العزیز.

وأما فی الفصل الثانی فنتحدث عن المرأة فی حیاة الإمام الحسین علیه السلام وبیان علاقته مع السیدة فاطمة والحوراء زینب  علیهما السلام والمخدرة أم کلثوم وزوجته الرَّباب وبناته سکینة وفاطمة ورقیة ومع


1- سورة النساء، الآیة: 59.

ص: 7

المحبات الموالیات کأمِّ سَلَمَة وأمِّ البنین وغیرهن، أی لبیان علاقته بالمرأة الأم والأخت والزوجة والبنت.

وجاء فی الفصل الثالث لیطلع القارئ علی موقف الإمام الحسین علیه السلام من المرأة من خلال أدبه فی الحوار وسلوکه العملی معها, ثم نورد بعض الکرامات الحسینیة التی شملت المرأة الموالیة وغیر الموالیة لکی یتضح لنا مدی رعایة الإمام الحسین  علیه السلام لهذا المخلوق الذی أمر الله تعالی برعایته.

الشیخ علی الفتلاوی

کربلاء المقدسة

24 رمضان 1426ه_

ص: 8

ص: 9

الفصل الأول: المرأة فی المنظور الإسلامی

اشارة

ص: 10

ص: 11

ینظر الإسلام إلی المرأة علی أنها مخلوق شریک للرجل فی هذه المعمورة وبینها وبین الرجل علاقة إنسانیة مقدسة ویشترکان فی کثیر من الأمور الأساسیة التی تبنی علیها الشخصیة الإنسانیة کالفطرة والسجیة والعقل وغیرها, ولکثرة النقاط الإنسانیة التی تشترک فیها المرأة مع الرج_ل فی الخلقة جاءت هذه الآیة الکریمة لتؤکد ذلک:

((یَا أَیُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّکُمُ الَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ))(1).

ولکی نقف علی مکانة المرأة فی الحضارات السابقة والحضارة الإسلامیة لابد من معرفة الآتی:

مکانة المرأة فی الأمم السالفة

کانت المرأة فی الأمم السالفة __ ولاسیّما الفرس والیونان __ مخلوقاً مستضعفاً لا شأن له, وکانت تتعرض للذلّ والاحتقار والامتهان وتعامل بهمجیة لا حدود لها, وما هذا التعدی علی حقوق المرأة فی تلک الأمم إلا لکونها أمماً غیر خاضعة للأدیان والشرائع التی نظمت حیاة الإنسان وأوضحت العلاقة الإنسانیة بین المرأة والرجل, ولو أردنا الوقوف علی نموذجین من هذه الأمم سیتضح لنا مدی انتهاک حقوق


1- سورة النساء، الآیة: 1.

ص: 12

المرأة ومقدار شأنها فیها، فمثلاً عندما نسلط الضوء علی أمة الفرس نجد أن المرأة کانت مخلوقاً حقیراً لا ینظر إلیها باحترام ولا تراعی عاطفتها ومشاعرها ولو بمقدار بسیط, ومما یذکر فی التاریخ أن تعدد الزوجات والتسری بالنساء من الأمور الشائعة عندهم حتی قیل أن (برویز) کانت له اثنتا عشرة ألف امرأة, وأما غیره من وجهاء القوم فکان یقترن بمئة أو أکثر من النساء بما فیهنّ النساء اللواتی من محارمه کالأمهات والأخوات والبنات, فکان یمسک منهنّ من یشاء ویطلق من یشاء ولا یتوانی عن سجنهن إذا قُمن بإغضابه حتی بلغ من اضطهادهم لهن أن تقضی المرأة حیاتها مسجونة فی بیتها, کما أنهم أباحوا بیعها وشراءها بل جعلوها وسیلة لتسلیة الکثیر من الرجال وهذا ما یذکره التأریخ عن (مزدک) الذی یدّعی أنه یوحی إلیه باشتراک الناس فی النساء, ومن غریب ما یذکر عن المرأة أنها تُبعد عن المنازل وتقیم فی خیمة یسمونها (داخمی)(1), ولا یخالطها أحد من الناس، وکان الخدم الذین یقدمون لها الطعام والشراب یلفون أنوفهم وآذانهم وأیدیهم بقماش غلیظ تجنباً لمسها.

وأما فی الیونان فکانت المرأة تعد رجساً من عمل الشیطان، وسلعة تباع وتشتری ولیس لها الحق فی التصرف، إنما یرجع ذلک إلی تصرف الأب والزوج، وکان ینظر إلی المرأة علی أنها رأس کل فتنة وأحقر کل شیء، ومن موروث المجتمع الرومانی قولهم «إن المرأة کائن لا نفس له، وأنها لن ترث الحیاة الأخرویة، وکذلک أنها رجس یجب أن لا تأکل اللحم...»(2) وغیر هذه النصوص التی تدل علی تدنی مکانة المرأة فی الأمم الغابرة.


1- الأسرة المسلمة: ص 182.
2- کتاب المرأة المعاصرة: ص 26.

ص: 13

مکانة المرأة عند العرب فی الجاهلیة

بلغت مهانة المرأة فی العصر الجاهلی إلی حدّ دفنها حیّة وهی فی مقتبل العمر خشیة العار والسبی, وهذا من نتاج الفکر الجاهلی الذی یری المرأة عورة یجب سترها بالتراب, إضافة إلی بعض العوامل التی لا تصلح مبرراً لقتلها کعامل الفقر والجوع ولاسیما فی شبه الجزیرة العربیة القاحلة الجرداء من الزرع والنبات والتی لا قوام لها إلا بالتجارة لأهل الحضر ورعی الإبل والأغنام لأهل البادیة مما یفرز مجتمعاً تسوده الطبقیة وتتکتل فیه فئات غنیة وأخری فقیرة, وهذا بدوره یؤدی إلی غزو بعضهم بعضاً، وما أن تنتهی الغزوة حتی تصاب القبیلة ببلاء أسر النساء وجعلهن من الغنائم التی تربحها القبیلة الغازیة فلهذا السبب اتجهت القبائل إلی التخلص من البنات من خلال وأدهن صغاراً, ولقد نقل لنا القرآن الکریم الواقع المعاش فی الجزیرة العربیة حینذاک کما فی قوله تعالی:

((وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَی ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ کَظِیمٌ))(1).

فلا ینظر الرجل منهم إلی الأنثی علی أنها من نِعَم الله تعالی التی تستحق الشکر والرعایةٌ بل ینظر إلیها علی أنّها بلاءٌ أصیب به فیتربد وجهه ویمتلئ غضباً, وأما صورة قتل الأولاد خشیة الفقر والفاقة فتشیر هذه الآیة:

((وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَکُمْ خَشْیَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِیَّاکُمْ))(2).

بصراحة إلی الصورة القاتمة التی کان یعیشها العرب ألا وهی قتل الأولاد والبنات خشیة الفقر والعوز, وتبین لنا ما کان علیه العرب فی شبه الجزیرة العربیة


1- سورة النحل، الآیة: 58.
2- سورة الأنعام، الآیة:151.

ص: 14

من جهل وتخلف، وهذه الجریمة النکراء تتکرر باستمرار نتیجة غیاب الرادع الدینی وعدم إیمان العرب برحمة الله تعالی وعطایاه, وهذا بدوره یؤدی إلی عدم الشعور بالاطمئنان ویؤدی إلی العیش بهلع من الفقر وآثاره السلبیة، ولو وقفنا علی منطوق الآیة السابقة لظهر لنا مفهوم رائع وهو أن الإیمان بالله تعالی وبرحمته وکرمه هو من دواعی استقرار النفس والاطمئنان علی ضمان الرزق من قبل الرزاق ذی القوة المتین.

ومما تتصدع له  النفس السویة هو ما یذکر عن نساء العرب فی الجاهلیة حیث کانت المرأة التی تشرف علی الولادة عندما یأتیها المخاض تهیأ لها حفرة فی الأرض وتجلس عندها لتضع ولیدها فان کان المولود أنثی رمیت فی الحفرة وأُهیلَ علیها التراب وهی حیّة، وإن کان المولود ذکراً قامت أمه مسرورة ضاحکة إلی قومها تبشرهم بولیدها، ولعلَّ فرحها هذا لم یکن ناشئاً من أن المولود ذکرٌ بقدر ما هو شعور بالارتیاح لعلمها أن مولودها سیعیش معها وتلتذُّ ببقائه، مما یؤکد هذه الغریزة التی أودعها الباری جل وعلا فی الأم فهی لا تفرق بین الذکر والأنثی من حیث العاطفة والرحمة والتعلق بالولید الذی عانت الکثیر فی حمله وترقبه.

وشدد القرآن الکریم علی رفض هذه الجریمة النکراء بقوله تعالی:

 ((وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَیِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ))(1).

فهذا الرفض القرآنی یبین لنا ما کان علیه وضع المرأة قبل الإسلام.


1- سورة التکویر، الآیة: 98.

ص: 15

مکانة المرأة فی القرون الوسطی

لو تدرجنا فی دراسة تأریخ المرأة ووقفنا عند الحقبة الزمنیة فی القرون الوسطی لا نجد تطوراً فی تعامل المجتمع مع المرأة بل حوربت بطرق أخری یندی لها الجبین، فمثلاً مما یذکر أن المرأة حرمت من الظهور فی المجتمعات لسوء الظن بها حتی وصل الأمر ببعضهم أن جعل علیها قفلاً من حدید رکب فی حزام خاص تلبسه المرأةُ فی خصرَها إذا غاب عنها زوجها لکی یمنعها من خیانته فی غیبته ثم تغلق هذه الأقفال بمفاتیح یصطحبها الزوج معه فی سفره، بل إن بعض النساء وضع علی فمها قفل طالما هی خارج الدار لکی لا تُتاح لها الفرصة بالتحدث مع الرجال وتکون سبباً فی إغوائهم إلی الرذیلة(1)، وما هذا الظلم إلا لجهل هذه المجتمعات بالأسالیب الراقیة للتعامل مع المرأة التی جاء بها الإسلام الحنیف حیث جعلها مخلوقاً شریکاً لأخیها الرجل فی الحقوق والواجبات وسوف نتعرض إلی الطریقة المثلی التی أشار إلیها الإسلام للحفاظ علی عفة المرأة وعدم خیانتها.

مکانة المرأة فی الإسلام

اشارة

بعد أن بینا مکانة المرأة المسحوقة فی الأمم السالفة والعصر الجاهلی والقرون الوسطی، صار من المناسب أن نسلط الضوء علی مکانتها فی الإسلام لکی یتضح لنا دور الشریعة الغراء فی رفع مکانة المرأة من الحضیض إلی المکان الکریم الذی تشعر فیه بإنسانیتها، فهی محل تکریم واحترام أسوة بالرجل الذی تُقاسِمه الإنسانیةَ وما جاء فی قوله تعالی:


1- المرأة ریحانة: ص 15 __ 16.

ص: 16

((وَلَقَدْ کَرَّمْنَا بَنِی آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِی الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّیِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَی کَثِیرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِیلًا))(1).

وکل تکریم وتوقیر للإنسان وتبجیل وتشریف ورد فی القرآن الکریم والأحادیث الشریفة تشارک المرأةُ فیه الرجلَ وتُقاسِمه مما جعلها أنساناً سامیاً یعیش حیاة حرة کریمة خالیة من کل دوافع الانتهاک، وکیف لا تکون کذلک وهی شریکة الرجل منذ الخلقة الأولی.

المرأة أحد المکوّنین

لما کان للمرأة من دور واضح وأساس فی تکوین الخلقة الإنسانیة ومالها من شراک_ة فی تکاث_رها جاء ق_ول النب_ی صلی الله علیه وآله وسلم :

«النساء شقائق الرجال»(2).

 لیؤکد هذه الشراکة وذلک الدور الأساس, بل إنها من جنس الرجل ولیست مغایرة لحقیقته، ولهذا ذکر القرآن الکریم هذه الحقیقة بصورة واضحة کما فی قوله تعالی:

((یَا أَیُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّکُمُ الَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا کَثِیرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِی تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ کَانَ عَلَیْکُمْ رَقِیبًا))(3).


1- سورة الإسراء، الآیة: 70.
2- مسند أحمد بن حنبل: ج 6، ص256.
3- سورة النساء، الآیة: 1.

ص: 17

أی إن للمرأة دوراً فی بناء المجتمع بل هی تشکل نصف المجتمع مما یعنی أن لا حیاة لمجتمع نصفه مُعَطَّل ومُبعَد عن ممارسة مسؤولیاته، لأنه فی حَجر المرأة وتهمیشها یصاب المجتمع باضطراب شدید لوقوع کامل المسؤولیة علی کاهل الرجل وهذا مما یفقد الرجل صبره ویستهلک طاقته مما یجعله عنصراً مقصراً أو متنصلاً من واجباته وهارباً من مسؤولیاته وما جاء فی قوله تعالی:

((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِیَاءُ بَعْضٍ یَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَیُقِیمُونَ الصَّلَاةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکَاةَ وَیُطِیعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِکَ سَیَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِیزٌ حَکِیمٌ))(1).

یبین صلاحیة المجتمع الذی یبتنی علی کلا الرکنین، فکما یجب علی الرجل أن یَتَلَ_بَّسَ بالمعروف ویَتَجَلبَبَ النهی عن المنکر ویؤدی الصلاة التی تهذب النفس وتزکیها ویعطی الزکاة لیطهر بها ماله ویسد بها حاجة المحتاج ویرفع بها الفقر والفاقة عن أبناء جلدته ویطیع الله تعالی ورسوله ویسیر علی النهج القویم لیکسب سعادة الدنیا والآخرة، کذلک یجب علی المرأة ذلک وإلا ذهب جهد الرجل سدی وصار هباءً منثوراً, ومما یؤید قولنا هذا قوله تعالی:

((...بَعْضُهُمْ أَوْلِیَاءُ بَعْضٍ...)).

فبالتکافل والتعاون وتقسیم الواجبات ینال المجتمع المؤمن رحمة الله تعالی وبرکاته وهذا ما أکدته الآیة:

((...سَیَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِیزٌ حَکِیمٌ)).


1- سورة التوبة، الآیة: 71.

ص: 18

فإذا وجدنا بعض المیادین قد تخلفت عنها المرأة کمیدان الجهاد فی ساحات المعارک فهی تشغل حیزاً آخر لا یقل خطورة عن میدان القتال ألا وهو حفظ الجبهة الداخلیة للمجتمع من خلال إدامة کینونة الأسرة وإدارة خدمات المجتمع الداخلیة وبهذا اتضح شراکتها الفعالة فی حفظ المجتمع المؤمن, فضلاً عن أن قسماً کبیراً من النساء قد شارک فی المعارک بدور المعالج للجرحی وبالدور الإداری الذی هو عصب المعرکة کتهیئة الطعام والشراب لأفراد الجیش, ومن هذا یتضح حاجة المجتمع لهذا الموجود الرقیق الفعال, ولکن لکی تؤدی المرأة دورها کاملاً ودقیقاً لا بدَّ لها أن تتسلح بالعلم والمعرفة وهذا ما أکد علیه الإسلام الحنیف.

العلم حق للمرأة

لا یخفی ما للعلم من دور فی بناء شخصیة الإنسان سواء أکان رجلاً أم امرأة, صغیراً أم کبیراً, فهو حیاة الشعوب وسبیل رُقِیِّها, وهو الذی یمیزها عن باقی المخلوقات الحیة, بل هو وسیلة الکمال والنجاة وهو طریق السعادة فی الدارین, فلذلک حرص الإسلام حرصاً شدیداًَ علی التعلم وجاءت الآیات الکریمة والأحادیث الشریفة تتری لتؤکد فضیلة العلم ومقام العلماء کقوله تعالی:

((قُلْ هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ))(1).

فهذه الآیة تحدثت بصراحة عن فضل العلم، وقوله تعالی:

((یَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِینَ آَمَنُوا مِنْکُمْ وَالَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِیرٌ))(2).


1- سورة الزمر، الآیة: 9.
2- سورة المجادلة، الآیة: ص11.

ص: 19

أخبرنا بمقام العلماء ورتبتهم عند ربهم، لهذا نجد الأحادیث النبویة الشریفة تطالبنا بکسب العلم ولو کان فی ذلک مشقة أو سفر بعید کقوله صلی الله علیه وآله وسلم:

«اطلبوا العلم ولو بالصین»(1).

وقد یطول بنا المقام إذا أطلقنا العنان للقلم وهو یتحدث عن فضل العلم والعلماء، وما مرادنا من هذه المقدمة المتواضعة عن العلم إلا لکی نبین مراد الإسلام للفرد المسلم ولاسیما المرأة التی حرمت من هذه النعمة، فالإسلام حریص علی أن یرتقی بالمسلم فی سلم الکمال وحریص علی أن تنال المرأة حقها فی طلب العلم فلذلک نلمس صراحة الغرض فی قول الخاتم صلی الله علیه وآله وسلم:

«طلب العلم فریضة علی کل مسلم، ألا إن الله یحب بغاة العلم»(2).

ولا شک فی أن الغرض متوجه للرجل والمرأة علی السواء کما یدل علی ذلک لفظ (مسلم) أی جنس المسلم المتکون من الرجل والمرأة معاً، فإن تحصیل العلم وکسبه من قبل المرأة یُمَکِّ_نُها من معرفة مالها من حقوق وما علیها من واجبات کما أنه یجعلها فی رتبة من الکمال الذی حرمت منه فی الأیام الخالیة، وإن دلَّ علی شیء فإنما یدل علی مناصرة الإسلام للمرأة وإنقاذها من الجهل الذی صار سبباً فی ظلمها، فبالعلم تعرف حقوقها وتنال سعادتها وتکون عنصراً فاعلاً لا یستغنی عنه المجتمع بأی حال من الأحوال ولاسیما فی المیادین التی تلائم فطرتها کمیدان الطب والتعلیم والإدارة.


1- روضة الواعظین، النیسابوری: ص11.
2- الکافی: ج1، ص 30.

ص: 20

الإسلام وحقوق المرأة

بعد أن بینّا شراکة المرأة للرجل فی کل احترام وتکریم ناله، وبعد أن أوضحنا دورها فی التکوین واعترفنا بحقها فی التعلم، نری من المناسب معرفة الحقوق التی کفلها الإسلام لهذا المخلوق العزیز لکی نلمس عظمة هذا الدین العادل والرحیم، فلقد کفل الإسلام للمرأة کل حقوقها کما صدع بذلک سید الرسل صلی الله علیه وآله وسلم فی أجواء ملبّدة بکراهیة المرأة وأماکن ملوثة بجریمة وَأدِها بوجوب الوفاء لها بکل حقٍ صغیرٍ أو کبیرٍ وفی مختلف مراحل وجودها ابتداءً بحملها ومروراً بطفولتها وانتهاءً ببلوغها، فلقد أکَّد الإسلام علی التناسل والتکاثر دون أن یشخص إن کان هذا التکاثر ذکوراً أو إناثاً فهو لایری فرقاً فی الأولاد من حیث وجودهم بل أطلق القول باستحباب التکاثر والتناسل وهذا ما یوضحه قول النبی صلی الله علیه وآله وسلم:

«تناکحوا، تناسلوا، تکثروا، فإنی أباهی بکم الأمم»(1).

بعد أن تتوج المرأة زواجها بثمرة عزیزة تأتی الإرشادات الإلهیة بغزارة لحمایة هذا الجنین سواءٌ کان ذکراً أم أنثی ومما ذکر فی شأن المرأة الحامل قوله صلی الله علیه وآله وسلم:

«أطعموا المرأة فی شهرها التی تلد فیه التمر، فإن ولدها یکون حلیماً نقیاً»(2).

ومما یساعد فی تحسین الأولاد أکل فاکهة السفرجل فی أثناء الحمل کما ورد ذلک فی قول النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم :

«کلوا السفرجل وتهادوه بینکم...».


1- بحار الأنوار: ج44، ص17.
2- مکارم الأخلاق: ص174.

ص: 21

إلی أن یقول صلی الله علیه وآله وسلم:

«وأطعموه حُبالاکم فإنه یُحَسِّن أولادکم»(1).

وفی روایة أخری:

«یحسّن أخلاق أولادکم».

ثم یتدرج الإسلام العظیم وینتقل من رعایة الأنثی فی أثناء الحمل إلی التوصیة بها بعد ولادتها من خلال إلقاء اللوم علی من یکره ولادة البنت فیقول تعالی:

((وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَی ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ کَظِیمٌ))(2).

ومن أجمل ما وصفت به المرأة ما جاء علی لسان نبی الرحمة صلی الله علیه وآله وسلم عندما بُشّر بابنة: فنظر فی وجوه أصحابه فرأی الکراهیة فیهم, فقال:

ما لکم؟ ریحانة أشمها ورزقها علی الله(3).

فالأنثی حسنة یثاب علیها المرء ویعطی منزلة عبَّر عنها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بقوله:

«من عال ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات وجبت له الجنة...»(4).

ولأن المرأة ریحانة رقیقة غزیرة العاطفة فهی بحاجة إلی رعایة تحمیها من جلد الحیاة وغلظتها ولا یکون هذا إلا من خلال رجل شهم غیور مؤمن فیعتنی بها


1- مکارم الأخلاق: للشیخ الطبرسی ص 177.
2- سورة النحل، الآیة: 58.
3- مکارم الأخلاق: للشیخ الطبرسی ص230.
4- مکارم الأخلاق: للشیخ الطبرسی ص 219

ص: 22

ویرعاها ویعلمها ویقدمها إلی بیت زوجها امرأة کاملة سالمة من العیوب الأخلاقیة ومن التقصیرات الشرعیة فیثاب علیها الجنة لأنها حسنة من حسناته وهذا ما أشار إلیه الإمام الصادق  علیه السلام:

«البنات حسنات والبنون نِعَمٌ، والحسنات یثاب علیها والنعم مسؤول عنها»(1).

وأما فی مرحلة بلوغها وصیرورتها فتاة ناضجة لها قابلیة التفاعل مع محیطها والتأثر والتأثیر فیه فینبغی التعامل معها علی وفق أسس أخری تلائم تلک المرحلة مما یجعلها فتاة صالحة وأُمّاً مدبرة تسود أسرتها کما ورد عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم:

«والمرأة سیدة بیتها»(2).

وبعد هذه المقدمة التی بینت تعامل الإسلام مع البنت فی مختلف مراحل حیاتها صار من المناسب الاطلاع علی حقوقها لکی یقف القارئ الکریم علی عظمة هذا الدین الحنیف وسماحته.

حقوق المرأة قبل الزواج

إن العنایة التی أولاها الإسلام المرأة نابعة من اعترافه بدورها الکبیر فی بناء المجتمع وصیانة الأسرة وهدایة الأجیال وقبل أن نسترسل فی سرد حقوق المرأة ینبغی أن نقف بشکل موجز علی نظرة الإسلام لها بالقیاس إلی نظرة المدارس الفکریة والفلسفات التی تعدّ المرأة مخلوقاً مذموماً ناقصاً وهذا مما یرفضه الإسلام رفضاً کاملاً بل یؤکد عکس ذلک من خلال الآتی:


1- التفسیر المعین: ص273.
2- لسان العرب لابن المنظور: ج 3، ص 229.

ص: 23

1. لا ینظر الإسلام إلی المرأة علی أنها مخلوق ناقص فی خلقته أو روحه أو قواه العقلیة بل إنها صاحبة عقل ورأی محترم.

2. لا ینظر الإسلام إلی المرأة علی أنها عنصر ضعیف لیس له القدرة علی إنجاز مسؤولیتها بل یراها مدبرة ومیسرة لأمور الحیاة ولاسیما عند غیاب الرجل عنها وهناک الکثیر من الشواهد علی ذلک ومن أوضح صور التدبیر ما عکسته السیدة زینب علیها السلام فی واقعة الطف الألیمة.

3. لا یذم الإسلام المرأة بل ذکرها القرآن الکریم وهی فی أعلی رتب العفة والطهر کما فی حق مریم العذراء وآسیا بنت مزاحم، وأما التی استحقت الذم فهی التی تجاوزت حدود الله تعالی کما امرأة لوط علیه السلام.

4. یراها موجوداً خیراً وصالحاً علی عکس ما تراه الأفکار القدیمة بأنها موجود نحس لا قیمة له و لا حق فی الحیاة.

5. أنها وسیلة من وسائل دخول الجنة وبهذا ترتفع إلی مصاف الوسائل الأخری وتندرج تحت الآیة الکریمة:

((وَابْتَغُوا إِلَیْهِ الْوَسِیلَةَ))(1).

فلذلک جاء الحدیث النبوی صریحاً بهذا:

«من ولدت له ابنة فلم یؤذها ولم یهنها ولم یؤثر ولده علیها أدخله الله الجنة»(2).


1- سورة المائدة، الآیة: 35.
2- التفسیر المعین: ص273.

ص: 24

6. أنها أنس لوالدیها فی وقت یکون الوالدان فی أمس الحاجة إلی المؤانسة وهذا ما حصل للسیدة خدیجة الکبری عندما هجرتها نساء قریش بعد زواجها برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«لا تکرهوا البنات فإنهن المؤنسات الغالیات» (1).

7. أنها تستحق الرأفة الإلهیة أکثر مما یستحقه الذکر وهذا دلیل الرعایة الإلهیة الخاصة لهذا المخلوق الرقیق لکی یؤدی دوره علی أکمل وجه، وهذا ما أشار إلیه خاتم الأنبیاء صلی الله علیه وآله وسلم بقوله:

«إن الله تبارک وتعالی علی الإناث أرأف منه علی الذکور وما من رجل یدخل فرحة علی امرأة بینه وبینها حرمة إلا فرحه الله تعالی یوم القیامة»(2).

ونستشف من هذه النظرة الرائعة للمرأة مکانتها فی الإسلام، ونطلع علی الرعایة الإلهیة لها، ومما یکمل هذه النظرة معرفتنا الحقوق التی کفلها الإسلام للمرأة قبل الزواج وهی تعیش فی کنف والدیها، ومن هذه الحقوق مایأتی:

حق التربیة

   بما أن المرأة صنو الرجل فی التکوین، وشریکته فی العیش ضمن نطاق الأسرة البشریة بل هی الوعاء الأوحد الذی یحتضن النسل منذ طور النطفة حتی طور البلوغ، فلا بد من أن تنال حقها فی التربیة والإرشاد والتوجیه فی کل المجالات الحیاتیة ابتداء بالمجال الروحی والنفسی ومروراً بالمجال الثقافی والاجتماعی


1- التفسیر المعین: ص273.
2- المصدر نفسه.

ص: 25

والسیاسی وانتهاءً بالمجال الأخلاقی، ولابد من الاهتمام بتطویر استعداداتها وقابلیاتها لکی تتحمل مسؤولیتها التی أنیطت بها، حتی تکون امرأة واعیة ناضجة وأُمّاً صالحة وزوجة وفیة فلذلک أکد الرسول الأکرم بسیرته قبل قوله علی تربیة الفتاة وهذا من خلال تربیته لبناته ولاسیما السیدة فاطمة الزهراء علیها السلام ومن خلال قوله الشریف:

«من کان له ابنة فأدبها وأحسن أدبها وأحسن غذاءها وأسبغ علیها من النعم التی أسبغ الله علیه کانت له میمنة ومیسرة من النار إلی الجنة»(1).

ففی هذا الحدیث الشریف حث کامل علی تربیة البنت ورفدها بأحسن الآداب ولاشک فی أن المراد من الآداب التی ذکرت فی الحدیث هی آداب الإسلام التی هی یعنیها آداب أهل البیت علیهم السلام لأنها أحسن الآداب لصدورها من النبع الصافی النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم الذی قال:

«أدبنی ربی فأحسن تأدیبی»(2).

بعد أن أکد علی الاعتناء بالجانب الروحی الذی هو المقیاس الحقیقی للفرد المسلم.

أشار الحدیث إلی الاعتناء بالجانب المادی وصرح بدور الغذاء الذی یشارک فی بناء شخصیة الفتاة، واشترط أن یکون غذاء حسناً أی غذاء حلالاً طیباً لما للقمة الحلال من تأثیر فی نشأة الإنسان نشأةً طاهرة سویة، وأردف بضرورة الإحسان إلی


1- تربیة الفتاة: ص67.
2- تفسیر نور الثقلین: ج5، ص 392.

ص: 26

هذه الفتاة من خلال الإسباغ علیها بالنعم التی أنعمها الله تعالی علی الأب، وهذه إشارة إلی إدخال السرور علی قلب الفتاة لیکسبها راحة نفسیة مستقرة تساعد علی نموها نمواً سلیماً بعیداً عن العقد والأمراض النفسیة.

ولکی نقف وقوفاً تاماً علی ضرورة تربیة البنت لابد من الإجابة علی بعض الأسئلة التی تطرح بشکل موجز.

السؤال الأول: ما الغایة من تربیة البنت؟

الجواب: لکی نؤدی حقها الشرعی الذی أوجبه الله تعالی علینا بقوله:

((یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَکُمْ وَأَهْلِیکُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ...))(1).

ومن أهل الرجل ابنته، ولکی نسهم فی رفد المجتمع بعنصر صالح یشارک فی إعداد الأجیال القادمة وذلک بتهیئتها کزوجة کفء لزوجها وکأم راعیة لأولادها وکإنسان یلعب دوراً ثقافیاً واقتصادیاً وسیاسیاً مهماً ینتج عنه فائدة مجتمعها،کما انها تحفظ بذلک دینها.

السؤال الثانی: ما هو الضرر الذی یلحقنا لو أهملنا تربیتها؟.

الجواب: من الأضرار البغیضة التی تقع علینا هو ممارستنا للظلم، ولا یخفی علی أحد ما فی الظلم من أضرار علی الظالم أولاً وعلی المظلوم ثانیاً وفی کلتا الدارین دار الدنیا ودار الآخرة، ومن الأضرار التی لا تقل خطورة عن سابقتها هو حرمان المجتمع من نصفه الثانی وفاعلیته، مما یترک فراغاً کبیراً لا یستطیع الرجل إملاءه ومن ثم نضطر للعیش فی وسط اجتماعی مضطرب.


1- سورة التحریم، الآیة: 6.

ص: 27

حق العلم

وهو الحق الثانی من حیث الأهمیة وقد تقدم الحدیث عنه فیما سبق.

الحق المالی

جعل الإسلام للمرأة حقاً مالیاً فی ذمة والدیها أو زوجها أو أولادها، وهذا ضمان اجتماعی کفله الإسلام لهذه الإنسانة حفاظاً علی کرامتها التی منحها الله تعالی إیاها بقوله:

((...وَلَقَدْ کَرَّمْنَا بَنِی آَدَمَ...))(1).

ولکی تعیش شعوراً بأنها مالکة وقادرة علی التصرف فی هذا المال ولها الخیار الکامل فی أن تضعه أین ما تشاء دون أن یخالف ذلک التصرف شرعاً أو قانوناً، ومما یتفرع علی هذا الحق حقوق أخری کحق البیع والشراء والإجارة والهبة والصدقة وغیر ذلک، کما یتفرع علی حقها المالی حق الدفاع عن مالها وعن نفسها بمالها، ومما یلحق بهذا الحق حق المرأة فی المیراث بما یناسب مسؤولیتها وینسجم مع حاجتها، وهذا ما یبرر إعطاءها نصف حصة الرجل لما علی الرجل من واجبات مالیة لا یستطیع أن یفی بها لو تساوی عطاؤه مع عطاء المرأة، ومما یدل علی أن لها حقاً مالیاً قوله تعالی:

((لِلرِّجَالِ نَصِیبٌ مِمَّا اکْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِیبٌ مِمَّا اکْتَسَبْنَ))(2).


1- سورة الإسراء، الآیة: 70 .
2- سورة النساء، الآیة: 33.

ص: 28

حق المیراث

من أوضح العطاءات الإسلامیة وأوسعها حق المرأة فی المیراث سواء أکانت أماً أم بنتاً أم أختاً أم زوجة، وما هذا العطاء إلا من أجل ضمان سد حاجة المرأة المالیة والارتفاع بها عن ذل الاستجداء أو سلوک الطرق المنحرفة فضلاً عن الحکمة الخافیة فی هذا التشریع.

   فلقد کفل الإسلام الحق المالی للأم فی مال أولادها الذین یتوفاهم الله تعالی فی حیاتها کما جاء فی قوله تعالی:

((...فَإِنْ لَمْ یَکُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ...))(1) .

وفی موضع آخر یبین حصة الأم من ولدها مع وجود غیرها کما فی قوله تعالی:

((...فَإِنْ کَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ...))(2).

وکفل أیضاً حق المرأة وهی بنت للمتوفی فجعل لها شراکة فی الإرث الذی یرثه الأولاد الذکور کما فی قوله تعالی:

((یُوصِیکُمُ اللَّهُ فِی أَوْلَادِکُمْ لِلذَّکَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَیَیْنِ...))(3).

کما أشار الإسلام إلی حصة الزوجة من ارث زوجها فی حال کان له أولاد أو لم یکن له ذلک کما فی قوله تعالی:


1- سورة النساء، الآیة: 11.
2- سورة النساء، الآیة: 11.
3- سورة النساء، الآیة: 11.

ص: 29

((وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَکْتُمْ إِنْ لَمْ یَکُنْ لَکُمْ وَلَدٌ فَإِنْ کَانَ لَکُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَکْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِیَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَیْنٍ))(1).

عند التفتیش عن حصة أخت الزوج المتوفی نجد الآیة الشریفة تعلن حصتها بکل وضوح ودون أدنی غبن کما فی قوله تعالی:

((...إِنِ امْرُؤٌ هَلَکَ لَیْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَکَ...))(2).

 فهذا ما ورد فی القرآن الکریم کمحل شاهد لما أشرنا إلیه.

أما ما جاء فی الأحادیث الشریفة والکتب الفقهیة فکثیر جداً لا حاجة لذکره ولاسیما إذا کانت غایتنا المرور علی حقوق المرأة بشکل سریع لیتسنی للقارئ الکریم معرفة مکانة المرأة فی الإسلام.     

حق العمل

من الحقوق التی نالتها المرأة فی ظل الإسلام الحنیف حقها فی العمل أسوة بأخیها الرجل، فلا شیء من الأعمال المباحة شرعاً للرجال إلا وللمرأة نفس الرخصة فیها، إذ إن الشرع لم یبح للرجل عملاً ویحرمه علی المرأة إذ لا فرق بین الرجل والمرأة فی الحلال والحرام إلا فی بعض الخصوصیات الخاصة بأحدهما دون الآخر، ومما أرشد إلیه الإسلام کنصیحة تنسجم مع شخصیة المرأة هو أن ترکز علی الأعمال التی تلائم فطرتها کمهنة الطب أو التعلیم أو بعض الحرف الیدویة کما یظهر هذا من حوار أمیر المؤمنین  علیه السلام مع أم الحسن النخعیة حیث تقول: مرَ


1- سورة النساء، الآیة: 12.
2- سورة النساء، الآیة: 176.

ص: 30

بی أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب  علیه السلام فقال  علیه السلام:

«أی شیء تصنعین یا أم الحسن؟.

قالت: غزل، قال:

أما انه أحل الکسب»(1).

وعندما نتأمل هذا الحدیث الشریف نستنتج منه أموراً یمکن الاستفادة منها فی حث المرأة علی العمل الملائم لفطرتها، ومنها:

أ . أن الإمام  علیه السلام أجاز التدخل لنفسه فیما لا یعنی غیره لأنه إمام الرعیة ویعنیه ما هم علیه.

ب . نادی المرأة بأحب ما یروق لها لما صدر منه من حث الناس علی أن تنادی أخاک بأحب الأسماء إلیه.

ج . لا تقتصر الکنیة علی الرجال، فإن المرأة شریکة الرجل فی ذلک.

د . أن الغزل من الأعمال التی تلائم فطرة المرأة ولو کان غیر ذلک لأرشدها إلی ما هو أفضل.

ه_ . أن الغزل من الأعمال المستحبة للمرأة وهذا یثبت خطأ الرأی القائل بأن الحیاکة منقصة لکل الناس.

و . أن الغزل من أفضل أنواع الکسب الحلال بل هو من طیبات الکسب کما تخبر عن ذلک أم بکر فی هذا الحدیث:

«عن محمد بن خالد الضبی قال: مر إبراهیم النخعی علی امرأة وهی جالسة علی باب دارها، وکان یقال لها: أم بکر وفی یدها مغزل تغزل به، فقال لها: یا أم


1- وسائل الشیعة: ج 17، ص 236، باب استحباب الغزل.

ص: 31

بکر أما کبرت أما آن لک أن تضعی هذا المغزل؟ فقالت: وکیف أضعه وقد سمعت علی بن أبی طالب  علیه السلام یقول:

«هو من طیبات الکسب»(1).

فإن دلالة الحدیث علی العمل الحلال ولاسیما الغزل منه دلالة واضحة، کما أن الحدیث یبین لنا أن المرأة العاملة فی عبادة طالما تعمل عملاً طیباً کالغزل الذی أثنی علیه أمیر المؤمنین  علیه السلام.

یتضح من سیاق الأحادیث الشریفة أن العمل الذی رخصه الإسلام للمرأة ما کان حلالاً طیباً، وأما اذا لم یکن کذلک فهو یدخل فی دائرة المکروه أو الحرام کما یرشد إلی ذلک الحدیث الشریف «عن أبی عبد الله  علیه السلام قال:

جاءت زینب العطارة الحولاء إلی نساء النبی صلی الله علیه وآله وسلم وبناته وکانت تبیع لهن العطر، فجاء النبی صلی الله علیه وآله وسلم وهی عندهن، فقال: إذا أتیتنا طابت بیوتنا، فقالت بیوتک بریحک أطیب یا رسول الله، قال: اذا بعت فأحسنی ولا تغشی فإنه اتقی وأبقی للمال...»(2).

ومما یرشد إلیه الحدیث أن العمل الحرام لا فائدة فیه ولا یبقی ماله بل یذهب بسرعة الریح، ویصرح الحدیث کذلک بجواز بیع العطور للنساء أو بیع کل ما یخص المرأة من قبل المرأة لما فی ذلک من حفاظ علی العفة سواء کان ذلک للبائعة أو ذلک للمشتریة، وهذا ما یشجع علی فتح محلات الزینة من قبل النساء وبشروط شرعیة تحفظ مقام المرأة المؤمنة بائعة کانت أو مشتریة، وکما أن الإسلام حرص علی


1- وسائل الشیعة: ج 17، ص  236. باب استحباب الغزل.
2- وسائل الشیعة: ج 17، ص 281، باب تحریم الغش ج6.

ص: 32

إعطاء المرأة حقها فی العمل الحلال حرص أیضاً علی إبعادها عن العمل الحرام کالغناء أو الرقص فی الملاهی أو ما شابه ذلک من أعمال تجعل المرأة سلعة رخیصة للمتعة والتلهی وهذا ما أکده الحدیث الشریف:«عن أبی بصیر قال: سألت أبا عبد الله  علیه السلام عن کسب المغنیات؟ فقال:

التی یدخل علیها الرجال حرام...»(1).

 بل لعنت المرأة التی تکون وسیلة لإفساد المجتمع المؤمن کما ورد ذلک فی قول: «نضر بن قابوس قال سمعت أبا عبد الله  علیه السلام یقول:

المغنیة ملعونة، ملعون من أکل کسبها»(2).

وقفة إرشادیة

اشارة

     هنالک أعمال باطلة مخالفة للشرع المقدس ینبغی محاربتها وإرشاد من یتعاطاها من النساء بالکف عنها لأنها علامة تدل علی تخلف الشعوب وابتعادها عن الواقع والموضوعیة، کما أنها مدعاة لسخط الرحمن فیخسر من یمارسها فی الدنیا والآخرة، فلذا أری الفرصة مؤاتیة للنهی عنها وتعریتها لما لها من انتشار فی مجتمعاتنا المعاصرة، وعندما نخص النساء بذلک فهو لأننا نتحدث عن النساء ولا نرید القول إن هذا العمل لا یمارسه الرجال بل هنالک الکثیر منهم من یعمل مثل هذه الأعمال.

ومن هذه الأعمال:


1- وسائل الشیعة: ج17، ص 120، باب تحریم کسب المغنیة.
2- المصدر نفسه.

ص: 33

کسب النائحة بالباطل

من النساء التی تنوح بالحق ومنها ما تنوح بالباطل وهذا ما حرمه الشرع المقدس لأنه مخالف للواقع ویسوده الکذب والمدح فی غیر محله وبلا استحقاق، ومما یذکر حرمة بطلان النوح بالباطل إضافة إلی فتوی العلماء الذین استندوا إلی أدلتهم الصحیحة ما ورد عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم فی حدیث شریف:

«... وأن النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقوم یوم القیامة وعلیها سربال من قطران ودرع من حرب»(1).

التکسب بعمل السحر               

لا خلاف بین المسلمین علی حرمة السحر وحرمة العمل به وهو من کبائر الذنوب التی توجب القتل کما ورد عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«ساحر المسلمین یقتل وساحر الکفار لا یقتل، قیل یا رسول الله لم لا یقتل ساحر الکفار؟ قال: لأن الشرک أعظم من السحر، لأن السحر والشرک مقرونان»(2).

فإذا کان السحر بمستوی الشرک فهو الظلم العظیم الذی یرتکبه المرء کما جاء ذلک فی قوله تعالی:

((إِنَّ الشِّرْکَ لَظُلْمٌ عَظِیمٌ))(3).

 فلِمَ تلجأ بعض النساء إلیه فی حل مشاکلهن؟.


1- وسائل الشیعة: ج 17،ص 120، باب جواز کسب النائحة بالحق لا بالباطل.
2- وسائل الشیعة: ج 17، ص 120، باب تحریم تعلم السحر.
3- سورة لقمان، الآیة: 13.

ص: 34

ألیس مما یرعب العاقل المؤمن ما ورد فی الأحادیث الشریفة التی بینت فداحة هذه الجریمة التی تهدم البیوت والأسر وتشتت الأحبة وتقطع الأرحام وتمحق الأرزاق؟.

 فلقد ورد عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم:

«ثلاثة لا یدخلون الجنة: مدمن خمر ومدمن السحر وقاطع رحم...»(1).

فالذی تعلم السحر وعمل به ومات علی ذلک ولم یتب فهو من المدمنین علی السحر الذین لا یحق لهم دخول الجنة.

وورد أیضاً:«عن أبی جعفر بن محمد الصادق  علیه السلام عن أبیه أن علیاً  علیه السلام قال:

من تعلم شیئاً من السحر قلیلاً أو کثیراً فقد کفر، وکان آخر عهده بربه، وحدّه أن یقتل إلا أن یتوب»(2).

ولا نرید أن یطول بنا المقام فی الحدیث عن السحر وإلا لأفردنا له بحثاً خاصاً به.

الکهانة

من الأعمال التی تمارسها بعض النساء وتروج لها عمل الکهانة أو ما یسمی (بالعرافة)، وهذا من الأعمال الشائعة التی نهی عنها الإسلام الحنیف، ولکی یتضح مفهوم الکهانة فقد عرفه العلماء بأنه الإخبار عن المغیبات، بزعم أنه یخبره بها بعض الجان، فهی حرام وحرام التکسب بها والرجوع إلی الکاهن وتصدیقه فیما یقول(3).


1- وسائل الشیعة: ج 12، ص 107، باب تحریم تعلم السحر.
2- وسائل الشیعة: ج 17، ص 148، باب تحریم تعلم السحر.
3- منهاج الصالحین، السید السیستانی، المعاملات: ص 14.

ص: 35                   

وهذا ما اتفق علیه علماء المسلمین بناء علی قول رسول الإسلام المصطفی محمد صلی الله علیه وآله وسلم، فلقد ورد عن الهیثم قال:

«قلت لأبی عبد الله  علیه السلام: إن عندنا رجلاً ربما أخبر من یأتیه یسأله عن شیء یسرق أو شبه ذلک فنسأله، فقال: فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

من مشی إلی ساحر أو کاهن أو کذّاب یصدقه بما یقول فقد کفر بما أنزل الله من کتاب»(1).

     ختاماً لما تقدم من حق المرأة فی العمل نذکر أن المرأة لها حق العمل فی تأجیر نفسها ولکن بشرط أن لا ینافی حق الزوج فیما إذا کانت متزوجة وفی کل مجالات العمل المباح کالمضاربة والمزارعة والمساقاة وغیر ذلک من الأعمال.     

الحق السیاسی

    أعطی الإسلام للمرأة حقها السیاسی من خلال مشارکتها فی جمیع النشاطات السیاسیة کالترشیح للبرلمانات أو المنظمات أو غیرها، ولها حق الانتخاب والمشارکة فی اختیار رئیس الدولة أو ممثلی الشعب، وما الصورة التی یحدثنا القرآن الکریم عنها إلا مصداق واضح یدل علی مشارکة المرأة فی الأمور الأساسیة للحالة السیاسیة للأمة کما فی قوله تعالی:

((یَا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذَا جَاءَکَ الْمُؤْمِنَاتُ یُبَایِعْنَکَ عَلَی أَنْ لَا یُشْرِکْنَ بِاللَّهِ شَیْئًا وَلَا یَسْرِقْنَ وَلَا یَزْنِینَ وَلَا یَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا یَأْتِینَ بِبُهْتَانٍ یَفْتَرِینَهُ بَیْنَ أَیْدِیهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا یَعْصِینَکَ فِی مَعْرُوفٍ فَبَایِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ))(2).


1- وسائل الشیعة: ج 17، ص 150، باب تحریم إثبات العراف.
2- سورة الممتحنة، الآیة: 12.

ص: 36

فهذه الآیة الکریمة لا تفرق بین بیعة الرجل والمرأة لإمام الأمة ورئیسها، ولکی تکون المرأة عضواً نافعاً فی الأمة تؤدی دورها بما هو مطلوب ومناسب لابد أن تأخذ بنظر الاعتبار تربیتها سیاسیاً وإشراکها فی الجوانب السیاسیة لتحقیق المصلحة الکبری وهذا ما حصل فی صدر الإسلام مع السیدة فاطمة الزهراء علیها السلام عندما مارست دورها فی الدفاع عن الإمام والإمامة الإلهیة الحقة وتلتها ابنتها زینب العقیلة التی أخذت علی عانقها حمایة ثمار ثورة أبی الأحرار الإمام الحسین  علیه السلام.

حق اختیار الزوج

    من الحقوق التی منحها الإسلام للمرأة حق اختیار من ترید الاقتران به والمشارکة معه فی بناء بیت یملؤُهُ الحب والاحترام وتکوین أسرة نموذجیة، ولا یجوز لأی أحد أن یُکره المرأة علی الاقتران برجل لا تریده زوجاً وإن کان ولیها، وسواء أکانت هذه المرأة بکراً أم ثیباً، ومما یؤکد هذا قوله صلی الله علیه وآله وسلم فی صحیح مسلم:

«لاتنکح الأیِّم حتی تستأمر، ولا تنکح البکر حتی تستأذن»(1).

والمراد بالأیِّم هی الثیب أی المرأة التی سبق لها أن تزوجت فطلقت أو ترملت فهذه لها الحق الکامل فی تزویج نفسها من ترید لما لها من النضوج والخبرة، وأما المرأة البکر فهی التی لم یسبق لها التزوج بأحد من قبل والتی لم تکن مطلعة علی أحوال الرجال فتحتاج إلی من یعینها علی أمر زواجها، أما لو کانت عارفة بأحوالهم وصفاتهم فلها الاختیار الکامل فی الرضا والرفض سواء عبرت بالنطق أو بالإشارة أو بالسکوت، ومن الصور الرائعة التی ذکرت فی هذا الأمر ما جری بین الأسوة الحسنة سید الرسل صلی الله علیه وآله وسلم وبین السیدة الصدیقة فاطمة الزهراء علیها السلام ابنته وشمامته.


1- صحیح مسلم:ج4، ص 140، باب استئذان الثیب فی النکاح بالنطق والبکر بالسکوت.

ص: 37

فعن الضحاک بن مزاحم قال:

سمعت علی بن أبی طالب  علیه السلام یقول:

وأن ذکر حدیث تزویج فاطمة علیها السلام وأنه طلبها من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال: یا علی، إنه قد ذکرها قبلک رجال فذکرت ذلک لها فرأیت الکراهة فی وجهها، ولکن علی رسلک حتی أخرج إلیک، فدخل علیها فأخبرها وقال: إن علیاً قد ذکر من أمرک شیئاً فما ترین؟ فسکتت ولم تول وجهها ولم یر  فیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کراهة، فقام وهو یقول: الله أکبر سکوتها إقرارها الحدیث(1)

ولو عرضنا هذا الحدیث الرائع علی من یدعی الحریة ویطالب بحقوق المرأة لانحنی إجلالاً لمضامینه ولقبّل اسم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی هذه الحریة وهذا الإکرام لعنوان المرأة، ففی الحدیث أسمی صور الصدق فی التعامل مع الخاطب وهو یقول له: «انه قد ذکرها قبلک رجال» وإنی لا أتجاوز رأیها مع أنی رسول الله ولی الولایة علی کل المسلمین فلذلک یقول: «فذکرت ذلک لها فرأیت الکراهة فی وجهها» وعلی هذا الأساس الأخلاقی الکبیر دعنی أسالها رأیها «ولکن علی رسلک حتی أخرج إلیک، فدخل علیها فأخبرها...» ولما أخبرها ورأی علامة رضاها وعدم وجود الکراهة فی وجهها خرج مسروراً لأنه صلی الله علیه وآله وسلم کان راغباً فی علی علیه السلام أیضاً إلا أنه لابد من رضاها وهاهی قد رضیت دون أن یجبرها أبوها وولیها ودون أن یُلجئها لذلک أو حتی أن یشیر بالإیحاء، وإن دل هذا علی شیء إنما یدل علی سعة حریة المرأة فی اختیار زوجها.


1- وسائل الشیعة: ج 14، ص 206، باب أن یکفی فی استئذان البکر سکوتها.

ص: 38

نصیحة

لابد أن یبتنی اختیار الزوج علی أسس صحیحة وشرعیة ولیس هناک أسس أصح من الأسس التی بینها الإسلام الحنیف، فلقد حدّد الإسلام خصائص الرجل الذی یکون زوجاً للمرأة المؤمنة، ولکی تنعم هذه المرأة بحیاة هانئة وهادئة وبعیدة عن الظلم والأذی فقد ذکر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم صفتین أساسیتین تندرج تحتها جمیع الفضائل والکمالات التی تحتاجها الحیاة الزوجیة الناجحة، فقال صلی الله علیه وآله وسلم:

«إذا جاءکم من ترضون خلقه ودینه فزوجوه، إلا تفعلوا تکن فتنة فی الأرض وفساد کبیر»(1).

فلا شک فی نجاح هذه العلقة الشریفة عندما یکون طرفاها من الصالحین والفضلاء الذین تهذبوا بأخلاق الإسلام العظیم، فإن وجدت المرأة العاقلة المؤمنة رجلاً متدیناً خلوقاً قلیل المال، وآخر میسوراً فاقداً للخلق والدین فعلیها القبول بمن یتصف بالدین والأخلاق لما فیه صلاحها فی الدنیا والآخرة، وهذا الرسول الأکرمصلی الله علیه وآله وسلم . نهی عن تزویج شارب الخمر کما فی قوله صلی الله علیه وآله وسلم:

«شارب الخمر لا یزوج إذا خطب»(2).

لما فی شرب الخمر من ضرر علیها وعلی أسرتها بل یکون سبباً فی قطع رحمها وتشتیت أحبتها وهذا ما ورد عن أبی عبد الله الصادق  علیه السلام:

«من زوج کریمته من شارب خمر فقد قطع رحمها»(3).


1- وسائل الشیعة: ج 14، ص 51، باب أنه یستحب للمرأة اختیار الزوج.
2- وسائل الشیعة: ج 19، ص 83، باب کراهة تزویج شارب الخمر.
3- المصدر نفسه.

ص: 39

    وهناک إشارة إلی صنف آخر من الأزواج الذین یفتقدون صفات الرجولة والصفات التی تؤهلهم أن یکونوا آباءً صالحین کالمخنثین المتشبهین بالنساء کما جاء علی لسان أهل البیت علیهم السلام وهذا ما ذکره عبد الله بن الحسن عن جده علی بن جعفر عن أخیه قال: «سألته: أن أزوج ابنتی غلاماً فیه لین وأبوه لا بأس به؟ قال:

إذا لم یکن فاحشة فزوجه، یعنی الخنث»(1).

   ولعل هذا الحدیث یوجه إلی المؤمنات اللاتی یتأثرن بوسامة الشاب دون سبر أغواره ومعرفة أسراره وصفاته، کما لا یخلو من جنبة نفسیة تبین أن المرأة العاقلة الصالحة التی لم تفسد فطرتها لا یلائِمُها إلا شاب مُلِئ رجولة وحزماً وقوة، واتصف بما یتصف به الرجال عادة لا بما تتصف به النساء، فإن المرأة تمیل إلی المنافر لا إلی المشابه کما أن الرجل یمیل إلی المرأة الأنثی لا إلی المرأة التی تتشبه بالرجال. 

حق الزوجة

اشارة

   حرصاً من الإسلام العظیم علی بناء بیت الزوجیة بناءً صحیحاً وعلی أسس واضحة وسلیمة، ولکی یؤکد الرابطة المقدسة بین الرجل والمرأة رسم منهجاً رائعاً یسیر علیه الرجل والمرأة معاً.

   ومن أدل الآیات التی تدل علی حفظ الحق بین الطرفین قوله تعالی:

((...وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِی عَلَیْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ....))(2).


1- وسائل الشیعة: ج 14، ص 54، باب تزوج سیّئ الخلق والمخنث.
2- سورة البقرة، الآیة: 228.

ص: 40

فیتضح من هذه الآیة الکریمة أن للمرأة حقها الشرعی علی زوجها کما أن لزوجها حقاً علیها، ولو تأملنا فی هذه الآیة الشریفة لوجدنا أن الإسلام فرض للمرأة حقها قبل أن یفرض لزوجها وذلک بتقدیم قوله ((وَلَهُنَّ)) علی قوله ((عَلَیْهِنَّ)) رعایة منه لهذا المخلوق الرقیق وحمایة له من الظلم أو الغبن، والذی یتصفح النهج الإسلامی ویستقرئ تنظیم الإسلام للعلاقة الزوجیة یلمس بوضوح حرص الإسلام علی بناء علاقة زوجیة تسودها المودة والرحمة والمعروف وحسن العشرة وخیر ما یدل علی ذلک قوله تعالی:

((وَمِنْ آَیَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَکُمْ مِنْ أَنْفُسِکُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْکُنُوا إِلَیْهَا وَجَعَلَ بَیْنَکُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً))(1).

فالمودة التی تتکلم عنها الآیة الشریفة هی المحبة المؤطرة بالطاعة من قبل المرأة لزوجها، والرحمة: هی المحبة المؤطرة بالرعایة والحنو والعطف من قبل الزوج لزوجته وبهذه المودة وتلک الرحمة یتحقق السکن والاطمئنان واستقرار البال وهدوء الحال وصفو العیش.

   فبما أن الحدیث عن حقوق الزوجة فقط لابد أن نقف علی ما منحه الإسلام وأقره لها وما أوجبه علی الرجل:                             

أ . حق النفقة

أوجب الإسلام علی الرجل نفقة للمرأة سواء کانت زوجة أم أماً أم بنتاً، فإن الرجل مسؤول عن توفیر ما تحتاجه المرأة من طعام ولباس وسکن وضروریات


1- سورة الروم، الآیة: 21.

ص: 41

العلاج أو وسائل الزینة بل کل ما یناسب وضعها الاجتماعی فالمرأة إذا کانت أماً فقیرة لیس لها معیل یعیلها وولدها قادر علی ذلک فیجب علیه توفیر ما تحتاجه، کذلک البنت الفقیرة أو القاصرة فإن أباها هو الذی یتکفل بنفقتها، وأما إذا کانت المرأة زوجة فیجب علی زوجها کل ما یسمی نفقة بل تقدم نفقتها علی الأرحام الآخرین، وما ورد فی الآیة الشریفة:

((أَسْکِنُوهُنَّ مِنْ حَیْثُ سَکَنْتُمْ مِنْ وُجْدِکُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَیِّقُوا عَلَیْهِنَّ وَإِنْ کُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَیْهِنَّ حَتَّی یَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَکُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَیْنَکُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَی (6) لِیُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَیْهِ رِزْقُهُ فَلْیُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا یُکَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَیَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ یُسْرًا))(1).

صریح وواضح وواسع، ولکی نقف علی ما جاء فی کتب الفقه فلنقرأ ما قاله العلماء المقدسون فی رسائلهم العملیة بخصوص نفقة الزوجة الدائمة «أما نفقة الزوجة الدائمة فتجب علی الزوج وهی الإطعام والکسوة والسکن والفراش والغطاء وآلة التنظیف وسائر ما تحتاج إلیه بحسب حالها...»(2) بل تتسع النفقة الواجبة إلی ابعد ممّا ذکر کما فی قولهم «اذا استصحب الزوج زوجته فی سفر کانت نفقتها علیه وان کانت نفقتها أکثر من نفقتها فی الحضر...»(3) ولکی لا نتسع فی هذا الموضوع فإنی أحیل القارئ الکریم إلی الرسائل العملیة الفقهیة للعلماء الأعلام. 


1- سورة الطلاق، الآیتان: 6 __ 7.
2- المعاملات السید الخوئی: ص287.
3- المعاملات السید السیستانی: ص124.

ص: 42

ب . حسن المعاشرة

هو الرکن الثانی الذی یعتمد علیه البیت الزوجی المتین لتحقیق الحیاة الزوجیة السعیدة، وما صرحت به الآیة الکریمة:

((...وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ...))(1).

یدعو بصراحة مطلقة إلی وجوب حسن المعاشرة لما فیها من الأمر الظاهر فی الوجوب، وبمخالفة ما دعت إلیه الآیة الکریمة لا تستقیم الحیاة الزوجیة ولا یهنأ أحد الزوجین بالآخر لما یحصل من النفرة بینهما بسبب سوء العشرة وغلظة الأخلاق التی صدرت من الرجل.

فإن الحیاة الزوجیة السلیمة والموافقة للشرع المقدس هی ما کانت إمساکاً بمعروف، وأما اذا کانت غیر ذلک فلابد أن تکون تسریحاً بإحسان وهذا ما صرّحت به الآیة الشریفة:

((فَإِمْسَاکٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِیحٌ بِإِحْسَانٍ))(2).

ومما حث علیه رسول الإنسانیة والرحمة الإلهیة صلی الله علیه وآله وسلم هو أن یتعامل الزوج بأعلی درجات العشرة الحسنة بحیث لا یصدر منه إلا ما هو خیر لزوجته، سواء کان ذلک علی مستوی الکلام أو الفعل وفی کل مفردة من مفردات العلاقة الزوجیة وهذا ما یتضمنه قوله صلی الله علیه وآله وسلم:

«ألا خیرکم خیرکم لنسائه، وأنا خیرکم لنسائی»(3).


1- سورة النساء، الآیة: 19.
2- سورة البقرة، الآیة: 229.
3- وسائل الشیعة:ج 14 ص122 باب استحباب الإحسان إلی الزوجة.

ص: 43

وصدق الرسول الکریم صلی الله علیه وآله وسلم فی وصفه نفسه فلقد کان الأسوة الحسنة فی عشرته وحیاته الشخصیة حتی قالت إحدی زوجاته «کان خلقه القرآن»(1).

فالحیاة الزوجیة لا تکون سکناً ولا تحقق اطمئناناً إذا لم تسُدْها المودّة والرحمة، ولکی یجد الرجل راحته وینعم باستقرار باله ویعیش الحب والحنان لابد أن یعاشر زوجته بالحسنی.

ومن الوسائل الرائعة التی تضفی السرور علی أجواء الأسرة وتحقق الاستقرار النفسی للمرأة وتشبع الحالة الجمالیة لدیها وتوحی لها بالثقة الکبیرة هی قول الرجل لزوجته «أحبّکِ» وهذا ما أرشدنا إلیه الزوج القدوة والرسول الأسوة صلی الله علیه وآله وسلم  بقوله:

«قول الرجل للمرأة إنی أحبّکِ لا یذهب من قلبها أبداً»(2).

فإن لهذه الکلمة فعلها السحری علی قلب المرأة بل انها تضمن للرجل زوجة وفیة محبة لزوجها وحبیبها، فلا یبخل العاقل بقولها اذا اراد السعادة الزوجیة، فان لم یکن کذلک فی مشاعره الباطنة فلیطیب لها الکلام بقوله «أحبّکِ» قاصداً بحبها أنها امرأة مؤمنة تستحق الحب فی الله تعالی والمداراة، لأن مدارة الناس من الدین،فبهذه المداراة یصفو له العیش ویکسب الأجر الکبیر لأن مداراة الناس من الدین وهذا ما یؤکده الحدیث الشریف للرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم:

«أمرنی ربی بمداراة الناس کما أمرنی بالفرائض»(3).


1- منتخب الفضائل، مسند أحمد: 7 / 234.
2- وسائل الشیعة : ج 20، ص23.
3- وسائل الشیعة، عن تفسیر المعین: ص365.

ص: 44

وعلی المؤمن أن لا یجد فی نفسه حرجاً من حبه لزوجته وتصریحه بذلک فان حب النساء من الإیمان الذی أکده النبی المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم  بقوله:

«کلما ازداد العبد إیماناً ازداد حباً للنساء»(1).

ومراده من حب النساء ما وافق الشرع لا ما یخالفه، کما یحصل ذلک مع النساء الأجنبیات الذی یؤدی إلی هتک الأعراض وممارسة الشهوات المحرمة کالنظر المحرم والغزل واللمس وغیر ذلک.

ومما یتفرع علی حسن العشرة بین الزوجین الإشباع الغریزی الواعی البعید عن السذاجة الجنسیة وهذا ما یشیر إلیه الحدیث الشریف:

«ثلاثة من الجفاء: أن یصحب الرجل الرجل فلا یسأله عن اسمه وکنیته، وأن یدعی الرجل إلی الطعام فلا یجیب، أو یجیب فلا یأکل، ومواقعة الرجل أهله قبل الملاعبة»(2).

ومحل الشاهد فی الحدیث المقطع الأخیر من النصیحة الإسلامیة الرائعة «ومواقعة الرجل أهله...» فهذه العبارة الصریحة الواضحة التی تؤکد اهتمام الإسلام نابعة من عمق علمی فی فهم نفسیة المرأة والرجل معاً بل یتدرج الإسلام فی التدخل إلی ابعد من هذا الحد فیقول:

«إذا أراد أحدکم أن یأتی زوجته، فلا یعجلها، فإن للنساء حوائج»(3).

ما أروع رعایة الإسلام للمرأة وما اشد اهتمامه بها.


1- التفسیر المعین، عن البحار: ص424.
2- وسائل الشیعة:ج 12 ص145 باب استحباب ملاعبة الزوجة.
3- وسائل الشیعة: ج 14 ص83 باب استحباب ملاعبة الزوجة.

ص: 45

حق الطلاق

اشارة

الطلاق: هو انفصام العلاقة الزوجیة بین الرجل والمرأة وذلک من خلال التسریح بإحسان من قبل الرجل.

   من المکروهات والمبغوضات فی الإسلام الطلاق فلقد ورد فی الحدیث الشریف:

«ما احل الله شیئاً ابغض إلیه من الطلاق»(1).

وهو أمر وضع بید الرجل لقیومیة الرجل ولکن إذا أساء الرجل العشرة وترک الإنفاق فإنه یسلب هذا الحق لکی لا یقع علی الزوجة ظلم أو تعسف وهذا ما اتفق علیه علماء المسلمین ومما ذکر فی هذا الأمر قولهم: «إن الزوج إذا کان ممتنعاً من الإنفاق علی زوجته مع استحقاقها النفقة علیه رفعت أمرها إلی الحاکم فیأمر زوجها بالإنفاق أو الطلاق فإن امتنع عن کلیهما طلقها الحاکم...»(2) کما أعطی الإسلام الحق للمرأة التی کرهت عشرة زوجها أن تطلب منه الطلاق مع البذل بما یرضیه ویسمی هذا فی لغة الفقهاء الطلاق الخلعی وهناک تفریعات کثیرة نحیل طالبیها إلی کتب الفقه ونکتفی بما تقدم.

ومن الحقوق التی کفلها الإسلام للمرأة حق الأمان والإجارة فإذا أعطت المرأة أماناً أو أجارت أحداً من الأعداء المحاربین نفذ ذلک، وهذا ما تؤکده قصة أم هانی أخت أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب  علیه السلام حیث قالت للنبی صلی الله علیه وآله وسلم یوم فتح مکة:


1- التفسیر المعین: ص99.
2- المعاملات، السید الخوئی: ص301.

ص: 46

«إننی أجرت رجلین من إحمائی، فقال النبی صلی الله علیه وآله وسلم قد أجرنا من أجرتِ یا أم هانی».

ومن الحقوق التی تتعلق بالنکاح حق المرأة فی فسخ العقد عند اکتشاف أحد العیوب فی الزوج مما یوجب الفسخ، وهناک حقوق أخری تطلب من مظانها ترکناها روماً للاختصار. 

الإسلام یتجسد بالإمام الحسین  علیه السلام

   ختاماً لما تقدم من بیان مکانة المرأة فی الإسلام تتضح مکانة المرأة عند الإمام الحسین  علیه السلام الذی یمثل الإسلام الحقیقی والتام لما له من خواص اشتراک مع جده المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم بل هو جزء لا یتجزأ وعضو لا ینفصل من النور المحمدی کما دل علی ذلک قول النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم:

«حسین منی وأنا من حسین»(1).

وما ورد من الحقوق الکاملة التی سنها الإسلام للمرأة سنراه واضحاً من خلال اطلاعنا علی ما للمرأة عند السبط الشهید  علیه السلام وهذا ما سنتعرض له فی الفصل الثانی.


1- کشف الیقین، العلامة الحلی: ص305.

ص: 47   

 

الفصل الثانی: المرأة فی حیاة الإمام الحسین علیه السلام

اشارة

ص: 48

ص: 49

فی حیاة ریحانة الرسول وابن البتول الإمام السبط الشهید  علیه السلام مجموعة من النساء یختلفن فی نسبتهن منه فمنهن من حملته وغذته وربته، ومنهن من قاسمته عیشه وأفراحه وأحزانه، ومنهن من عاشرته ورافقته وکانت له وفیة مخلصة، ومنهن من عاشت فی کنفه وتغذت من علمه ونمت ببرکته، ومنهن من ضحت من أجله ونصرته واستشهدت بین یدیه، ومنهن من تعاطفت معه ونصرت ثورته وأدانت أعداءه، ومنهن من نصبت عزاءه وبکته وجزعت لأجله، ومنهن من زارته وأقامت مأتمه وفدته ویبقی الإمام الحسین  علیه السلام إماماً للمؤمنین والمؤمنات وقدوة فی کل الکمالات ومناراً للصبر والشجاعة والرحمة.

   فالمرور علی هذه المجامیع وهذه النساء یطلعنا علی علاقة الإمام  علیه السلام بالمرأة الأم والأخت والزوجة والبنت والموالیة والمتعاطفة والنائحة، ویطلعنا علی صفحة أخری من صفحات حیاته الشریفة ویدلنا علی شخصیة الإمام الاجتماعیة والشخصیة ویوضح ویجلی الغبار الذی ترکته معرکة الطف علی الصفحة

ص: 50

الاجتماعیة من حیاته الشریفة حیث کتب الکثیرون وبکی الجمیع وناحت الأحبة علی مظلومیة الإمام الحسین  علیه السلام وصرخت الأمة الإسلامیة المنصفة لمصابه الجلل مما أضفی علی شخصیة الإمام الحسین  علیه السلام طابع التضحیة والفداء والشهادة والألم والحزن واللوعة فأدی ذلک إلی طمس الجوانب الأخری فی حیاته کبرّه لأمه السیدة الزهراء علیها السلام وحنوّه علی أخواته وحسن عشرته مع زوجاته ورحمته ورأفته ببناته وأولاده، ووصل الأمر بالکاتب الذی یکتب عن الإمام الحسین  علیه السلام أن یمر علی حیاته الاجتماعیة مرور الکرام أو بشکل موجز لا یظهر الجانب الآخر من شخصیته الکریمة.

فرأیت من الوفاء للإمام  علیه السلام أن نعرِّف للأمة بأدبه وعشرته مع المرأة القریبة والبعیدة علی حد سواء لکی یطلع الجمیع علی هذه الحقیقة الرائعة ألا وهی إن الإمام الشهید  علیه السلام کبیر وعظیم وعالٍ فی حیاته الاجتماعیة کما هو فی حیاته الثوریة والجهادیة، ونرید أن نخاطب المناصرین للمرأة والمنادین بحقوقها من خلال طرح الخلق الإسلامی الرفیع المتجسد فی القرآن الناطق العینی الذی هو الإمام المعصوم  علیه السلام ونقول لهم بفم ملیء، هذه مکانة المرأة فی الإسلام.

کما إننا نوجه رسالة إلی من یقتدی بالإمام  علیه السلام أن ینظر إلی حسن تعامل الإمام  علیه السلام مع المرأة وأن یسیر علی نهجه فی ذلک وفی نفس الوقت نقطع الطریق علی من یتاجر بمظلومیة المرأة فی الدیانات افتراءً وکذباً ونرشد النساء إلی إعمال مقارنة بین ما یدعو إلیه الإمام الحسین  علیه السلام فی معاملة المرأة وبین الأفکار والنظریات التی تذهب بالمرأة بعیداً عن فطرتها السلیمة وطهارتها الباطنیة والظاهریة.

ص: 51

الأم فی حیاة الإمام  علیه السلام

   أوصی الله سبحانه بالوالدین لبیان کرامتهما عنده وارشاد الأولاد إلی حفظ حقهما، ولشدة الرعایة الإلهیة فی ذلک قرن عبادته بالإحسان إلیهما کما فی قوله تعالی:

((وَقَضَی رَبُّکَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِیَّاهُ وَبِالْوَالِدَیْنِ إِحْسَانًا))(1).

وأما فی مقام شکر المنعم ورد الجمیل ومجازاة الإحسان یربی الله سبحانه وتعالی عباده علی ذلک فیقول:

((أَنِ اشْکُرْ لِی وَلِوَالِدَیْکَ إِلَیَّ الْمَصِیرُ))(2).

وتوالت الآیات الکریمة التی تؤکد احترام الوالدین والإحسان إلیهما إلی حد بلغت کمال الحجة علی الأولاد لکی لا یفر الولد من أداء حقهما، ثم جاءت الآیات الأخری التی تعلمنا الدعاء لهما والرحمة بهما کما فی قوله تعالی:

((رَبَّنَا اغْفِرْ لِی وَلِوَالِدَیَّ...))(3).

وخصت آیات أخری الوالدة بعینها لبیان وجوب برها وتعظیمها کما فی قوله تعالی علی لسان عیسی  علیه السلام روح الله وکلمته إلی أمه مریم:

((وَبَرًّا بِوَالِدَتِی وَلَمْ یَجْعَلْنِی جَبَّارًا شَقِیًّا))(4).


1- سورة الإسراء، الآیة: 23.
2- سورة لقمان، الآیة: 14.
3- سورة إبراهیم، الآیة: 41.
4- سورة مریم، الآیة: 32.

ص: 52

ولکی لا یقول قائل إن الآیة إشارة إلی «أم» عیسی  علیه السلام فقط لعدم وجود الأب، فتقول إن الآیة الکریمة:

((وَوَصَّیْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَیْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَی وَهْنٍ...))(1).

فیها إشارة إلی دور الأم وألمها وهذا ما أکده الحدیث الشریف فی محاورة الرجل الذی حج بأمه فسأل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم  هل وفیت حقها؟ أجابه صلی الله علیه وآله وسلم لَمْ توفِ طلقة من طلقاتها:«إن رجلاً حج بأمه فحملها علی عاتقه فسأله، هل قضی حقها؟ قال:

لا ولا طلقة واحدة»(2).

وهناک من سأل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن بر الوالدین وبأیهما یبدأ فأجابه الرسول الکریم صلی الله علیه وآله وسلم ابدأ بأمک کما فی هذا الحدیث الشریف:

«یا رسول الله من أحق الناس بحسن صحبتی؟ قال: أمک، قال: ثم من؟ قال: أمک، قال: ثم من؟ قال: أمک، قال: ثم من؟ قال: أمک، قال: ثم من؟ قال: أبوک»(3).

فمما تقدم یتضح وجوب رعایة الأم والإحسان إلیها علی وجه الخصوص وهذا ما أکده الإسلام الحنیف الذی جسّده رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی أکمل صورة.

ولا عجب أن نری تعامل الإمام الحسین  علیه السلام مع والدته السیدة الزهراء الأم النسبیة ومع أم البنین الأم الموالیة وأم سلمة الأم القرآنیة.


1- سورة لقمان، الآیة: 14.
2- النهایة فی غریب الحدیث: ج3، ص 136.
3- بحار الأنوار: ج 71، ص 49.

ص: 53

مع أمه الزهراء علیها السلام

اشارة

علاقة الصدیقة فاطمة الزهراء علیها السلام بولدها الإمام الحسین  علیه السلام لیس کعلاقة الأمهات بأولادهن وإن کانت مراحل العلاقة مشابهة لمراحل الأولاد الآخرین، أی عندما تبدأ علاقة الأم بولدها من مرحلة اختیار الأب الذی یصلح لهذا الولید وتمر بمرحلة الحمل والولادة والتربیة والعشرة وتنتهی بمرحلة الفراق والموت.

فلقد کانت مرحلة الولید فی رتبة اختیار الأب بالنسبة للإمام  علیه السلام مرحلة کاملة لا یعیبها عیب لاختیار الله سبحانه الزوج الکفؤ للسیدة فاطمة الزهراء علیها السلام ألا وهو أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب  علیه السلام الذی عبر عنه الحدیث القدسی بالنور وسمی هذا الارتباط المبارک بزواج النور من النور فی السموات العلی فأثمر هذا الارتباط الإلهی المقدس أنواراً إلهیة ثانیها نور الإمام الحسین  علیه السلام وهذا ما أکدّه النور الأول وسید الکائنات رسول الرحمة النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم بقوله:

«ثم فتق نور ولدی الحسین فخلق منه الجنة وحور العین، فنور ولدی الحسین أفضل من الجنة وحور العین»(1).

وهکذا المراحل الأخری التی مر بها الإمام الحسین  علیه السلام کانت تحت الاختبار والرعایة الإلهیة بل کانت کل مرحلة من وجوده المقدس کرامةً بذاتها ومقدسة وطاهرة عن کل دنس ومعصومة من کل رجس، فلا عجب أن نری وجوداً کالإمام الحسین  علیه السلام یفیض رحمةً ورأفةً وإحساناً مع کل من عاشرهم وعاش فی أکنافهم وتربی فی حجورهم.


1- تفسیر کنز الدقائق، المیرزا محمد المشهدی: ج 2، ص 525.

ص: 54

فالإمام  علیه السلام هو الإسلام والإسلام هو الإمام بل إن الإمام  علیه السلام هو الوجود العینی للإسلام وللقرآن الکریم، فإذا کان الإمام الحسین  علیه السلام بهذه الصورة المنیرة وهذه الصفة الواضحة للقرآن الکریم یکون حینئذ عین العدل والإحسان وعین الأدب الإلهی وعین البر والمعروف ومن ثم یتضح نوع العشرة التی عاشرها الإمام علیه السلام لأمه الصدیقة ولأستاذته ومربیته فاطمة الزهراء علیها السلام.

ولکی نقف علی شیء من التفصیل فی فقرات حیاته الکریمة مع أمه الزهراءعلیها السلام ومع زوجة أبیه السیدة الطاهرة أم البنین ومع أمه القرآنیة أم سلمة لابد أن نطلع علی شذرات من خلقه مع هذه النساء الثلاث وکیف کان یتعامل معهن کأمهات وکمؤمنات، ولابد أن نقتدی به فی عشرتنا مع أمهاتنا أیضاً.                     

السیدة فاطمة تبکی فی فرحها

ورد فی کتاب مدینة المعاجز ذکر الإمام الحسین  علیه السلام وأحوال الولادة المبارکة التی تدل علی الرعایة الإلهیة والید الغیبیة فی إیجاد هذا الوجود الطاهر، وما ذکره ابن عباس فیه دلالة واضحة علی ما أسلفنا حیث یقول:

«لما أراد الله تعالی أن یهب لفاطمة الزهراء الحسین  علیهما السلام أوحی الله عز وجل للعیا أن اهبطی إلی دار الدنیا إلی بنت حبیبی محمد صلی الله علیه وآله وسلم... __ إلی أن قال __ وقالت لها: مرحباً بکِ یا بنت محمد کیف حالک؟.

قالت علیها السلام: بخیر.

ولحق فاطمة علیها السلام الحیاء من لعیا، ثم أن فاطمة ولدت الحسین فی وقت الفجر، فقبلتها لعیا وقطعت سرته، ونشفته بمندیل من منادیل الجنة وقبلت عینیه... وقالت له: بارک الله فیک من مولود وبارک فی والدیک __ إلی أن قال __ ودخل

ص: 55

النبی صلی الله علیه وآله وسلم علی فاطمة، فأقرأها من الله السلام، وقال لها:

یابنیة سمیه الحسین، فقد سماه الله الحسین.

فقالت: من مولای السلام وإلیه یعود السلام، والسلام علی جبرائیل. وهنأها النبی صلی الله علیه وآله وسلم وبکی.

فقالت: یا أبتاه تهنئنی وتبکی؟

قال: نعم یا بنیةِ آجرک الله فی مولودک هذا.

فشهقت شهقة وأخذت بالبکاء، وساعدتها لعیا ووصایفها، ثم قالت: یا أبتاه من یقتل ولدی وقرة عینی وثمرة فؤادی؟. قال: شرذمة من أمتی یرجون شفاعتی لا أنالهم الله ذلک.

قالت فاطمة علیها السلام: خابت أمة قتلت ابن بنت نبیها...»(1) .

   ولو تأملنا فی هذا الحدیث الذی تقشعر له الأبدان لا نستطیع أن نمنع أنفسنا من مشارکة النبی صلی الله علیه وآله وسلم وابنته المظلومة بالبکاء، أیصح أن تبکی النفساء فی یوم ولادتها لولد ذکر مبارک؟.

 أیجوز أن تکون خاتمة ولید مقدس طاهر من بطن طاهر وتربی فی حجر طاهر القتل بهذه الصورة البشعة؟.

أیجوز أن یکافئ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ونبی الرحمة ومنقذ العباد من الهلکة بهذه المکافأة؟.

أیجوز التعدی علی حدود الله تعالی رغم معرفة الأمة بحدوده فی أهل بیت نبیه صلی الله علیه وآله وسلم؟.


1- مسند فاطمة: ص 314.

ص: 56     

تربیتها علیها السلام للإمام الحسین  علیه السلام

   لا نرید أن نتطرق إلی الصور الرائعة والمواقف الملیئة بالحنو والعاطفة التی بدرت من السیدة فاطمة الزهراء علیها السلام تجاه أولادها جمیعاً لضیق المقام، ولکن مادمنا فی صدد بیان العلاقة بین السیدة فاطمة الزهراء علیها السلام وبین ولدها الإمام الحسین  علیه السلام لا بد أن نقف علی بعض الصور التی توضح عاطفة الأم ومدی علاقتها بولدها ولاسیما إذا کانت الأم فاطمة علیها السلام والولد الإمام الحسین  علیه السلام.

   بعد أن ذکرنا قصة بکائها فی یوم ولادتها لولیدها المبارک الإمام الحسین علیه السلام نذکر روایة أخری تبین حنوّ الأم وعاطفتها، وقلقها عند فقدانه فلقد جاء فی مسند فاطمة «أن فاطمة أقبلت علی أبیها رسول الله باکیة فی المسجد وهی تقول:

یا أبه وضعت الحسین فی مهده، وأخذت فی طحن الحب ساعة، فافتقدته، ولم أجده فی مهده؟.

فهبط الأمین جبرائیل وقال:

یا رسول أبلغ فاطمة السلام وقل لها: فلتقر عیناها فان الحسین لم یصبه شیء وهو من المقربین... إلی أن قال... والآن رددته وهو فی المهد»(1).

   فکان اهتمام السیدة الصدیقة بولدها ینتقش فی ذهنه الشریف، ویتغذاه مع طعامه وینمو شعوره بحب هذه المدرسة الإلهیة التی ما بخلت علیه بشیء من آداب الإسلام، ومما یذکر أیضاً أنها کانت تنقزه فی أثناء طفولته وتقول له:

أنت شبیه بأبی         

لست شبیها بعلی(2)

فلقد کان کل سلوک تسلکه الحوراء الإنسیة علیها السلام مع ابنها له الأثر البالغ علی


1- مسند فاطمة: ص316.
2- مسند فاطمة الزهراء: ص 318.

ص: 57

نفسیته الکریمة، وکل نفس تتنفسه هو بمثابة إشعاع ینیر روحیة الولید المبارک، کیف لا وهی الرفیقة اللینة، وهی منبع السکینة والرحمة؟!

وفی الروایة التی تقول «إن سلمان، قال:

کانت فاطمة علیها السلام جالسة وقدامها رحی تطحن بها الشعیر وعلی عمود الرحی دم سائل والحسین فی ناحیة الدار یتضور من الجوع، فقلت: یا بنت رسول الله دبرت کفاک وهذه فضة»؟!. فقالت:

أوصانی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن تکون الخدمة لها یوماً، فکان أمس یوم خدمتها.

قال: سلمان: إنی مولی عتاقة، أما أن اطحن الشعیر أو أسکّت الحسین لک.

قالت:

أنا بتسکیته أرفق وأنت تطحن الشعیر...»(1).

لنا فیما تقدم الموعظة الکاملة التی تبنی خلق المسلم رجلاً کان أو امرأة، فهذا الصحابی الجلیل سلمان المحمدی لم یستحِ أن یجعل من نفسه خادماً لفاطمة الزهراء علیها السلام لعلمه بمکانتها ومکانة أهل البیت علیهم السلام ولم یستنکف أن یعمل عمل النساء من شؤون البیت لما فیه الثواب الجزیل، وفی هذه الروایة یتضح معنی الحدیث النبوی الشریف الذی یقول:

«جهاد المرأة حسن التبعل»(2).

وتشرق روح الزهراء علیها السلام الإلهیة علی أرواح محبّیها وتعلّم المرأة المسلمة أداب الحیاة الزوجیة ودرجة التکافل بین أفراد الأسرة وعدم الترفع علی خدمة


1- مسند فاطمة الزهراء: ص 319.
2- بحار الأنوار: ج 18، ص 107.

ص: 58

العائلة ولو کانت الخادمة فاطمة الزهراء علیها السلام.

إننا نغبط تلک الرحی التی لامست ید النور الإلهی المقدس، ید العفة والطهارة، ید الحوراء الإنسیة علیها السلام ونهنئ عمود الرحی الذی تحنی بدم یدها الشریفة، ومن جهة أخری نقول وا لهفاه علیک یا بنت المصطفی وعلی ولدک الإمام الحسین الذی شارککِ آلام الجوع.

ومما یصلح کحجة نحتج بها علی النساء اللواتی اتخذن خادمات محتاجات للمال وقد أعوزهن الدهر لذلک بما جاء فی هذه الروایة التی تبیّن مدی إنسانیة الإسلام المتجسد برسول الرحمة صلی الله علیه وآله وسلم وبابنته الزهراء علیها السلام، فما هذه المقاسمة فی العمل مع خادمتها إلاّ دلیل علی إنسانیة البیت النبوی ورحمة سیدة البیت فاطمة الزهراء علیها السلام.

ومما ذکر عن رعایتها للإمام الحسین  علیه السلام کانت تحرص علی إظهار التبری من قاتل الحسین   علیه السلام لتثقف الأمة علی موالاة الحسین   علیه السلام والبراءة من أعدائه، وکانت تحث الأمة علی نصرته فی کربلاء، وفی الوقت نفسه تلقی الحجة علی الأمة لکی لا تتخلی عن نصرة الحق وهذا ما یؤکده قولها فی أثناء حوارها مع أبیها المصطفیصلی الله علیه وآله وسلم عندما هنأها بولادة الإمام الحسین  علیه السلام وبکی وسألته عن سبب بکائها فأجابها بأنه یقتل فقالت:

«خابت امة قتلت ابن بنت نبیها...»(1).

   وفی موضع أخر فی محاورة أخری قالت:

«یالیتنی لم ألده، قاتل الحسین فی النار»(2).


1- مسند فاطمة: ص 314.
2- مسند فاطمة: ص 316.

ص: 59

وکانت لهفتها ورقتها وحنّوها ظاهر فی مفردات کلامها الشریف عندما تسألهما عن سبب تأخرها عنها فی الحضور إلی البیت مما یدل علی علو العاطفة الفاطمیة اتجاه ولدیها الإمامین الحسنین  علیهما السلام وهذا ما یظهر فی الحوار الأتی المذکور فی هذه الروایة الرائعة التی تقول: «حتی اقبل ابناک الحسن والحسین حتی جلسا فی حجر أمهما، فسألتهما:

ما أبطأکما وما حبسکما عنی...»؟(1).

والحدیث علی لسان أمیر  المؤمنین  علیه السلام یحاور به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی حدیث طویل.

وکان قلب السیدة الزهراء  علیها السلام یفوح برائحة الأمومة الطاهرة، ویفیض رحمة وعاطفة حتی وصل الحال بها أن تسأل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الذی هو عین العدل وعین الرحمة أتشجع الکبیر علی الصغیر؟.

عندما کانا یصطرعان وهذا ما روی عن الإمام الصادق  علیه السلام عن آبائه علیهم السلام:

«دخل النبی صلی الله علیه وآله وسلم ذات لیلة بیت فاطمة علیها السلام ومع الحسن والحسین  علیهما السلام فقال لهما النبی صلی الله علیه وآله وسلم قوما فاصطرعا، فقاما لیصطرعا وقد خرجت فاطمة صلوات الله علیها فی بعض خدمتها، فدخلت، فسمعت النبی صلی الله علیه وآله وسلم وهو یقول: أبه یا حسن شد علی الحسین، فاصرعه.

فقالت له: یا أبه واعجباه أتشجع هذا علی هذا؟ أتشجع الکبیر علی الصغیر؟.

فقال لها: یا بنیة أما ترضین أن أقول أنا: یا حسن شد علی


1- مسند فاطمة: ص 329.

ص: 60

الحسین، فاصرعه وهذا حبیبی جبرائیل  علیه السلام یقول: یاحسین شد علی الحسن فاصرعه»(1).

فتکلمت عاطفة الأم التی تری وجوب رعایة الصغیر وضرورة الدفع عنه، وهذا مما ارتسم فی ذهن الإمام الحسین  علیه السلام منذ صغر سنه فصار منهجاً للتعامل مع صغاره وصغار المسلمین فی أتم الرحمة وأعلی درجات العاطفة ومما یذکر فی هذا الأمر ما تتشعب له قلوب الأحبة فلقد ورد «أن سید الشهداء  علیه السلام عندما توجه إلی ساحة القتال سمع السیدة رقیة تنادیه قائلة:

أبتاه لن أحول دون ذهابک ولکن قف لی هنیئة لأراک وأتزود منک، فأخذها سید الشهداء  علیه السلام فی حضنه وجعل یقبلها ویصبرها...»(2).

وورد فی موضع آخر «أن السیدة رقیة علیها السلام أخذت تهرول خلف أبیها الإمام الحسین  علیه السلام برجلین أتقلها العطش حتی وصلت إلیه وتشبثت بأذیاله وهی تقول:

أبتاه انظر إلیّ فإنی عطشانة.

وما أن سمع سید الشهداء  علیه السلام هذه الکلمات المشجیة جهش بالبکاء وخاطبها بدموع جاریة:

الله یسقیکِ فإنه وکیلی علیکم...»(3).


1- بحار الأنوار: ج 37، ص 7.
2- السیدة رقیة للخلخالی: ص 154، نقلاً عن وقائع عاشوراء  للسید محمد تقی مقدم: ص455.
3- السیدة رقیة للخلخالی:ص156، نقلاً عن الوقائع والحوادث: ج3، ص192.

ص: 61

    وسنتعرض للمزید من أجل الوقوف علی رحمة الإمام ورأفته وحنوه وعاطفته فی موضوع «المرأة البنت».

أم البنین علیها السلام

اشارة

عندما یلاحظ المتأمل المرأة یظن للوهلة الأولی أن هناک تلازماً بین غیرة المرأة وبین ذاتها، فیحکم بأن الغیرة المذمومة من ذاتیات المرأة لکثرة ما یری ویسمع عن غیرة النساء التی هی منشأ العداء بینهن، وهذه الغیرة التی یعبر عنها النبی صلی الله علیه وآله وسلم والأئمة الطاهرون علیهم السلام بأنها من الکفر بقولهم:

«غیرة الرجل إیمان، وغیرة المرأة کفر»(1).

ناشئة من عوامل متعددة أهمها الحسد الذی یملأ قلب المرأة غیظاً وحنقاً علی ضرتها ومنافستها، بل یتعدّی ذلک إلی الأولاد أیضاً کما روی ان عائشة کانت تقول «ما غرت من امرأة کما غرت من خدیجة» وتعدی هذا البغض إلی فاطمة الزهراء علیها السلام لأنها کانت ابنة من أحبها النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم بل یذکر فی التأریخ أن عائشة کانت تتهجم علی السیدة الکبری خدیجة بنت خویلد أمام رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فیغضب لذلک حتی یحمر وجهه الشریف ویرد علیها بقوله:

«صدقتنی إذ کذبنی الناس وواستنی بمال إذ صرفنی الناس ورزقنی الله منها الولد إذ لم یرزقنی من غیرها»(2).

فهناک الکثیرات مثل عائشة بل تکاد الغیرة أن تکون صفة أغلب النساء إلا ما رحم ربی.


1- جامع احادیث الشیعة للبروجردی: ج 20 ص 274.
2- روضة الواعظین للنیسابوری: ص 369.

ص: 62

ومن النساء التی سمت وارتفعت عن هذا المرض الوبیل وعن هذا الکفر القاتل السیدة الطاهرة أم البنین علیها السلام هذه المرأة التی جعلت نفسها خادمة لأولاد ضرتها وفضلتهم علی اولادها وأمرتهم أن یکونوا بخدمة أولاد فاطمة علیهم السلام بل زفتهم بیدها الی کربلاء وهی تعلم انهم سیکونون القرابین المضرجة بالدماء ولن یرجعوا الیها مع حاجتها الماسة الیهم حتی وصل بها الأمر أن تسأل الناعی عن سلامة الإمام الحسین  علیه السلام قبل أن تسأل عن أولادها وفلذة کبدها.

مع الإمام الحسین  علیه السلام قبل شهادته

قامت السیدة أم البنین علیها السلام بتعویض سبطی الرسالة وسیدی شباب أهل الجنة العطف والحنان اللذین فقداهما بعد وفاة امهما السیدة فاطمة الزهراء علیها السلام من خلال ما تکنه فی نفسها من مودة وحب واحترام للحسن والحسین  علیهما السلام ما لا تکنه لأولادها الذین هم اشبال أمیر المؤمنین  علیه السلام فی کمالهم وآدابهم، وکانت تنطلق من الأمر الالهی فی قوله تعالی:

((قُلْ لَا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی)).

حتی وصلت بها الرقة والمداراة لاولاد الرسول الکریم صلی الله علیه وآله وسلم بأنها طلبت من الإمام أمیر المؤمنین  علیه السلام أن یوصی أهل بیته بأن لایدعوها أحد ب_اسمها «فاطمة» لکی لایتذکر أبناء فاطمة الزهراء علیها السلام أمهم فیتجدد حزنهم وتثار أشجانهم، فاستجاب لها الإمام أمیر المؤمنین  علیه السلام ودعاها ب_«أم البنین».

وتم هذا تحت درایة الإمام الحسین  علیه السلام مما أثر فی مستوی العلاقة بینه وبین هذه السیدة الجلیلة، ومما یذکر أیضاً انها عندما زفت الی بیت الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام وجدت الإمامین الحسن والحسین  علیهما السلام مریضین، فأخذت تمرضهما

ص: 63

وتقوم علی رعایتهما واغدقت علیهما العطف والحنان واسمعتهما طیب الکلام حتی عوفیا من مرضهما. هذا الخلق الرفیع وهذه العاطفة الجیاشة والرقة الواسعة ینم عن جلالة هذه السیدة الکریمة وعن کبر عقلها وتجردها من غیرة النساء والتزامها بتکلیفها الشرعی ازاء اولاد الصدیقة الطاهرة علیها السلام ولا شک فی ان یحتفظ الإمام الحسین علیه السلام بهذه الصورة الناصعة فی ذهنه الشریف فتکون منطلقا للتعامل مع هذه الأم الحنون والکف الرؤوف.

مع الإمام الحسین  علیه السلام بعد شهادته

لا غرابة أن تقف السیدة الفاضلة أم البنین علیها السلام هذا الموقف من ولدها الإمام الحسین  علیه السلام وتسأل عنه قبل أن تسأل عن سلامة أولادها بل عاتبت الناعی الذی أراد أن یسلیها ویصرفها عن السؤال عن سلامة الإمام  علیه السلام، فإن دل هذا علی شیء إنما یدل علی علو رتبتها فی دینها حیث رأت وجوب الاطمئنان علی إمام زمانها ویدل ایضاً علی شدة ولایتها لأهل بیت العصمة علیهم السلام، ولو نظرنا من زاویة أخری للعلاقة بین الإمام الشهید  علیه السلام وبین السیدة أم البنین علیها السلام لوجدنا حباً متبادلاً واحتراماً کبیراً بینهما یجسد حب الأم لولدها وحب الولد لأمه الوفیة الرؤوف، حب ینم عن الإیثار الذی تتصف به هذه السیدة الجلیلة عندما تقدم أولادها الأربعة کقرابین بین یدی أخیهم وإمامهم الحسین  علیه السلام لایختلف إیثارهاعن إیثار الأنبیاء علیهم السلام فلقد آثر نبی الله یعقوب  علیه السلام ولده یوسف علی أخوته لحکمة إلهیة کذلک آثرت السیدة أم البنین علیها السلام الإمام الحسین  علیه السلام علی اخوته من أبیه فی حیاته وآثرته علیهم بعد شهادته وهذا ما یؤکده الحوار الذی حصل بینها وبین بشر بن حذلم حیث یقول: «ورأیت امرأة کبیرة تحمل علی عاتقها طفلاً وهی تشق الصفوف نحوی، فلما وصلت قالت:

ص: 64

یا هذا أخبرنی عن سیدی الحسین  علیه السلام.

فقلت إنها ذاهلة؛ لأنی أنادی «قتل الحسین» وهی تسألنی عنه، فسألت عنها، فقیل لی: هذه أم البنین علیها السلام، فأشفقت علیها وخفت أن أخبرها بأولادها مرة واحدة. فقلت لها: عظم الله لک الأجر بولدک عبدالله. فقالت:ما سألتک عن عبدالله، أخبرنی عن الحسین  علیه السلام. قال: فقلت لها: عظم الله لک الأجر بولدک عثمان. فقالت: ما سألتک عن عثمان، أخبرنی عن الحسین علیه السلام.

قلت لها: عظم الله لک الأجر بولدک جعفر. فقالت:

ما سألتک عن جعفر، فانّ ولدی وما أظلته السماء فداءٌ للحسین  علیه السلام، أخبرنی عن الحسین علیه السلام.

قلت لها: عظم لک الأجر بولدک أبی الفضل العباس. قال بشر: لقد رأیتها وقد وضعت یدیها علی خاصرتها وسقط الطفل من علی عاتقها وقالت:

لقد والله قطعت نیاط قلبی، أخبرنی عن الحسین.

قال: فقلت لها: عظم الله لک الأجر بمصاب مولانا أبی عبدالله الحسین  علیه السلام(1).

الأم القرآنیة أم سلمة رضی الله عنها

اشارة

دخلت السیدة أم سلمة التاریخ من خلال اقترانها بسید الکائنات النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم وکانت الزوجة المثالیة والمؤمنة الموالیة والمجاهدة الصابرة التی شهد لها الصادق الأمین صلی الله علیه وآله وسلم بذلک عندما قال لها «انت علی خیر» فی قصة أصحاب الکساء، وکانت المرأة المهاجرة والحریصة علی دینها والمواسیة لزوجها أبی سلمة والمطیعة لأوامره کما فی هذه المحاورة الجمیلة التی تمثل درساً إخلاقیاً تقتدی به


1- أم البنین، الخلخالی: ص146.

ص: 65

الزوجات المؤمنات. یسأل أبو سلمة زوجته المؤمنة: أتطیعینی؟.

قالت : ما استأمرتک إلا وانا ارید أن أطیعک(1).

فلا عجب ان تتمتّع امرأة کأم سلمة بهذا الخلق الرفیع وهی التی شربت حب الإسلام وتزینت بآدابه، ونهلت من تعالیمه حتی صارت فی طلیعة النساء المسلمات اللواتی رسخ الإیمان فی قلوبهن، وانعقدت العقائد الصحیحة بین اضلعهن، فهی من أهل الاستقامة والولاء للنبی صلی الله علیه وآله وسلم وآله الأطهار علیهم السلام ومن الدعاة الی الله تعالی والتی قضت عمرها فی نشر دینه الحنیف.

عاشت أم سلمة مع زوجها أبی سلمة فی وئام وانسجام وتکافل وتعاون ومواساة حتی بلغ حبها واحترامها لزوجها انها لم تطلب من الله تعالی ان یخلفها عنه بخیر منه وهذا ما تؤکده فی حدیثها قالت أم سلمة: فلما أصبت بأبی سلمة قلت: اللهم عندک احتسب مصیبتی هذه، ولم تطب نفسی أن أقول: اللهم اخلفنی فیه بخیر منه. ثم قالت: من خیر من أبی سلمة؟ ألیس، ألیس...»(2).

أی لیس هناک من هو خیر من زوجها لأنه فعل معها من المعروف والعشرة الطیبة الکثیر فلذلک تقول ألیس، ألیس أی ألیس هو المؤمن المهاجر والزوج المحب الوفی والعشیر الطیب؟ فلذلک لاتری بدیلاً خیراً منه.

أم سلمة فی بیت النبی صلی الله علیه وآله وسلم

لا تری أم سلمة رجلاً خیراً من أبی سلمة فلذلک لما تعرض لخطبتها ابو بکر وعمر ردتهما الی أن جاء خیر البشر جمیعاً وسید الکائنات الذی لایضاهی


1- وسط الغابة: 5/ 589،عن اعلام النساء.
2- صفوة الصفوة: 2/ 21.

ص: 66

فی کماله ولایصل الیه احد فی جماله فأرسل الیها خاطباً فقالت عندها: مرحباً برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم نعم لیس هناک أفضل وأکمل من هذا البدیل فقد أخلفها الله تعالی بما هو خیر لها من زوجها المؤمن أبی سلمة. ألا وهو رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فلما مَنَّ الله تعالی علیها بهذه النعمة الکبیرة والخلف الحسن؛ دخلت أم سلمة بیت النبی صلی الله علیه وآله وسلم وکان اول اهتماماتها هو رضا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وتحقیق رغباته فصارت تحب من یحب وتبغض من یبغض حتی بلغ بها الأمر أن تحب السیدة خدیجة وهی ضرتها لأن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان یحبها ویذکرها بمحبة فأحبتها وأحبت اولادها.

ولمست أن النبی یحب علیاً  علیه السلام فأحبت علیاً علیه السلام ووالته وأخلصت له ولأولاده ولاسیما صاحب الشأن الإمام الشهید الحسین علیه السلام.

ولکی لایطول الکلام عن أم سلمة رضی الله عنهانکتفی بهذا المقدار لکی یتسنی للقارئ الکریم معرفة هذه الشخصیة الکبیرة.

أم الإمام الحسین القرآنیة

اشارة

نزلت آیة کریمة تبین العلاقة الشرعیة بین المؤمنین وبین زوجات الرسول الکریم صلی الله علیه وآله وسلم لکی یتضح الموقف الشرعی الذی یجب أن یقفه الرجال خاصة من نساء النبی صلی الله علیه وآله وسلم، ففی هذه الآیة الکریمة:

((النَّبِیُّ أَوْلَی بِالْمُؤْمِنِینَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ...))(1).

أصبح الحکم الشرعی الفقهی صریحاً بحرمة زوجات النبی صلی الله علیه وآله وسلم علی غیره لأنهن امهات للمؤمنین.


1- سورة الاحزاب، الآیة:6.

ص: 67

ومن هذا المنطلق صارت أم سلمة التی هی من أفضل زوجات النبی صلی الله علیه وآله وسلم أماً للإمام الحسین علیه السلام بحکم القرآن الکریم ویصدق علیها بأنها الأم القرآنیة للإمام الحسین علیه السلام ، ومن جهة أخری کانت المرأة الفاضلة التی تحمل بین جنبیها کل ما أمر به القرآن الکریم حیال أهل البیت علیهم السلام ابتداءً من المودة وانتهاء ًبالموالاة والطاعة، فهی المحبة والعطوفة والمدافعة عنهم والموالیة لهم.

ولهذا ومثله أصبح لأم سلمة رضی الله عنهامنزلة کبیرة فی نفوس أهل البیت علیهم السلام بحیث أصبحت المفضلة عندهم التی یشرکونها فی أمورهم المهمة کما روی ثقة الاسلام الکلینی عن الإمام الصادق  علیه السلام:

«قال إن علیاً (صلوات الله علیه) حین سار الی الکوفة استودع أم سلمة کتبه والوصیة فلما رجع الإمام الحسن  علیه السلام دفعتها الیه»(1).

وروی أیضاً عن الإمام الصادق  علیه السلام قال:

«ان الحسین  علیه السلام لما صار الی العراق استودع ام سلمةرضی الله عنهاالکتب والوصیة، فلما رجع علی بن الحسین  علیه السلام دفعتها الیه»(2).

ومما یؤکد مقامها عند أهل البیت علیهم السلام هو استئمان النبی صلی الله علیه وآله وسلم تربة الإمام الحسین علیه السلام عندها لتکن الشاهدة الصادقة علی هذه الأمة التی غدرت برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.


1- أصول الکافی: 151.
2- المصدر نفسه.

ص: 68

مع أم سلمة قبل الشهادة

تقدم الکلام عن هذه السیدة الجلیلة والأم الحنون والکف الرؤوف والثقة المؤتمنة، وکیف أصبحت بهذه المنزلة الکبیرة حیث صارت مؤتمنة لأمیر المؤمنین علیه السلام وللامام الحسین  علیه السلام علی أهم مالدیهما، والآن نسلط الضوء علی مدی علاقة هذه الأم العطوف بولدها الإمام الحسین  علیه السلام الذی یخاطبها «یا اماه» دون حرج وقید کما سیأتی فی هذه المحاورة عن بعض الکتب: لما عزم علی الخروج من المدینة أتته أم سلمة رضی الله عنهافقالت: یا بنی لا تحزنی بخروجک إلی العراق، فإنی سمعت جدک یقول:

یقتل ولدی الحسین  علیه السلام بأرض العراق فی أرض یقال لها: کربلاء.

فقال لها:

یا اماه وأنا والله أعلم ذلک، وانی مقتول لا محالة، ولیس لی من هذا بد، وإنی والله لأعرف الیوم الذی اقتل فیه، وأعرف من یقتلنی، واعرف البقعة التی ادفن فیها، وإنی أعرف من یقتل أهل بیتی وقرابتی وشیعتی، وإن أردت یا أماه اریک حفرتی ومضجعی(1).

ثم اشار إلی جهة کربلاء، فانخفضت الارض حتی أراها مضجعه ومدفنه وموضع عسکره وموقفه ومشهده، فعند ذلک بکت ام سلمة بکاءً شدیداً، وسلمت أمره إلی الله تعالی. فقال لها:

یا اماه قد شاء الله عزوجل أن یرانی مقتولاً مذبوحاً ظلماً وعدوانا، وقد شاء أن یری حرمی ورهطی ونسائی مشردین، واطفالی مذبوحین مظلومین مأسورین مقیدین، وهم یستغیثون فلا یجدون ناصراً ولا معینا»(2).


1- بحار الأنوار للمجلسی: ج 44 ص 331.
2- الاسرار الحسینیة فی المقامات الملکوتیة والمعانی الروحانیة للإمام الحسین بن علی علیه السلام:ص262.

ص: 69

مع أم سلمة بعد الشهادة

کل عین بکت للإمام الشهید، بل کل ما فی الکون نصب العزاء لسید الشهداء  علیه السلام، لهذا السبط المخضب بالدماء، المسلوب العمامة والرداء، المظلوم المهتضم، ریحانة النبی  صلی الله علیه وآله وسلم وفلذة کبد السیدة الزهراء علیها السلام.

قتیل بکاه الأنبیاء ورثاه الاوصیاء وناحت علیه الجن وبکته الملائکة فی السماء، بکاه الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم واصحابه وأهل بیته ونساؤه وممن بکی الإمام الحسین علیه السلام ونصب له العزاء السیدة الفاضلة أم سلمة رضی الله عنهافلقد روی عن ابن عباس قال:

بینما أنا راقد فی منزلی إذ سمعت صراخاً عظیماً عالیاً من بیت أم سلمة زوجة النبی  صلی الله علیه وآله وسلم فخرجت متوجهاً إلی منزلها، حیث أقبل أهل المدینة الیها رجالاً ونساءً، فلما انتهینا إلیها، قلت: یا أم المؤمنین مالک تصرخین وتغوثین؟ فلم تجبنی وأقبلت علی النسوة الهاشمیات، وقالت: یا بنات عبدالمطلب أسعدننی وابکین معی، فقد قتل والله سیدکنَّ وسید شباب أهل الجنة، فقد والله قتل سبط رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وریحانته الحسین  علیه السلام.

فقلت: یا أم المؤمنین: ومن أین علمت ذلک؟

قالت: رأیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی المنام __ الساعة __، شعثا مذعوراً، فسألته عن شأنه ذلک، فقال:

قتل ابنی الحسین وأهل بیته الیوم فدفنتهم الساعة وفرغت من دفنهم»(1).


1- الخصائص الحسینیة: ص230.

ص: 70

ملحقات الأم:

الزهراء مع الحسین بعد شهادته

1 .  بکاء متبادل

بکت السیدة العزیزة، والبضعة النجیبة علی ولیدها الإمام الحسین  علیه السلام عند ولادته وعند إخبار أبیها المصطفی عن شهادته کما تقدم وبکته حین فقدته فی یوم من الإیام فی المدینة، فلقد کان هذا البکاء فی دار الدنیا، وأما فی دار الآخرة فإن السیدة الزهراء علیها السلام دائمة البکاء وتشهق علی ولدها الإمام الحسین  علیه السلام فی کل یوم کما ورد عن الإمام الصادق  علیه السلام حیث یقول: «یا ابا بصیر، إذا نظرت إلی ولد الحسین، أتانی ما لا أملکه، بما أتی إلی أبیهم وإلیهم، یا أبا بصیر إنّ فاطمةعلیها السلام لتبکیه وتشهق، فتزفر جهنّم زفرة، لولا أنّ الخزنة یسمعون بکاءها وقد استعدّوا لذلک مخافة أن یخرج منها عنق أو یشرّد دخّانها فیحرق أهل الأرض فیکبحونها ما دامت باکیة ویزجرونها ویوثقون من أبوابها مخافة علی أهل الأرض!! فلا تسکن حتیّ یسکن صوت فاطمة»(1) فهذه الأم الرؤوف التی لم تهدأ ولم تستکن  علی مصیبة ولدها الإمام الحسین  علیه السلام نجد الإمام  علیه السلام یعبر عن مدی العلاقة الکبیرة بینه وبین هذه الأم الطاهرة روی فی وارث الأنبیاء علیهم السلام «لما ماتت علیها السلام اذ دخل الحسن والحسین  علیهما السلام فقالا:

ما ینیم أُمّنا فی هذه الساعة؟.

قالت اسماء: یا ابنی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لیست امکما نائمة قد فارقت الدنیا.

فوقع علیها الحسین  علیه السلام یقبلها مرة ویقول:


1- الإمام الحسین  علیه السلام الکهف الحصین: ص 60.

ص: 71

یا اماه انا ابنک الحسین کلمینی قبل ان یتصدع قلبی فأموت»(1).

فهذه الصورة المفجعة تبین مدی عمق العلاقة بین الشهیدة الزهراء علیها السلام وبین الشهید الإمام الحسین.

2 .  الزهراء علیها السلام تنصر بالدعاء

الدعاء سلاح المؤمن به یصول الانبیاء والیه یلجأ الأولیاء لما له من رد سریع ینتصر به المظلوم علی الظالم، وهذا ما عملت به السیدة فاطمة الزهراء علیها السلام لکی تنتقم من اعداء الله تعالی وقتلة ولدها الإمام الحسین  علیه السلام کما نقل عن صاحب البحار.

روی، أن رجلاً بلا أیدٍ، ولا أرجل وهو أعمی، یقول ربّ نجنی من النار!، فقیل له: لم تبق لک عقوبة، ومع ذلک تسأل النجاة من النار؟.

قال: کنت فیمن قتل الحسین __  علیه السلام __ بکربلاء، فلما قتل رأیت علیه سراویلاً وتکة حسنة، بعد ما سلبه الناس، فأردت أن أنزع منه التکة فرفع یده الیمنی ووضعها علی التکة، فلم أقدر علی دفعها فقطعت یمینه، ثم هممتُ أن آخذ التکة، فرفع شماله فوضعها علی التکة فقطعت یساره، ثم هممتُ بنزع التکة من السراویل، فسمعت زلزلة فخفت وترکته، فألقی الله علیَّ النوم، فنمت بین القتلی فرأیت کأنَّ محمّداً صلی الله علیه وآله وسلم، أقبل ومعه علیّ وفاطمة __  علیهما السلام __، فأخذوا رأس الحسین فقبلته فاطمة __ علیها السلام __. ثم قالت:

یا ولدی! قتلوک قتلهم الله، من فعل هذا بک؟.

فکان یقول: قتلنی شمر، وقطع یدی هذا النائم، وأشار إلیَّ، فقالت


1- بحار الأنوار للمجلسی: ج 43، ص 186.

ص: 72

فاطمة لی: قطع الله یدیک ورجلیک، وأعمی بصرک، وأدخلک النار، فانتبهت وأنا لا أبصر شیئاً وسقطت منی یدای ورجلای، ولم یبق من دعائها إلاَّ النّار»(1).

فنستنتج من هذه الروایة الملیئة بالکرامة الالهیة لأهل بیت العصمة علیهم السلام ما یلی:

أ . إنّ أهل هذا البیت علیهم السلام هم الحق ومادونهم باطل وإِلا لما استجاب الله تعالی دعاءهم.

ب . ان نهضة الإمام الحسین  علیه السلام حققت اهدافها وهی مرضیة لله تعالی رغم الخسارة العسکریة.

ج . إن قتلة الإمام  علیه السلام لم ینتموا إلی الإسلام بصلة، وعلی هذا الأساس لم یکن الإمام  علیه السلام خارجاً علی الإسلام أو طالباً للفتنة.

3 .  الزهراء علیها السلام تکرم زوار الحسین  علیه السلام

إنّ مقام السیدة فاطمة الزهراء علیها السلام ومنزلتها العظیمة عند الله تعالی تؤهلها ان تحضر لزوار قبر سید الشهداء  علیه السلام والاستغفار لهم کما استغفر نبی الله یعقوب لأولاده وهذا ما یؤکده «داود بن کثیر عن أبی عبد الله  علیه السلام قال:

إن فاطمة علیها السلام بنت محمد صلی الله علیه وآله وسلم تحضر لزوار قبر ابنها الحسین علیه السلام فتستغفر لهم ذنوبهم»(2)

وما هذه الکرامة إِلاّ حلقة فی سلسلة الأجر الذی یناله زوّار الإمام الحسین علیه السلام.


1- کل ما فی الکون یبکی الحسین  علیه السلام:ص 167.
2- فور العین: ص 59، عن کامل الزیارات: 231، بحار الأنوار: 101 __ 55.

ص: 73

لقد تواترت الروایات فی منزلة زوّار الإمام الحسین  علیه السلام، ومالهم من الأجر الکبیر ومن أفضل ما ذکر فی  ذلک ما روی عن أبی عبدالله  علیه السلام __ فی حدیث طویل __ قال:

إذا زرتم أبا عبد الله  علیه السلام فالزموا الصمت إلاّ من خیر، وأن فاطمة علیها السلام لتنظر الی من حضر منکم فتسأل الله لهم من کل خیر، ولاتزهدوا فی اتیانه، فإن الخیر فی اتیانه اکثر من ان یحصی(1).

ثم یترقی العطاء الفاطمی ویزداد الإکرام فی وقوف سیدة النساء یوم القیامة شافعة مشفعة لزوار وشیعة ولدها الإمام الحسین  علیه السلام کما ورد: «فإنها تنادی حینئذ: یافاطمة سلی حاجتک، فتقول: یارب شیعتی، فیقول الله: قد غفرت لهم، فتقول: یارب شیعة ولدی، فیقول الله: قد غفرت لهم، فتقول: شیعة شیعتی، فیقول الله: أنطلقی فمن اعتصم بک فهو معک، فتسیر ویقوم کل هؤلاء یسیرون معها»(2).

هؤلاء الزوار الذین یقصدون قبر المولی ابی عبد الله  علیه السلام یتصفون بالفضائل والکمالات ابتداءً من التقوی ومروراً بالموالاة لأهل بیت الرحمةعلیهم السلام وانتهاءً بالمحبة والطاعة لله ورسوله صلی الله علیه وآله وسلم ولأهل بیت نبیه علیهم السلام فیکونون فی إطار الولایة والمودة للنبی وآله.

کما وصفهم صلی الله علیه وآله وسلم بقوله:

«ویأتیه قوم من محبینا لیس فی الأرض أعلم بالله ولاأقوم


1- نور العین: ص 60، کامل الزیارات: 543 ___ 544.
2- الخصائص الحسینیة: ص 290.

ص: 74

بحقنا منهم، ولیس علی ظهر الأرض احد یلتفت الیه غیرهم، اولئک مصابیح فی ظلمات الجور، وهم الشفعاء، وهم واردون حوضی غداً، اعرفهم اذا وردوا علیَّ بسیماهم، وکل أهل دین یطلبون أئمتهم، وهم یطلبوننا ولا یطلبون غیرنا، وهم قوام الأرض، وبهم ینزل الغیث»(1).

المرأة الأخت

اشارة

بعد ان تناولنا علاقة المرأة الأم بالإمام الحسین  علیه السلام وتعرضنا فیما سبق للنساء اللواتی تربطهن بالإمام  علیه السلام رابطة الأمومة ابتداءً بالسیدة فاطمة الزهراءعلیها السلام ومروراً بالسیدة أم البنین وانتهاءً بالسیدة أم سلمة زوجة رسول اللهصلی الله علیه وآله وسلم نعطف الکلام إلی علاقة الإمام الحسین بالمرأة الأخت.

للإمام الحسین  علیه السلام کثیر من الأخوات، منهن الشقیقات ومنهن أخوات لأبیه أمیر المؤمنین  علیه السلام وقبل ان نسلط الضوء علی سیرته مع شقیقاته لا بأس بعرض أسماء أخواته الکریمات زیادة فی المعرفة.

__ زینب الکبری العقیلة وزینب الصغری وأمهما فاطمة الزهراء علیها السلام.

__ رقیة الکبری وأمها أم حبیب بنت ربیعة.

__ أم الحسن ورملة وأمهما أم سعید بنت عروة بن مسعود الثقفی.

__ نفیسة، زینب الصغری، رقیة الصغری، ام هانی، أم الکرام، وجمانة، أمامة، أم سلمة، میمونة، خدیجة، وفاطمة، فأصبح عدد أخوات الإمام الحسین علیه السلام ست عشرة أختاً من أمهات شتی.


1- کل ما فی الکون : ص 82،  عن البحار: ج 4/ ص 264 __ 266.

ص: 75

العقیلة زینب

اشارة

نشأت العقیلة زینب الکبری علیها السلام فی کنف أبیها أمیر المؤمنین  علیه السلام وحجر أمها سیدة نساء العالمین علیها السلام فأخذت منهما مایسمو بها الی ارقی درجات الکمال، فکانت نعم الخلف لخیر سلف، وترعرعت بین أحضان الطهر والعفاف، واغترفت من منهل العلم والحکمة، فملأت علما وفهما وخلقا ورفعة، وتلقت من أبیها علی  علیه السلام کل ما یجعلها امرأة بطلة مهابة قویّة، إذا تکلمت تکلمت بحکمة و إذا وقفت فی المحن وقفت بصلابة، وإذا ابتلیت ببلاء اجتازته بصبر وظفر، وتعلمت من أمها سیدة نساء العالمین علیها السلام کیف تکون الأخت الحنون والزوجة الوفیة والأم الرؤوف، فجمعت بین صلابة الرجال ورقة النساء فصارت زینب بطلة کربلاء، ولکی نؤکد هذا الوصف لابد من الوقوف علی بعض جوانب حیاتها ومواقفها بشکل موجز ومفید:

ولادتهاعلیها السلام

بعد أن حملت السیدة الزهراء علیها السلام بحملها الثالث، سرعان ما ازدادت عنایة الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم واهتمامه بحملها وأخذ ینتظر حمل حبیبته وفلذة کبده فاطمةعلیها السلام بشغف وصبر، الی أن وضعت السیدة الکبری علیها السلام ولیدتها المیمونة.

بعد أن بُشر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بهذه المولودة سارع إلی بیت فاطمة علیها السلام وتلقف حفیدته بحزن ووجوم تتخلله دموع  وزفرات، فأخذ یضم المولودة الطاهرة الی صدره ویطبع علی وجناتها قبل الابوة الملیئة بالرحمة والحنان، فأصاب هذا الموقف السیدة فاطمة علیها السلام بالدهشة والحیرة، فبادرت تسأل أباها عن بکائه فأجابها:

«یافاطمة اعلمی أن هذه البنت بعدی وبعدک سوف تنصب علیها المصائب والرزایا».

ص: 76

الاسم الإلهی
اشارة

بعد أن وضعت السیدة زینب فی حجر أبیها أمیر المؤمنین  علیه السلام باشر الإمام علیه السلام بتقبیلها وضمها إلیه، واجری علیها السنة المحمدیة فأذن فی أذنها الیمنی واقام فی الیسری، عند ذلک طلبت الیه السیدة الزهراء تسمیة المولودة: سم هذه المولودة. فأجابها: ما کنت لأسبق رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. وبعد أن عرض الإمام علی جدها المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم تسمیتها، قال: «ماکنت لأسبق ربی» وکما هو دیدن تسمیة أولاد الزهراء علیها السلام، هبط الملک المرسل من قبل الله تعالی یحمل اسماً إلهیةً لهذه المولودة، فقال: سمِّها «زینب»، أی الشجرة المثمرة المبارکة، فصار الاسم ینطبق تمام الانطباق علی المسمی.

وقفة لطیفة

أُمرنا أن نختار الاسم الحَسَن للولید الذی یرزقنا الله تعالی إیاه وذلک لحق الولد علی أبیه کما ورد فی الحدیث «وقال صلی الله علیه وآله وسلم:

یا علی: حق الولد علی والده ان یحسن اسمه وأدبه، ویضعه موضعا صالحا وحق الوالد علی ولده أن لا یسمیه باسمه، ولا یمشی بین یدیه، ولا یجلس أمامه، ولا یدخل معه فی الحمام»(1).

فنختار من الأسماء ما أرشدنا الیه أهل بیت العصمة علیهم السلام بقولهم: قال الإمام علی  علیه السلام فی نهج البلاغة:

«إن للولد علی الوالد حقا، وإن للوالد علی الولد حقا، فحق الوالد علی الولد أن یطیعه فی کل شیء إلا فی معصیة الله سبحانه، وحق


1- من لا یحضره الفقیه للصدوق: ج 4 ص 372.

ص: 77

الولد علی الوالد أن یحسن اسمه ویحسن أدبه، ویعلمه القرآن»(1).

ولکن بعد ان ینشأ هذا الولید ویتربی قد یبتعد باطنه عن ظاهره، وقد یخالف فعله اسمه، فاذا سمیّ الذکر مثلاً باسم حسن قد یکون ذا أفعال قبیحة، وإذا سمیت الأنثی باسم زینب قد تکون امرأة غیر صالحة، فلا ینطبق حینها الاسم علی المسمی، ومنشأ ذلک هو عدم علمنا بما یؤول إلیه مستقبل المولود، ولکن عندما یسمی الله تعالی مولوداً باسم معین، محال أن یخالف الاسم جوهر المولود وباطنه لاحاطته سبحانه بکل شیء علماً، وبناءً علی ما تقدم نستشف أن العقیلة زینبعلیها السلام مولودة مبارکة طاهرة لا تحید عن اسمها مقدار أنملة أو أقل من ذلک منذ ولادتها وحتی وفاتها.

نشأتها علیها السلام

درجت السیدة زینب الکبری علیها السلام فی بیت الطهارة والعصمة، وترعرعت فی مهبط الوحی والتنزیل، واغترفت من معدن العلم والحکمة، تعاهدتها أمها الصدیقة الکبری فاطمة الزهراء علیها السلام بالأدب النبوی، وعلمتها احکام الشریعة والأخلاق الرفیعة، وغذتها آیات القرآن الکریم، وعرفتها رقة المرأة المؤمنة وعفافها ووفائها وحنوها فغدت کتلة من الأدب الإلهی والخلق الربانی.

وکیف لا تکون کذلک وهی تشهد وتری تعظیم وتکریمه جدها المصطفیصلی الله علیه وآله وسلم لأسرتها وبیتها، وتعیش بطولات أبیها فی الدفاع عن الإسلام، وحنوه ورحمته علی زوجته وعیاله، وعبادته وخشیته فی محرابه؟! وکیف لا تکون اختا معظّمة لأخویها وهی تری أخاها السبط الشهید کیف یعظم أخاه الحسن  علیه السلام ویطیعه، ویجله ویتأدب بین یدیه؟!


1- الموسوعة الفقهیة المیسرة للشیخ محمد الانصاری: ج1 ص 142.

ص: 78

صور ربانیة

اشارة

هذه الصور المختلفة من نشأة وسیرة فخر المخدرات وعقیلة الطالبیین توقفنا علی عظمة هذه الشخصیة الفذة:

الصورة الأولی
اشارة

حوار بین السیدة زینب وأبیها أمیر المؤمنین  علیه السلام ینم عن ذکائها وفطنتها.

کانت زینب علیها السلام فی طفولتها جالسة فی حجر أبیها أمیر المؤمنین  علیه السلام، وهو  علیه السلام یلاطفها بالکلام فقال لها: بنیة قولی واحد، فقالت: واحد، ثم قال لها: قولی اثنین فسکتت، فقال لها أمیر المؤمنین  علیه السلام تکلمی یا قرة عینی، فقالت علیها السلام: یا أبتاه، ما أطیق أن أقول اثنین بلسان أجریته بالواحد! فضمها صلوات الله علیه وقبل بین عینیها. وفی موقف آخر سألت زینب علیها السلام والدها أمیر المؤمنین علیاً  علیه السلام ذات یوم وقالت: أتحبنا یا أبتاه؟ فردّ الإمام علیها: وکیف لا أحبکم وأنتم ثمرة فؤادی!! فقالت زینب علیها السلام: الحب لله تعالی والشفقة لنا(1).

وقفة وتحلیل

هذه الصورة الجمیلة التی اقتطعناها من الحیاة المضیئة لفخر المخدرات علیها السلام تدعونا الی تأمل وتحلیل نستظهر من خلاله بعض النکات العلمیة المتنوعة التی تؤکد جمال وکمال هذه العقیلة الهاشمیة. سبق أن تحدثنا عن مکانة المرأة فی الإسلام وذلک فی الفصل الأول، وبینا حینها درجة توقیر الإسلام للمرأة ورأفته بها وحنوه علیها، بخلاف ما کانت علیه الجاهلیة العمیاء، ففی هذه الصورة ما یؤکد ذلک من خلال تحلیلها واستظهار النتائج منها. تقول الروایة: «کانت


1- الشمس الطالعة والأنوار الساطعة: ج1، 91.

ص: 79

زینب علیها السلام فی طفولتها جالسة فی حجر أبیها ... الخ» نستنظر منها ما یلی:

1 . ان الإمام  علیه السلام یؤکد رفضه للعادة الجاهلیة فی وأد البنات.

2 . اجلس الإمام  علیه السلام ابنته فی حجره ولیس بجنبه أو بین یدیه لیتبین لنا ان فی هذه الجلسة آثاراً نفسیة وعاطفیة علی شخصیة الطفل ولاسیما اذا کانت أنثی.

3 . خللَ الإمام  علیه السلام الجلسة بالملاطفة لیتم الفائدة المرجوة منها وهی تقویة علاقته بابنته وربطها به.

4 . کانت الملاطفة بالعلم والحکمة ولم تکن بتوافه الأمور حتی لا تضیع الفائدة المرجوة من الملاطفة ألا وهی تربیة ابنته تربیة عقائدیة وعلمیة.

5 . رد السیدة علی ابیها بقولها:

«ما اطیق أن أقول اثنین بلسان أجریته بالواحد».

ینم عن فهم وعلم کبیرین یدلان علی أن السیدة رغم صغر سنها: إلا أنها موحدة مخلصة لاتشرک بربها احداً، ویدل قولها علی أنها معلمة من قبل الله تعالی بدلیل أن الإمام  علیه السلام اراد أن یعلمها التوحید فوجدها عارفة به فلذلک ضمها وقبلها.

الصورة الثانیة
اشارة

فی هذه الصورة مایدل علی عنایة الإمام أمیر المؤمنین  علیه السلام بخدرها وشخصها: قال یحیی المازنی: کنت فی جوار أمیر المؤمنین  علیه السلام مدة مدیدة، وبالقرب من البیت الذی تسکنه زینب ابنته، فوالله ما رأیت لها شخصاً، ولا سمعت لها صوتاً، وکانت إذا ارادت الخروج لزیارة جدها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم تخرج لیلا، والحسن عن یمینها، والحسین عن شمالها، وأمیر المؤمنین أمامها، فإذا قربت

ص: 80

من القبر الشریف سبقها أمیر المؤمنین فأخمد ضوء القنادیل، فسأله الحسن مرة عن ذلک، فقال: أخشی أن ینظر أحد إلی شخص أختک زینب(1).

وقفة وتحلیل

نستظهر من هذه الصورة مایلی:

1 . أن الکمال فی حجاب المرأة وعفتها ولیس فی تکشفها وتساهلها بالظهور أمام الأجنبی.

2 . جواز زیارة القبور من قبل النساء مع الالتزام بآداب الزیارة.

3 . الحرص علی عدم إظهار شخص المرأة إلا فی الضرورة.

4 . ان صوت المرأة قد یکون احیاناً فی غیر صالحها عندما یکون خالیا من الوقار والأدب فیتجرأ علیها الرجال ولاسیما اذا کان ذلک فی غیر ضرورة.

5 . إذا أرادت المرأة الخروج من بیتها فیستحسن أن تکون برفقة أولیائها لکی یهابها الجمیع.

الصورة الثالثة
اشارة

ما قاله الإمام زین العابدین  علیه السلام عنها یدل علی زهدها فی هذه الدنیا الدنیة، فلذا قال  علیه السلام:

«ما ادخرت شیئاً من یومها لغدها».

وقفة وتحلیل

نستظهر من قول الإمام زین العابدین علیه السلام فی حق عمته زینب الکبری ما یلی:


1- زینب الکبری للنقدی: ص 22.

ص: 81

1 . أن السیدة الطاهرة علی درجة عالیة من التوکل علی الله تعالی فلا تهتم بغدها.

2 . أنها علی یقین تام وکامل بالموت فلذا أرسلت بضاعتها أمامها إلی قبرها.

3 . الانفاق فی مرضاة الله تعالی لایدعو إلی القلق والخوف من الفقر.

4 . یمکن الاستفادة من هذا الحدیث أنها علیها السلام لا تجمع ولا تصرف إلا ما تحتاجه فی یومها.

الصورة الرابعة
اشارة

ما یدل علی عبادتها إیثارها قال الإمام زین العابدین  علیه السلام:

إن عمتی زینب کانت تؤدی صلواتها من قیام، الفرائض والنوافل عند سیر القوم بنا من الکوفة، إلی الشام، وفی بعض المنازل کانت تصلی من جلوس، فسألتها عن سبب ذلک، فقالت:

أصلی من جلوس لشدّة الجوع والضعف منذ ثلاث لیال، لأنها کانت تقسم ما یصیبها من الطعام علی الأطفال، لأن القوم کانوا یدفعون لکل واحد منا رغیفاً واحداً من الخبز فی الیوم واللیلة(1).

وقفة وتحلیل

نستنظر من قول الإمام زین العابدین علیه السلام فی حق عمته العقیلة ما یلی:

1 . أن القیام فی صلاة الفریضة واجب، وفی الصلوات المستحبة أفضل من الجلوس.

2 . ما سقط من محن ومصائب علی سیدتنا زینب لم یکن عذراً لترک النوافل بل یستفاد من الروایة عکس ذلک وهو لا بد من اللجوء الی الله تعالی والتضرع الیه


1- زینب الکبری: ص 63.

ص: 82

عند نزول البلاء لیخفف أو لیکشف عنا.

3 . تنبئنا هذه الصورة عن فضیلة الإیثار التی کانت تتصف بها سیدتنا زینبعلیها السلام.

4 . تنبئنا هذه الصورة أیضاً عن رأفة ورحمة هذه السیدة العظیمة بالأطفال الذین معها.

5 . تنبئنا هذه الصورة أیضاً عن أداء واجبها إزاء الأطفال الذین کانوا بعهدتها کأمانة.

6 . تنبئنا هذه الصورة أیضاً عن خسة القوم الذین یحیطون بآل البیت علیهم السلام.

7 . تنبئنا هذه الصورة أیضاًَ عن اهتمام الإمام المعصوم  علیه السلام برعیته والاستفهام عن حالهم.

8 . تنبئنا هذه الصورة أیضاً أن سؤال الإمام المعصوم  علیه السلام لم یکن من باب الجهل بالشیء، وإنما من أجل إظهار فضائل السیدة بطلة کربلاء علیها السلام لیتأسی بها المؤمنات.

الصورة الخامسة
اشارة

ما یدل علی سخائها وردها للمعروف أن الرسول الذی سایر أهل البیت فی طریقهم من الشام إلی المدینة قد أحسن صحبته لهم، ولما قربوا من المدینة قالت فاطمة بنت أمیر المؤمنین لأختها زینب:

قد وجب علینا حق هذا لحسن صحبته فهل لک أن تصلیه؟.

قالت:

والله ما لنا ما نصله به إلا أن نعطیه حلینا.

قالت فاطمة:

ص: 83

فأخذت سواری ودملجی، وسوار أختی ودملجها، فبعثنا به إلیه، واعتذرنا من قلتها، وقلنا: هذا بعض جزائک، لحسن صحبتک إیانا.

فقال: لو کان الذی صنعته للدنیا کان فی دون هذا رضای، ولکن والله ما فعلته إلا لله، وقرابتکم من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم (1).

وقفة وتحلیل

فی هذه الصورة الرائعة تظهر فضائل جمة لأهل بیت النبی صلی الله علیه وآله وسلم وفضائل محبیهم وکما یلی:

1 . إحسان الصحبة من قبل الرجل الذی سایرهم یدل علی ان هذا الرجل لیس من الموالین لیزید، ولیس من القوم الذین جاءوا بهم من کربلاء إلی الشام.

2 . إحسان الصحبة کان خالصاً لله تعالی ولرسوله صلی الله علیه وآله وسلم، ولم یکن عن طمع فی حطام الدنیا مما یدل علی رجاحة عقل هذا الرجل الذی آثر الآخرة علی الدنیا.

3 . کلام فاطمة بنت أمیر المؤمنین لأختها زینب الکبری ملیء بالدروس الأخلاقیة الرفیعة کالالتزام بحق الصحبة الحسنة، وبیان استحباب صلة الصاحب فی الطریق إذا کان ممن یستحق الصلة، والطریقة المهذبة فی مخاطبة أختها الکبری اذ جعلت لها الخیار فی اختیار الصلة أو عدمها بقولها: «فهل لک أن تصلیه»؟.


1- البحار: 10 / 229.

ص: 84

4 . قول سیدتنا زینب علیها السلام:«والله مالنا ما نصله به إلا أن نعطیه حلینا» یشتمل علی أمور:

الأول: أن السیدة الکبری تشیر الی السلب الذی تعرضوا له من قبل القوم حیث لم یبقَ لدیهن شیئ إلا بعض الحلی التی خفیَ علیهم.

الثانی: أنّ شأن المرأة زینتها بالحلی وغیره حتی لو کانت زینب الکبری لما فی ذلک من أظهار لأنوثة المرأة الذی ینسجم مع فطرتها.

الثالث: إقرارها باستحقاق الرجل لهذه الصلة رداً علی ما صنعه من معروف.

5 . قول السیدة فاطمة علیها السلام: «واعتذرنا من قلتها، وهذا بعض جزائک...» فیه إشارة إلی ما یلی:

الأول: أن ما قام به الرجل من حسن الصحبة لایضاهیه الثمن المادی ولاسیما اذا کان بهذا المقدار الموهوب.

الثانی: فیه دلالة علی سخاء السیدتین  علیهما السلام.

الثالث: فیه أدب رفیع یدل علی سمو أخلاق السیدتین  علیهما السلام.

الصورة السادسة
اشارة

مایدل علی مقامها ومنزلتها مناداة زوجها وابن عمها لها فلقد کان ینادیها: «یا بنت المرتضی، ویا عقیلة بنی هاشم».

وقفة وتحلیل

یتجلی الخلق الإسلامی فی هذه الصورة بأعلی درجاته وکما یلی:

1 . مناداة عبد الله بن جعفر رضی الله عنه لزوجته بهذا النداء یدل علی معرفته لمقامها

ص: 85

ومنزلتها، ویدل علی حسن عشرته لها لاستحقاقها ذلک، أی إن السیدة علیها السلام هی التی انتزعت هذا الاحترام الکبیر من زوجها، فلتتأسَّ بها نساء المسلمین.

2 . فیه دلالة علی ضرورة العشرة بالمعروف بین الزوج وزوجته، ابتداءً من ادب المخاطبة ومروراً بصرف النفقة وانتهاءً بالمداراة والمحبة.

الصورة السابعة
اشارة

فی هذه الصورة دلالة علی أنها أمینة أمیر المؤمنین  علیه السلام علی الهدایا الإلهیة، ففی حدیث مقتل أمیر المؤمنین  علیه السلام الذی نقله المجلسی رحمه الله « نادی الحسن بأخته زینب وأم کلثوم:

هلمی بحنوط جدی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فبادرت زینب علیها السلام مسرعة حتی أتته به، فلمّا فتحته فاحت الدار وجمیع الکوفة وشوارعها لشدة رائحة ذلک الطیب»(1).

وهناک صور أخری لم نأت بها روماً للاختصار ولاسیما أننا لا نرید أن نکتب عن تفاصیل حیاة هذه الصدیقة الصغری، وإنما یهمنا بیان علاقتها بأخیها الإمام الحسین علیه السلام.

وقفة وتحلیل

ان التأمل فی هذه الصورة یدعونا الی أن نقف علی ما یلی:

1 . أن السیدة زینب علیها السلام کانت أمینة أبیها علی الهدایا الإلهیة.

2 . أن الله تعالی حبا رسوله الکریم صلی الله علیه وآله وسلم بهذا الحنوط لإظهار مقامه ومنزلته.

3 . کان حنوط رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من الجنة وقد أبقی منه لأخیه أمیر المؤمنین علیه السلام مما یدل علی علو علی  علیه السلام ومنزلته عند الله ورسوله.


1- بحار الأنوار للمجلسی: ج 42 ص 294.

ص: 86

العقیلة فی حیاة الإمام  علیه السلام

اشارة

لکی نسلط الضوء علی العلاقة الإیمانیة والوشیجة الرحمیة، لابد من عرض بعض الصور النیرة التی تبیّن درجة الارتباط بین أخ خلق للدفاع عن الدین وبین أخت خلقت لأجله.

الصورة الأولی

یروی أن الإمام الحسین  علیه السلام بشر جده رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بولادة السیدة الصغری وکان عمره المبارک ثلاث سنوات فقال لجده:

«یاجداه، الله تبارک وتعالی رزقنی أختاً».

وما أن وقع الخبر علی مسامع الجد الرحیم المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم هاجت آلامه وبکی کثیراً، فسأله الحسین  علیه السلام:

لِمَ تبکی یاجداه؟.

فقال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

یا نور عینی عما قریب ستعرف سر هذا البکاء، وبالفعل اخبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ابنته فاطمة علیها السلام عن المصائب التی ستنزل علی هذه السیدة العقیلة.

من خلال تأمل هذه الصورة یظهر لنا سر العلاقة الخاصة بین الإمام الحسین  علیه السلام وأخته العقیلة الهاشمیة، فکأنما أراد الإمام  علیه السلام بإخباره لجده المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم عن ولادة أخته أن یقول لقد جاءت شریکتی فی مصیبتی، وجاء من یدافع عن نهضتی.

ص: 87

الصورة الثانیة

یروی أن الإمام الحسین  علیه السلام کان اذا أقبل علی أخته وهی فی مهدها تهش وتبش فی وجهه، وما أن یبتعد عنها تصرخ وتبکی، یالهذه الأخوة! ویا لهذه العلاقة! ویا لهذه المحبة والمودة! فلذا هذه الصورة لاتحتاج الی تعلیق.

الصورة الثالثة

إنّ السیدة زینب علیها السلام رغم أنها أقل مقاماً واصغر سنا من أخیها الإمام الحجة المعصوم  علیه السلام اذا قدمت علیه یجلها ویعظم مقامها ویقوم لها کما ورد فی التاریخ:

«إنّ الإمام الحسین  علیه السلام کان یقرأ القرآن الکریم فلما دخلت علیه اخته زینبعلیها السلام قام إجلالا لها وأجلسها فی مکانه».

نلمس من هذه الصورة أن الإمام المعصوم  علیه السلام یعطی کل ذی حق حقه، فلم یقم لأخته ویجعلها تبعا لعاطفته بل لاستحقاقها ذلک لما لها من صفات کاملة تامة، ونستطیع ان نستظهر من اجلاس الإمام  علیه السلام لاخته فی مکانه، ان للسیدة زینب مقاماً یتلو مقام المعصوم، وان لها القدرة علی اداء مهام الإمام  علیه السلام عند غیابه، إلاّ ما اختص بالحجة الذی بعده الإمام زین العابدین  علیه السلام.

وفی هذه الصورة لقطات رائعة اخری فیها دلالات عظیمة نذکر منها ما یتعلق ببحثنا:

منها: ان اجلال الإمام   علیه السلام واستقباله لأخته العقیلة فیه دلالة علی رفعة الخلق الحسینی وحنانه ورحمته بصلة الرحم.

منها ان الأخ الاکبر ینبغی ان یکون عطوفاً مع اخته الصغری، لا کما یفعل

ص: 88

البعض من الأخوة حینما یری نفسه رجلاً واخته امرأة، یطلب منها ان تکون خادمة له حتی لو کانت اکبر سناً منه.

منها: ورد عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قول بکراهیة القیام لأحد کما فی قوله:

«لا تقوموا کما یقوم الاعاجم بعضهم لبعض ولا بأس بأن یتخلل عن مکانه» (1).

وما قیام الإمام  علیه السلام لأخته إلا تطبیقاً للإستثناء الذی ورد فی قول رسول اللهصلی الله علیه وآله وسلم حیث اثبت من خلال قیامه لها أنها مما رضی عنه الله ورسوله صلی الله علیه وآله وسلم.

العقیلة علیها السلام مع الإمام  علیه السلام قبل الشهادة

اشارة

من خلال الصورة التاریخیة التی نقلت لنا عن حرکة الرکب الحسینی من المدینة إلی کربلاء نستشف أموراً کثیرة تبین مقام السیدة الصغری علیها السلام ودورها النسائی القیادی کونها کبیرة البیت العلوی فلقد ورد فی التاریخ «رأیت بنی هاشم وقد أعدوا لمحارمهم أربعین محملاً مزرکشاً ومزیناً تعلوها رایات خفاقة، وبینما أنا أنظر إلی ذلک الموکب الرهیب إذا بشاب جمیل ووسیم علی خده خال خرج من ذلک الحرم وهو ینادی ویقول: یا بنی هاشم ابتعدوا وافسحوا ولما ابتعد بنو هاشم عنه رأیت امرأتین جلیلتین تخرجان من حرم الإمام الحسین  علیه السلام وقد حفّت بهما النساء، وأعد لهما ذلک الشاب الوسیم محملاً فلما دنا من المحمل ثنی رجله فرکبت الامرأتان المحمل والحسین  علیه السلام ینظر إلیهم، فسألت رجلاً منهم: من هما تلک الامرأتان؟ ومن هو ذلک الشاب ذو الطلعة الغراء؟ فقیل لی: تلک الامرأتان أحداهما زینب بنت علی  علیه السلام والأخری أم کلثوم بنت علی  علیه السلام، وأما ذلک


1- مکارم الأخلاق للطبرسی: ص 36.

ص: 89

الشاب الجمیل فهو عباس بن علی بن أبی طالب علیه السلام»(1).

وقفة

من خلال تأملنا لهذه الروایة الملیئة بالجمال والرفعة والبهاء والهیبة، نلمس روعة الصورة وعلو الشخصیة کما یلی:

1. حرص الإمام  علیه السلام أن یکون الموکب مهیباً ینسجم مع مقام بنی هاشم وهیبتهم، ومع علو القیادة وعظمتها.

2. الحرص علی عفة المرأة رغم ان ظهورها أمام أبناء عشیرتها وأعمامها.

3. حینما تکون حرکة الرکب الحسینی حرکة علنیة وبهذه الأبهة والهیبة إنما تدل علی الشجاعة والإقدام وعدم الالتفات للحکومة الحاکمة.

4. ینبغی ان تسافر المرأة برفقة محارمها ولاسیما إذا کان سفرها بعیداً.

5. ان الراوی یصف جلال العقیلة زینب وأختها السیدة أم کلثوم لما رأی من حجاب کامل، وحرکة وقورة، ورزانة عالیة.

مواقف ومنازل

أولاً: منزل الخزیمیة

سارت القافلة الحسینیة المبارکة متجهة إلی العراق مارة بمنازل متعددة کان فیها للسیدة زینب علیها السلام مواقف وحوارات مع أخیها الإمام الحسین  علیه السلام کما فی منزل «الخریمیة» فلقد روی ان الإمام الحسین  علیه السلام لما نزل فی «الخریمیة» وأقام فیه یوماً ولیلة قصدته أخته زینب علیها السلام فی صباح تلک اللیلة وقالت:

إنّی سمعت البارحة هاتفاً یقول:


1- زینب الکبری بطلة الحریة ص 102، وفی التعلیقة: الخصائص الزینبیة.

ص: 90

ألا یا عین فاحتفلی بجهد

فمن یبکی علی الشهداء بعدی

علی قوم تسوقهم المنایا

بمقدار إلی انجاز وعد

فقال لها الإمام الحسین  علیه السلام:

«یا أختاه کل الذی قضی الله فهو کائن»(1).

نلمس من هذه المحاورة اهتمام السیدة زینب علیها السلام بما سیؤول إلیه المصیر وحزنها علی فراق الإمام المعصوم  علیه السلام والأخ الحنون والکهف الحصین والأحبة من بنی هاشم والأصحاب المخلصین، ونلمس روعة الرد العقائدی الذی یبعث الهدوء فی النفس والاطمئنان فی القلب، ویوطد العلاقة الإیمانیة مع الباری جل شأنه.

ثانیاً: السیدة الصغری فی منزل «الرُحیمة»

من خلال عرض هذه الأحداث التی وقعت فی منازل السفر التی قطعها الرکب الحسینی نستظهر أموراً کثیرة ولاسیما فیما یتعلق بالسیدة زینب علیها السلام.

فلقد ورد فی الروایة التاریخیة:

«ان الإمام الحسین  علیه السلام حط رحاله فی منزل الرُحیمة للراحة من وعثاء السفر ومشقة الطریق، فنصب خیامه وانزل حریمه وبینما هو مشغول بذلک اخبره أحد أصحابه بأنه رأی رؤوس النخیل، إلا أن الإمام  علیه السلام تحقق من الأمر فتبین له ان الذی رآه هذا الرجل إنما هو خیل ورجال ولیس نخیلاً حتی إذا ما اقتربت الخیل اتضح ان الحر بن یزید الریاحی علی رأس جیش من أهل الکوفة قدموا لیحبسوا الإمام  علیه السلام عن الرجوع ویجبروه علی القدوم إلی الکوفة.

واتضح أیضاً ان القوم یقصدون القتال إذا امتنع الإمام  علیه السلام عن ذلک وان


1- الشمس الطالعة: ج 2، ص 8.

ص: 91

الغدر قد وقع من بعض أهل الکوفة الذین دعوا الإمام  علیه السلام لقیادتهم ضد السلطة الأمویة الغاشمة.

فلما علمت السیدة زینب علیها السلام بذلک ایقنت بالخطر المحدق بالإمام  علیه السلام وعیاله وأصحابه وتألمت وتأثرت کثیراً حتی ارتفع صوتها بین نسائها قائلة:

«... لیت الأعادی یرضون أن یقتلونا بدلاً عن أخی»(1).

لا شک فی ان السیدة زینب علیها السلام متیقنة مما سیقع فی کربلاء ومما سیحل بأخیها وبأهل بیته وأصحابه إلا ان الحق ان تعبر عن مشاعرها الأخویة وعن موقفها إزاء إمامها لتعلمنا وجوب الدفاع عن حرمة المعصوم  علیه السلام وتؤکد لنا أحقیة الإمام  علیه السلام فی قیادة الأمة، وتدعو النساء إلی احترام ومحبتها الأخوة.

ثالثاً: السیدة البطلة فی کربلاء

حل الرکب الحسینی فی أرض کربلاء وضُربت الأخبیة، وأنزلت الحریم، تتقدمهن لبوة الطف وسیدة بنی هاشم علیها السلام واستقر المقام بزینب الصابرة فجاءت إلی أخیها الإمام الحسین  علیه السلام وقالت:

أری هذه مخوفة وقد امتلکنی خوف عظیم.

فقال لها الحسین  علیه السلام:

أختاه حینما خرجنا إلی صفین نزل أبی بهذا الموضع، وبعد انقضاء صلاته وضع رأسه فی حجر أخی الحسن  علیه السلام وکنت حاضراً، ونام ساعة ثم انتبه وأخذ یبکی، فسأله أخی الحسن  علیه السلام: أبتاه لم تبکی؟ فقال: «کأنی رأیت فی منامی أن هذا الوادی بحرٌ


1- الشمس الطالعة: ج 2، ص 9.

ص: 92

من الدم والحسین قد غرق فیه وهو یستغیث فلا یُغاث.

ثم نظر إلیّ والدی وقال: یا أبا عبد الله، لو جری علیک ذلک فماذا أنت فاعل؟.

قلت: أصبر ولابدّ لی من الصبر.

فلما سمعت زینب علیها السلام ذلک بکت بکاءً شدیداً»(1).

لاشک فی ان بکاء السیدة الصغری بهذه الشدة لیس عاطفة جیاشة فحسب، ولیس رقة نسائیة فقط بل هو موقف رافض لما یجری علی المعصوم  علیه السلام، وألم وحزن علی انتهاک حرمة الإسلام المتجسد فی شخصیة الإمام الحسین  علیه السلام.

رابعاً: لوعة العقیلة فی یوم تاسوعاء

ما انفکت شریکة الإمام الحسین  علیه السلام ملازمة لأخیها ومشاطرته همومه وأحزانه، ولاسیما حینما تراه وحیداً قد أحاطت به جیوش العمی من کل حدب وصوب، وهی تنظر فی عینیه حائراً متألماً لما سیصیب هؤلاء الجهلة بسببه، فلقد ورد: «ان عمر بن سعد زحف علی مخیم الحسین  علیه السلام عصر الیوم التاسع من محرم وکان لصیحتهم دوی یوحی بالهجوم، وکان الحسین  علیه السلام محتبیاً بسیفه وقد خفق برأسه فسمعت أخته العقیلة الصیحة فدنت من أخیها وقالت:

یا أخی أما تسمع هذه الأصوات قد دنت منا؟.

فرفع الحسین  علیه السلام رأسه وقال:

إنّی رأیت رسول الله الساعة فی المنام وهو یقول: إنّک صائر إلینا عن قریب. فلطمت زینب علیها السلام وجهها ونادت بالویل والثبور:


1- الشمس الطالعة: ج 2، ص 9، 10.

ص: 93

یا ویلتاه!!.

فقال لها الحسین  علیه السلام:

«لیس لک الویل یا أخیة اسکتی رحمک الله، ولا تشمتی بنا القوم».

 فسکتت(1).

من خلال التأمل فی هذه الروایة التاریخیة یظهر لنا مما یرتبط بالسیدة زینبعلیها السلام ما یلی:

1 . ان السیدة الحزینة علیها السلام لم یشغلها تعب السفر ولا إدارة العائلة من نساء وأطفال عن متابعة الأحداث ومشارکة الإمام  علیه السلام شؤونه الحربیة.

2 . لطمها لوجهها دلالة علی جواز الفعل، ولاسیما وقد فعلت ذلک أمام المعصوم  علیه السلام الذی یعدّ إقراره حجة علی الجواز.

3 . أکد الإمام  علیه السلام ان الویل للعصاة والکفار ولیس للمؤمن الصالح من خلال قوله «لیس لک الویل یا أخیة».

4 . دعاؤه بالرحمة لأخته بقوله «رحمک الله» ینم عن الخلق العالی فی المخاطبة، و حبه الرحمة لأخته کما یحب ذلک لنفسه.

5 . یؤکد الإمام الحسین  علیه السلام ان شماتة الأعداء فیها أذًی کبیر وهی جزء من الحرب النفسیة التی تزید فی معنویات العدو.

6 . امتثال السیدة الصغری لأمر أخیها یعنی طاعتها لإمامها قبل ان تکون طاعة لأخیها رغم حاجتها للتعبیر عن مشاعرها الجیاشة.


1- الشمس الطالعة: ج 2، ص 12.

ص: 94

خامساً: السیدة العقیلة فی اللیلة الرهیبة

یعجز القلم عن وصف تلک اللیلة لما فیها من هم وحزن وقلق وخوف، لأنها لیلة ذات صباح مظلم، ونهار دموی، لیلة یرحل فی غدها الأحبة، وتنتهک الحرمات وتسحق المقدسات، ویُقتل الرجال وتزهق أرواح الأطفال، وتحرق الخیام، وتنطفئ زهرة الشباب، ویعتدی علی حجة الله فی خلقه، ویؤذی النبی المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم، وتثکل سیدة النساء علیها السلام، یا لها من لیلة حمقاء تجمعت فیها جیوش العمی وجنود الضلال لتنزل الظلم علی بیت آل الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وتفرق بین الأم وولیدها وبین الأخت وأخیها، وبین الأخ وأخیه، وبین الصدیق وصدیقه وبین الإمام ورعیته، فی هذه اللیلة لم تنطبق الجفون علی بعضها، ولم تجف العیون عن دمعها، ولم یفتر العبّاد عن عبادتهم، ولم یتعب القراء عن قراءتهم لکتاب ربهم، فلذا نری فی هذه اللیلة سیدتنا أم المصائب علیها السلام وهی تنتقل من خیمة إلی أخری کما تنتقل النحلة بین الورود، تارة عند إمامها الحسین وأخیها الحنون  علیه السلام وأخری عند حامیها وکافلها، وثالثة مع أولادها وأبناء أخوتها، ورابعة فی خیام بنی عمها لتملأ ناظریها منهم وتسکّن روعها وتقر قلبها.

سادساً: لم تخطئ السیدة علیها السلام

انبلج الفجر وأدبر اللیل بسرعة خاطفة،وأشرقت الشمس، واقتربت المنایا، وجاء الأجل، وتهیأ الأبطال لنصرة الحق ودحض الباطل، واستعدت النفوس للقاء الله تعالی، ولبس الرجال القلوب علی الدروع، وجلس الإمام المعصوم  علیه السلام فی خباء له ومعه جون الصحابی الوفی کما ورد عن مولانا علی بن الحسین  علیه السلام:

«إنی لجالس فی تلک العشیة التی قتل أبی فی صبیحتها وعندی عمتی زینب تمرّضنی إذ اعتزل أبی خباء له وعنده جون

ص: 95

مولی أبی ذرّ الغفاری، وهو یعالج سیفه ویصلحه وأبی یقول:

یا دهر افّ لک من خلیل

کم لک بالإشراق والأصیل

من صاحب أو طالب قتیل

والدهر لا یقنع بالبدیل

وإنما الأمر إلی الجلیل

وکلّ حی سالک سبیلی

فأعادها مرّتین أو ثلاثة حتی فهمتها وعرفت ما أراد، فخنقتنی العبرة فرددتها ولزمت السکوت، وعلمت أنّ البلاء قد نزل، وأما عمتی فإنها لمّا سمعت وهی امرأة ومن شأن النساء الرقّة والجزع فلم تملک نفسها أن وثبت تجر ثوبها وإنها لحاسرة حتی انتهت إلیه فقالت:

واثکلاه! لیت الموت أعدمنی الحیاة، الیوم ماتت أمّی فاطمة وأبی علیّ وأخی الحسن، یا خلفیة الماضین وثمال الباقین، فنظر إلیها الحسین  علیه السلام؛ فقال لها: یا اخیّة، لا یذهبنّ بحلمک الشیطان ___ وترقرقت عیناه بالدموع ___ وقال:

لو ترک القطا یوماً لنام، فقالت یا ویلتاه، أفتغصب نفسک اغتصاباً فذلک أقرح لقلبی وأشدّ علی نفسی، ثمّ لطمت وجهها وهوت إلی جیبها فشقّته وخرّت مغشیاً علیها...(1).

من خلال التمعن بهذه الصورة الحزینة استوقفتنی بعض العبارات التی تفوه بها سید الشهداء  علیه السلام مع أخته قائلاً: «یا أخیة، لا یذهبن بحلمک الشیطان» وولده الإمام زین العابدین  علیه السلام حینما یقول: «واما عمتی فإنها لما سمعت وهی امرأة ومن شأن النساء الرقة والجزع فلم تملک نفسها... الخ کما ورد أعلاه» فلابد من رفع التوهم الذی قد یحصل من تفسیر کلام الإمامین المعصومین


1- کلمة السیدة زینب علیها السلام: ص 42.

ص: 96

فی حق السیدة الصغری علیها السلام.

1 . بالنسبة لعبارة الإمام الحسین  علیه السلام لا تعنی ان السیدة زینب  علیه السلام یمکن ان تکون تحت سلطة الشیطان فی أی حال من الأحوال لامتناع وصوله إلیها لقوله تعالی:

((فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّیْطَانِ الرَّجِیمِ (98) إِنَّهُ لَیْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَی الَّذِینَ آَمَنُوا وَعَلَی رَبِّهِمْ یَتَوَکَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَی الَّذِینَ یَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِینَ هُمْ بِهِ مُشْرِکُونَ))(1).

ولاشک فی علو مقام هذه السیدة الجلیلة علیها السلام التی هی من المصادیق الظاهرة لهذه الآیة الکریمة إلا ان قول الإمام  علیه السلام یأتی فی معنی قول الله تعالی لرسوله الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم:

((یَا أَیُّهَا النَّبِیُّ اتَّقِ اللَّهَ))(2).

أی اثبت علی ما أنت علیه من التقوی «فیکون الأمر الإلهی تأکیداً علی واجبات النبی صلی الله علیه وآله وسلم من جهة، وهی درس وعبرة لکل المؤمنین من جهة أخری»(3).

وهکذا یکون معنی قول الإمام المعصوم  علیه السلام لأخته التی تلیه فی العصمة.

2 . وأما قول الإمام المعصوم زین العابدین  علیه السلام:

«واما عمتی فإنها لما سمعت وهی امرأة ومن شأن النساء الرقة والجزع فلم تملک نفسها... الخ».

فهو مبنی علی ان السیدة زینب علیها السلام حکمها کحکم النساء الأخریات من


1- سورة النحل، الآیات: 98 __ 100.
2- سورة الأحزاب، الآیة: 1.
3- الأمثل: ج13، ص 100.

ص: 97

حیث الرقة والعاطفة الجیاشة التی یجب ان تتحلی بها المرأة بصورة عامة والتی تنسجم مع فطرتها وإلا إذا لم تتصف بالرقة والعاطفة فهی ناقصة الأنوثة والأمومة معاً ولاشک فی أن السیدة زینب علیها السلام امرأة عالِمة غیرُ معلَّمة وفَهِمة غیر مفهَّمة کما وصفها بذلک الإمام زین العابدین  علیه السلام فی موطن آخر، فلا یجوز ان نتصورها امرأة جزوعاً إلی درجة الخروج علی أمر الله بل یجب ان نشهد بأن صبرها صار مثالاً یقتدی به وتؤخذ منه الدروس والعبر.

سابعاً: السیدة علیها السلام تحث علی النصرة

ورد عن بعض أرباب المقاتل: أن الحسین  علیه السلام خرج لیلة العاشر من المحرم فی جوف اللیل إلی خارج الخیام یتفقد التلال والعقبات، فتبعه نافع بن هلال الجملی فسأله عما أخرجه فی هذه الساعة فقال نافع یا ابن رسول الله، أفزعنی خروجک إلی جهة معسکر هذا الطاغیة فی هذه الساعة!. قال الحسین  علیه السلام:

إنی خرجت أتفقد التلاع والروابی، مخافة أن تکون مکمنا لهجوم الخیل یوم تحملون ویحملون.

ثم رجع  علیه السلام وهو قابض علی ید نافع وهو یقول:

هی هی والله وعد لا خلف فیه.

ثم قال لنافع: ألا تسلک بین هذین الجبلین فی جوف اللیل، وتنجو بنفسک؟!.

فوقع نافع علی قدمی أبی عبد الله یقبلهم ویقول: «إذاً ثکلت نافعاً أمّه، سیدی إن سیفی بألف وفرسی مثله، فوالله الذی منّ بک علیّ، لا فارقتک حتی یکلأ عن فری وجری.

ص: 98

ثم دخل خیمة النساء ووقف نافع بإزاء الخیمة ینتظره، فسمع زینب علیها السلام تقول للحسین  علیه السلام __ وقد اختنقت بعبرتها __:

وا أخاه، وا حسیناه، أشاهد مصرعک وأبتلی برعایتی هذه المذاعیر من النساء، والقوم __ یا ابن أمی __ کما تعلم ماهم علیه من الحقد القدیم، ذلک خطب جسیم یعز علیّ مصرع هذه الفتیة وأقمار بنی هاشم.

ثم قالت:

یا أخی، هل استعلمت من أصحابک نیاتهم.؟! فإنی أخشی أن یسلموک عند الوثبة واصطکاک الأسنة.

فبکی الحسین  علیه السلام وقال لها:

أما والله، لقد بلوتهم، فما وجدت فیهم إلا الأشوس الأقعس، یستأنسون بالمنیة دونی استیناس الطفل إلی محالب أمه.

قال نافع: فلما سمعت هذا منه بکیت، وأتیت حبیب بن مظاهر، فوجدته جالساً فی خیمته والسیف مصلت بین یدیه، فحکیت له ما سمعت من الحسین ومن أخته زینب.

فنهض حبیب قائماً علی قدمیه، وقال: والله لولا انتظار أمره لعاجلتهم وعالجتهم بسیفی هذه اللیلة ما ثبت قائمه بیدی.

فقلت له: إنی خلفته عند أخته زینب، وهی فی حال وجل، ورعب، وأظن أن النساء قد أفقن وشارکنها فی الحسرة، فهل لک أن تجمع أصحابک وتواجههن بکلام یطیب قلوبهن ویذهب رعبهن.

فقام حبیب __ ومعه نافع __ ونادی بین الخیام یا أصحاب الحمیة، ویا لیوث

ص: 99

الکریهة!.

فتطالعوا من مضاربهم کالأسود الضاریة یقدمهم أبو الفضل العباس بن علی علیه السلام ثم التفت إلی أصحابه وحکی لهم ما شاهده وسمعه نافع من الحسین ومن أخته زینب.

فقالوا بأجمعهم: والله الذی منّ علینا بهذا الموقف، لولا انتظار أمره لعالجناهم بسیوفنا الساعة فطب نفساً وقرّ عیناً.

فجزاهم حبیب خیراً، وقال: هلموا لنواجه النسوة ونطیب خاطرهن.

وجاء حبیب ومعه أصحابه إلی خیم النساء، وأخذ ینادی السلام علیکم یا ساداتنا، السلام علیکم یا معشر حرائر رسول الله، هذه صوارم فتیانکم، آلوا أن لا یغمدوها إلا فی رقاب من یرید السوء بکم، وهذه أسنة غلمانکم أقسموا أن لا یرکزوها إلا فی صدور من یفرق نادیکم، فخرجن النساء إلیهم ببکاء وعویل __ تقدمهن العقیلة زینب __ وقلن لهم:

«أیها الطیبون حاموا عن بنات رسول الله وحرائر أمیر المؤمنین».

 فضج القوم بالبکاء حتی کأن الأرض تمید بهم(1).

لا حاجة إلی التعلیق علی هذه الصورة الرائعة التی تظهر من خلالها السیدة الصغری زینب علیها السلام بحق لبوة حیدر وفخر النساء بما لها من شعور مرهف وعاطفة رقیقة مؤطرتین بفهم عمیق وعقل حکیم یجعلها أفضل النساء بعد أمها السیدة الزهراء علیها السلام فی الاهتمام بأمور الأمة والدفاع عن الإمامة والإمام بما أوتیت من قوة.


1- الشمس الطالعة: ج 2، ص 22 __ 25.

ص: 100

ثامناً: ابتسامة السیدة زینب علیها السلام

فی هذه اللیلة الرهیبة التی ملأت القلوب حزنا وهمّاً تنتقل السیدة المهمومة من خیمة إلی أخری دون أن یغمض لها جفن ودون أن یهدأ لها قلب أو تستقر لها نفس إلا أنها مع هذه المعاناة الکبیرة ابتسمت السیدة الصغری علیها السلام وهذا ما حدثتنا عنه قائلة:

«لما کانت لیلة عاشوراء من المحرم خرجت من خیمتی لأتفقد أخی الحسین  علیه السلام وأنصاره وقد أفرد له خیمة فوجدته جالساً وحده یناجی ربه ویتلو القرآن، فقلت فی نفسی: أفی مثل هذه اللیلة یُترک أخی وحده! والله لأمضین إلی إخوتی وبنی عمومتی وأعاتبهم بذلک. فأتیت إلی خیمة العباس فسمعت منها همهمة ودمدمة، فوقفت علی ظهرها فنظرت فیها فوجدت بنی عمومتی وإخوتی وأولاد إخوتی مجتمعین کالحلقة، وبینهم العباس بن أمیر المؤمنین علیه السلام وهو جاث علی رکبتیه کالأسد علی فریسته، فخطب فیهم خطبة ما سمعتها إلا آخر خطبته: یا إخوتی وبنی عمومتی إذا کان الصباح فما تقولون؟!.

فقالوا: الأمر إلیک یرجع، ونحن لا نتعدی لک قولک.

فقال العباس: إن هؤلاء، أعنی الأصحاب، قوم غرباء، والحمل ثقیل لا یقوم به إلا أهله، فإذا کان الصباح فأول من یبرز إلی القتال أنتم، نحن نقدمهم للموت لئلا یقول الناس قدّموا أصحابهم فلما قتلوا عالجوا الموت بأسیافهم ساعة بعد ساعة.

فقامت بنو هاشم وسلوا سیوفهم فی وجه أخی العباس وقالوا: نحن علی ما أنت علیه.

قالت زینب علیها السلام:

ص: 101

فلما رأیت کثرة اجتماعهم وشدة عزمهم وإظهار شیمتهم سکن قلبی وخرجت ولکن خنقتنی العبرة فأردت أن أرجع إلی أخی الحسین  علیه السلام وأخبره بذلک فسمعت من خیمة حبیب بن مظاهر همهمة ودمدمة فمضیت إلیها ووقفت بظهرها ونظرت فیها فوجدت الأصحاب علی نحو بنی هاشم مجتمعین کالحلقة وبینهم حبیب بن مظاهر وهو یقول: یا أصحابی لم جئتم إلی هذا المکان؟ أوضحوا کلامکم رحمکم الله.

فقالوا: أتینا لننصر غریب فاطمة.

فقال لهم: لم طلقتم حلائلکم؟.

فقالوا: لذلک.

قال حبیب: فإذا کان فی الصباح فما أنتم قائلون؟

فقالوا: الرأی رأیک ولا نتعدی قولاً لک.

قال: فإذا صار فأول من یبرز إلی القتال أنتم، نحن نقدمهم للقتال، ولا نری هاشمیاً مضرجاً بدمه وفینا عرق ینبض، لئلا یقول الناس قدّموا ساداتهم للقتال وبخلوا علیهم بأنفسهم فهزوا سیوفهم علی وجهه وقالوا: نحن علی ما أنت علیه.

قالت زینب علیها السلام:

ففرحت من ثباتهم ولکن خنقتنی العبرة، فانصرفت عنهم وأنا باکیة وإذا بأخی الحسین  علیه السلام قد عارضنی فسکنت نفسی وتبسمت فی وجهه.

فقال: أخیة!! فقلت: لبیک یا أخی، فقال  علیه السلام: یا أختاه منذ رحنا من المدینة ما رأیتک مبتسمة، أخبرینی ما سبب

ص: 102

تبسمک؟!.

فقلت له: یا أخی رأیت من فعل بنی هاشم والأصحاب کذا وکذا»(1).

مما ورد أعلاه نلمس رجاحة عقل هذه السیدة علیها السلام ومداراتها لمشاعر أخیها عندما تقول: «ففرحت من ثباتهم ولکن خنقتنی العبرة، فانصرفت عنهم وأنا باکیة وإذا بأخی الحسین  علیه السلام قد عارضنی فسکنت نفسی وتبسمت فی وجهه...» هذا موقف أخلاقی رفیع ملئ بالحس الرهیف، وموقف آخر من المداراة والذوق فی رعایة الأخت لأخیها واحترام وإجلال المأموم لإمامه یظهر من خلال قولها: «ولما کانت لیلة عاشوراء من المحرم خرجت من خیمتی لأتفقد أخی الحسین  علیه السلام وأنصاره وقد افرد له خیمة فوجدته جالساً وحده یناجی ربه ویتلو القرآن، فقلت فی نفسی: أفی مثل هذه اللیلة یترک أخی وحده!! والله لأمضین إلی أخوتی وبنی عمومتی وأعاتبهم بذلک».

تاسعاً: السیدة علیها السلام مدیرة البیت الهاشمی فی کربلاء
اشارة

عادة تدار البیوت والعوائل من قبل أرباب الأسر، فیتصدی الرجل إلی تأمین ما یجب علیه تأمینه من خارج البیت، وتتصدی المرأة لإدارة البیت فی الداخل لتسیر مسیرة الحیاة بصورة سهلة وصحیحة، وهذه الإدارة لعائلة واحدة ذات أشخاص معدودین، ولکن ما تحملته السیدة الصغری علیها السلام أکبر بکثیر من هذه المهام فهی مدیرة البیت العلوی بأجمعه قبل حرکة الإمام الحسین  علیه السلام وصارت مدیرة البیت الهاشمی عند


1- الشمس الطالعة: ج 2، ص 25 __ 27.

ص: 103

حرکة الإمام  علیه السلام فهی المسؤولة عن النساء اللواتی کن فی الرکب الحسینی وعن الأطفال والصبیان الذین یرافقونهنَّ، وما ورد فی کتب التاریخ من صور تبیّن إدارة السیدة زینب علیها السلام لعائلة الإمام الحسین  علیه السلام قبل رحیله یؤکد هذا المعنی:

الصورة الأولی

عن الشیخ المفید رضی الله عنه أنّه یقول: «روی عن الإمام زین العابدین  علیه السلام أنه قال:

«إنی لجالس فی تلک العشیة التی قتل أبی فی صبیحتها وعندی عمتی زینب تمرِّضنی».

 هذه الصورة تظهر مسؤولیة السیدة الصغری علیها السلام إزاء مریض کربلاء وخلیفة الإمام الحسین  علیه السلام فهذه وظیفة واحدة من وظائف متعددة تصدت لها سیدتنا زینب علیها السلام.

الصورة الثانیة

إضافة إلی اهتمامها بأخیها الإمام الحسین  علیه السلام ومواساتها له، وحثها بنی عمومتها وأصحاب أخیها علی التضحیة دفاعاً عن الدین وعن الإمام المعصوم علیه السلام نجدها تبحث عن الطرق المناسبة التی تشعر العائلة بالاطمئنان کاقتصادها فی صرف الماء بعد شحته، ووضعها عبد الله الرضیع بین یدیها لتعلله لیسکت عن البکاء، وتصبّر سکینة علی العطش.

الصورة الثالثة

کانت علیها السلام المبادرة دائماً إلی مواساة الإمام  علیه السلام عند استشهاد أحد أفراد

ص: 104

الأسرة العلویة کما حصل ذلک فی استشهاد علی الأکبر  علیه السلام کما جاء عن حمید ابن مسلم: فکأنی انظر إلی امرأة تنادی بالویل والثبور وتقول:

«حبیباه، یا ثمرة فؤاداه یا نور عیناه یا أخیاه وابن أخیاه».

فسألت عنها قیل هی زینب بن علی  علیه السلام.

الصورة الرابعة

ینقل ان لیلی ام علی الأکبر ورملة أم القاسم طلبن منها ان یبکین علی ولدیهما ونقلت ذلک إلی الإمام  علیه السلام فأذن لهن وهذا ما رواه صاحب کتاب الشمس الطالعة، فی بعض الکتب: «قیل إن الحسین  علیه السلام لمّا جاء بالقاسم إلی الخیمة التی فیها علیّ الأکبر وضعه إلی جنبه فجعل ینظر إلی وجه الأکبر تارة والی وجه القاسم تارة أخری وهو یکفکف دموعه بکمه وقیل إنه  علیه السلام تمدد بینهما وأخذ یقبلهما وینادی:

«واولداه واعلیّاه، واقاسماه، وابن أخاه».

وطال جلوس الحسین  علیه السلام فی الخیمة فاستبطأت لیلی أم الأکبر ورملة أم القاسم خروج الحسین من الخیمة لأنهن یردن أن یبکین علی شهدائهن ولیس بإمکانهنّ دخول الخیمة والحسین فیها لأنهنّ یخجلن ویستحین من أبی الأحرار، یقول الراوی: فطلبت لیلی وأم القاسم من الحوراء زینب أن تذهب وتطلب من الحسین أن یفسح لهنّ المجال لیقضین وطرهنّ من البکاء علی الشباب فجاءت زینب ودخلت علی الحسین کلّمته فی ذلک وقالت:

«أخی أبا عبد الله، الله یساعدک علی هذه المصیبة والله یجبر قلبک ولکن سیدی هذه رملة أم القاسم ولیلی أم علیّ الأکبر  لهنّ حوباً فی البکاء، ویردن الدخول علی قتلاهنّ».

ص: 105

فقال الحسین  علیه السلام:

«إن المصیبة والرزء أکبر فلیأتین ولیندبن قتلاهنّ، فلما سمعت زینب کلام أخیها الحسین  علیه السلام، التفتت إلی خیمة النساء، وصاحت، یا لیلی ویا رملة هلمن للبکاء والعویل».

واما إدارة السیدة الصغری علیها السلام لعائلة الإمام الحسین  علیه السلام بعد رحیله ومن معها فی واقعة الطف فواضحة جلیّة، ولا بأس بإیراد بعض الصور التی تبیّن هذه الإدارة الفذة لصاحبة العقل الکامل والصفات العلویة:

الصورة الأولی

من أهم الأدوار وأولها التی أدتها هذه الصدّیقة الصغری علیها السلام هو حمایة خلیفة الله فی أرضه وإمام زمانها بعد أبیه الإمام العلیل زین العابدین  علیه السلام حیث نقل فی التاریخ: «رأیت امرأة جلیلة واقفة بباب الخیمة والنار تشتعل من جوانبها تارة تنظر یمنة ویسرة وأخری تنظر إلی السماء وتصفق بیدیها وتارة تدخل تلک الخیمة وتخرج، فأسرعت إلیها وقلت یا هذی؛ ما وقوفک هاهنا والنار تشتعل من جوانبک وهؤلاء النسوة قد فررن وتفرقن ولم تلحقی بهنّ وما شأنک؟. فبکت وقالت:

«یا شیخ إنّ لنا علیلاً فی الخیمة وهو لا یتمکّن من الجلوس والنهوض فکیف أفارقه وقد أحاطت النار به هکذا!»(1).

الصورة الثانیة

صبرت وأی صبر صبرها، وحزنت وأی حزن حزنها، فلا یضاهی مقامها


1- الشمس الطالعة: ج 2، ص 99.

ص: 106

مقام، فهی بنت الشهداء وأخت الشهداء وأم الشهداء وعمة الشهداء وخالة الشهداء، وعندما اقبل علی السیدة الأکمل بعد أمها الزهراء علیها السلام لیل الحادی عشر بهمومه ووحشته وآلامه صبرت وأدت وظیفتها علی أکمل الوجوه، فلقد ورد فی بعض الکتب عن کتاب الشمس الطالعة عن مقتل ابن عربی ما مضمونه أن الحسین علیه السلام أوصی أخته زینب علیها السلام بجمع العیال بعد ان یحرق الأعداء الخیام، وفعلاً بعد أن أحرقت الخیام ذهبت زینب علیها السلام فی جمع العیال ففقدت طفلین للحسین فذهبت وأختها أم کلثوم علیها السلام فی طلبهما فرأتهما معتنقین نائمین علی الأرض، فلما دنت منهما علیها السلام حرکتهما فإذا هما میتین عطشاً(1).

فی بعض الکتب: «قیل: إنها جمعت العیال والأطفال وأخذت تتفقّدهم بنفسها وتنادیهم بأسمائهم إلی أن وصلت إلی الرباب: رباب رباب، ما من جواب فخرجت تفتش عنها فإذا هی بفارس یدور حول الخیمة، قالت: یا هذا من أنت؟ قال سیدتی أنا من عسکر عمر بن سعد أمرنی بحراستکم هذه اللیلة.

قالت: یا هذا فقدنا امرأة أما رأیتها؟.

قال: لا ولکن صار مروری علی ساحة المعرکة فسمعت أنیناً لعلها هی فأقبلت زینب تنادی:

رباب أین أنت؟ ما الذی أخرجک فی هذه اللیلة؟.

قالت لها: سیدتی صدری أوجعنی وثدیای درّتا علیّ فخرجت أبحث عن ولدی...».


1- الشمس الطالعة: ج 2، ص 107.

ص: 107

الصورة الثالثة

تولت السیدة العقیلة علیها السلام إرکاب النساء والأطفال فی عصر یوم الحادی عشر من المحرم حفاظاً علی هیبة البیت العلوی وصیانة لخدر النساء اللواتی معها وتجنباً للاحتکاک مع الرجال الأجانب وان دعت الضرورة لذلک، فحرصت السیدة علی إدارة الرکب الحسینی بصورة منظمة دون ارتباک أو خوف ولاسیما وهی امرأة ومن شأن النساء الرقة والعاطفة وسرعة الجزع إلا أن السیدة زینب علیها السلام استطاعت أن تضع لکل مقام تصرفا خاصاً به، فإذا کانت الحالة التی أمامها تتطلب الصبر والتجلد تلبست بذلک، وإذا کانت الحالة تتطلب الدفاع والحمایة بادرت إلی ذلک، وإذا کانت الحالة تقتضی الموقف العاطفی نراها علیها السلام لا تدخر وسعاً فی ذلک وهذا ما تبینه الصورة التاریخیة لحرکة الرکب الحسینی فی کربلاء فلقد ورد عن کتاب الشمس الطالعة: «إنه لمّا کانت اللیلة الحادیة عشرة وکانت لیلة مقمرة أخذت الحوراء زینب علیها السلام تلتفت إلی الحماة فما رأت منهم أحداً إلا وقد قطع الحمام أنینه وصافح التراب جبینه عند ذلک قالت لأختها أم کلثوم:

نحن هذه اللیلة نقوم فی حراسة العیال والأطفال ونقسّم اللیل ثلاثة أقسام، قسم علیّ وقسم علیک وقسم علی ابنة أخی سکینة.

فقامت زینب فی حراسة العیال من أول اللیل».

عن کتاب أسرار الشهادة: «روی عبد الله بن سنان عن أبیه أنّه أمر ابن سعد (لعنه الله) بان تحمل النساء علی الاقتاب بلا وطاء وحجاب فقدّمت النیاق إلی حرم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وقد أحاط القوم بهنّ وقیل لهن تعالین وارکبن فقد أمر ابن سعد بالرحیل. فلما نظرت زینب علیها السلام إلی ذلک نادت وقالت:

 سوّد الله وجهک یا ابن سعد فی الدنیا والآخرة تأمر هؤلاء

ص: 108

القوم بأن یرکبونا ونحن ودائع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ فقل لهم یتباعدون عنّا یُرکب بعضنا بعضاً.

قال: فتنحوا عنهنّ، فتقدّمت زینب علیها السلام ومعها أم کلثوم وجعلت تنادی کل واحدة من النساء باسمها وترکّبها علی المحمل حتی لم یبق أحد سوی زینب علیها السلام فنظرت یمیناً وشمالاً فلم تر أحداً سوی زین العابدین  علیه السلام وهو مریض فأتت علیه وقالت له:

قم یا ابن أخی وارکب الناقة.

فقال:

یا عمتاه ارکبی أنت ودعینی أنا وهؤلاء القوم.

فرجعت إلی ناقتها لأنها لم تقدر علی مخالفة الإمام فالتفتت یمیناً وشمالاً فلم تر إلا الأجساد علی الرمال ورؤوساً علی الأسنّة بأیدی الرجال فصرخت وقالت:

«واغربتاه واأخاه واحسیناه واعباساه، وارجالاه واضیعتاه بعدک یا أبا عبد الله».

قال الروای: فلما رأتهم علی هذه الحالة ذکرت خروجهم من الحجاز وما کانوا علیه من العزّة والرفقة والعظمة والجلالة. فبکیت علی حالهم وما جری علیهم، ثم قال: «فلمّا نظر الإمام زین العابدین  علیه السلام إلی ذلک لم یتمالک علی نفسه دون أن قام وهو یرتعش من الضعف فأخذ بعصاه یتوکأ علیها واتی إلی عمّته وثنی رکبته وقال:

ارکبی فلقد کسرت قلبی وزدت کربی، فأخذ لیرکبها فارتعش من الضعف وسقط علی الأرض».

فلما رآه الشمر أتی إلیه وبیده سوط فضربه فجعل  علیه السلام ینادی:

 «واجدّاه، وامحمداه، واعلیّاه، واحسناه، واحسیناه!».

ص: 109

فبکت زینب علیها السلام وقالت:

«ویلک یا شمر، رفقاً بیتیم النبوة وسلیل الرسالة وحلیف التقی وتاج الخلافة».

فلم تزل تقول کذا حتی نحته عنه، وإذا بجاریة مسنة سوداء، قد أقبلت إلی زینب علیها السلام فأرکبتها فسألت عنها فقالوا هذه فضة جاریة فاطمة الزهراء علیها السلام. ثم أرکبوا الإمام  علیه السلام علی بعیر أعجف، فلم یتمالک الرکوب من شدة الضعف فاخبروا ابن سعد فقال قیدوا رجلیه من تحت بطن الناقة!! ففعلوا ذلک وساروا بهم علی تلک الحالة(1).

الصورة الرابعة
اشارة

وهی تؤدی دور تخفیف اللوعة عن القلب الکسیر للإمام زین العابدین  علیه السلام وتواسی إمامها العلیل  علیه السلام بما حفظته عن أهلها علیهم السلام.

فتقول له:

«ما لی أراک تجود بنفسک یا بقیة جدی وأخوتی، فوالله إن هذا لعهد من الله إلی جدک وأبیک، ولقد أخذ الله میثاق أناس لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض، وهم معروفون فی أهل السماوات، إنهم یجمعون هذه الأعضاء المقطعة، والجسوم المضرجة، فیوارونها، وینصبون بهذا الطف علماً لقبر أبیک سید الشهداء لا یدرس أثره، ولا یمحی رسمه علی کرور اللیالی والأیام، ولیجدن أئمة الکفر وأشیاع الضلال فی محوه وطمسه فلا یزداد


1- الشمس الطالعة: ج 2، ص 107.

ص: 110

أثره إلا علواً...»(1).

وقفة

هذا النص الذی ورد علی لسان الحکیمة العاقلة الکاملة التی تفرغ عن لسان أبیها أمیر المؤمنین  علیه السلام بقدر ما یحتوی علی الحزن والألم فهو یحتوی علی مضامین عالیة ورائعة وتبعث السرور فی قلوب المؤمنین وهی کالآتی:

1 . ان السیدة الصغری علیها السلام تؤکد إمامة الإمام زین العابدین  علیه السلام بقولها:

«یا بقیة جدی وأخوتی...».

وکونه الحجة الذی یخلف الإمام الثالث من أئمة أهل البیت علیهم السلام.

2 . ان هذا القول الذی سردته علی ابن أخیها العلیل  علیه السلام قول لا یعتریه الشک أو الاحتمال أو التغیر بدلیل قسمها بالله تعالی علی ان هذا عهد من الله لرسوله المصطفی ولسید الشهداء  علیه السلام فنراها تقول:

«فوالله إن هذا عهد من الله إلی جدک وأبیک».

3 . انها تشیر إلی فئتین من المؤمنین، الفئة الأولی هی التی تجمع الأعضاء المقطعة والأجساد الطاهرة وتواریها وتنصب علما شامخاً لا ینتکس وأثراً بارزاً لا یُدرس، والفئة الثانیة هی التی تدیم بقاء هذا العلم وهذا الأثر تحافظ علی قبر سید الشهداء  علیه السلام.

4 . تبشر ببشارات هی:

أ. ان هذه الأجسام الطاهرة ستدفن وسیکون لها قبر بفعل محبیها وعشاقها.


1- کامل الزیارات: ص221.

ص: 111

ب. ان الذین یدفنون الأجساد وینصبون العلم والذین یحافظون علی قیام هذا القبر ویدافعون عنه معروفون فی أهل السماء مما یدل علی حسن مکانتهم وعلو مقامهم.

ج. ان هذا القبر سیبقی شامخا فی النفوس قبل التراب، وان هؤلاء الشهداء وسیدهم الإمام الحسین  علیه السلام مکانهم فی القلوب قبل القبور، وسیعجز أئمة الجور والضلال عن الإطاحة بهذا الشموخ مهما طال الزمن، ومهما کثرت وتنوعت أدوات التهدیم.

د. ان هذا القبر وهذا الطف سیسلّم مصاناً شامخاً معطاءً إلی مولانا الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشریف رغم تکرر اللیالی والأیام وعبث العابثین.

عاشراً: السیدة زینب تکمل النهضة

استشهد الإمام الحسین  علیه السلام وولده وإخوته وبنو عمومته وأصحابه، تحول الدور إلی الإمام السجاد  علیه السلام وعمته السیدة زینب علیها السلام فی استمرار النهضة الحسینیة المبارکة فشرعا فی صفع الطغیان الأموی ابتداءً من الکوفة وانتهاء فی مجلس الطاغیة الفاسق یزید بن معاویة من خلال تسلیط الضوء علی الثورة والثوار وبیان مقام من تصدی للباطل فی کربلاء، وتعریة زیف الأمویین وأذنا بهم وضحالة اتباعهم، وهبت السیدة العلویة علیها السلام لممارسة دورها الإعلامی الحق من خلال خطبها المتتالیة، فتارة تخاطب الجماهیر وأخری ترد علی ابن زیاد (لعنه الله) وما ینقله بشیر بن خذیم الأسدی شاهد علی علم وحکمة العقیلة علیها السلام قال: «لم أر والله خفرة أنطق منها، کأنما تنطق وتقرع علی لسان أمیر المؤمنین  علیه السلام، وقد أشارت إلی الناس بأن انصتوا فارتدت الأنفاس وسکنت الأجراس، ثم قالت بعد

ص: 112

حمد الله تعالی والصلاة علی رسوله صلی الله علیه وآله وسلم:

أما بعد یا أهل الکوفة یا أهل الختل والغدر، أتبکون فلا رقأت العبرة ولا هدأت الرنة، إنما مثلکم کمثل التی نقضت غزلها من بعد قّوة انکاثاً تتخذون ایمانکم دخلاً بینکم، ألا وهل فیکم إلا الصلف النطف والعجب والکذب والشنف وملق الاماء وغمز الأعداء کمرعی علی دمنة أو کفضة علی ملحودة، ألا بئس ما قدمت أنفسکم أن سخط الله علیکم، وفی العذاب أنتم خالدون، أتبکون وتنتحبون، أی والله فابکوا کثیرا واضحکوا قلیلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسلٍ بعدها أبداً، وأنّی ترحضون قتل سلیل خاتم النبوّة ومعدن الرّسالة، ومدره حجتکم ومنار محجتکم، وملاذ خیرتکم ومفزع نازلتکم. وسیّد شباب أهل الجنة ألا ساء ما تزرون، فتعساً ونکساً وبعدا لکم وسحقا، فلقد خاب السّعی، وتبّت الأیدی، وخسرت الصّفقة، وبُؤتم بغضب من الله ورسوله، وضربت علیکم الذلة والمسکنة، ویلکم یا أهل الکوفة أتدرون أی کبد لمحمد صلی الله علیه وآله فریتم؟، وأیّ کریمة له أبرزتم، وأیّ دم له سفکتم؟ وأی حرمة له انتهکتم؟ لقد جئتم شیئاً إداً تکاد السموات یتفّطرن منه وتنشق الأرض وتخرّ الجبال هدّا. ولقد أتیتم بها خرقاء شوهاء کطلاع الأرض وملء السماء، أفعجبتم أن مطرت السماء دماً ولعذاب الآخرة أخزی وهم لا ینصرون، فلا یستخفنّکم المهل فإنّه لا یحفزه البدار ولا یخاف علیه فوت الثار، وإن ربّکم لبالمرصاد(1).


1- مقتل الحسین للسید المقرم: ص 326.

ص: 113

ثم أنشأت تقول:

ماذا تقولون إذ قال النبی لکم

ماذا صنعتم وأنتم آخر الأمم

بأهل بیتی وأولادی وتکرمتی

منهم أساری ومنهم ضرّجوا بدم

ما کان هذا جزائی إذ نصحت لکم

أن تخلفونی بسوء فی ذوی رحم

إنی لأخشی علیکم أن یحلّ بکم

مثل العذاب الذی أودی علی إرم

ثم ولّت عنهم، قال حذام: فرأیت النَّاس حیاری قد ردوا أیدیهم فی أیدیهم، فالتفتّ إلی شیخ إلی جانبی یبکی وقد اخضلت لحیته بالبکاء ویده مرفوعة إلی السماء وهو یقول: بأبی وأمی کهولهم خیر الکهول وشبابهم خیر الشباب ونسلهم نسل کریم، وفضلهم عظیم، ثم أنشد یقول:

کهولهم خیر الکهول ونسلهم

إذا عدّ نسل لا یبور ولا یخزی(1)

وما رواه الشیخ المفید رحمه الله شاهد علی بطولة هذه اللبوة فیقول: وانحازت زینب ابنة أمیر المؤمنین  علیه السلام عن النساء وهی متنکّرة لکن جلال النبوة وبهاء الإمامة المنسدل علیها استلفت نظر ابن زیاد فقال: من هذه المتنکّرة؟ قیل له: ابنة أمیر المؤمنین زینب العقیلة.

فأراد أن یحرق قلبها بأکثر مما جاء إلیهم فقال متشمّتاً: الحمد لله الذی فضحکم وقتلکم وأکذب أحدوثتکم فقالت علیها السلام:

«الحمد لله الذی أکرمنا بنبیّه محمد وطهرنا من الرجس تطهیراً إنّما یفتضح الفاسق ویکذب الفاجر وهو غیرنا».

فقال ابن زیاد: کیف رأیت صنع الله بأخیک وأهل بیتک؟ قالت علیها السلام:

 «ما رأیتُ إلاّ جمیلاً هؤلاء قوم کتب الله علیهم القتل فبرزوا إلی


1- الدمعة الساکبة فی أحوال النبی والعترة الطاهرة: ج 5، ص36 __ 38.

ص: 114

مضاجعهم وسیجمع الله بینک وبینهم فتحاج وتُخاصم فانظر لمن الفلج یومئذ ثکلتک أمّک یا ابن مرجانة».

السیدة الهاشمیة علیها السلام ترعی العائلة

تأکیداً منها علی التصدی لإدارة شؤون عائلة أخیها الإمام الحسین  علیه السلام وتنفیذاً للعهد الذی أعطته إیاه نراها تنتقل من وظیفة إلی أخری مع ما هی علیه من ألم وحزن ومرارة ترکتها مصیبة کربلاء، فتارة تبحث عن أیتام أخیها الإمام  علیه السلام وأخری ترعی حالة ابن أخیها الإمام السجاد  علیه السلام وما ورد فی کتب التاریخ یوضح هذه الصورة، عن الشیخ رحمه الله قال: «لما رحلوا بالسبایا والرؤوس إلی دمشق وعدل بهم یراجع عن الطریق إلی قصر بنی مقاتل، وکان ذلک الیوم یوماً شدید الحر وکانت القربة التی معهم خرقت وأریق ماؤها فاشتد بهم العطش، وأمر ابن سعد عدة من قومه فی طلب الماء وأمر بفسطاط فجلس هو وأصحابه (لعنهم الله)، ورموا بالسبایا والأطفال علی وجه الأرض تصهرهم الشمس، فأتت زینب علیها السلام إلی ظل جمل هناک وفی حضنها علی بن الحسین  علیه السلام وقد اشرف علی الهلاک من شدة العطش وبیدها مروحة تروحه بها من الحر وهی تقول:

«یعزّ علیّ أن أراک بهذا الحال یا ابن أخی»(1).

السیدة العقیلة علیها السلام تقاتل بالشعر

ورد عن أبی مخنف ان العقیلة الهاشمیة علیها السلام أنشأت أبیاتاً من الشعر فی منازل مختلفة مر بها الرکب الحسینی کمنزل نصیبین فقالت:

أتشهرونا فی البریة عنوة

ووالدنا أوحی إلیه جلیل


1- الشمس الطالعة: ج 2، ص 162، 163.

ص: 115

کفرتم بربّ العرش ثم نبیّه

کأن لم یجئکم فی الزمان رسول

لحکم إله العرش یا شرّ أمة

لکم فی لظی یوم المعاد عویل

وهناک أبیات أخری أنشأتها عندما وصلت القادسیة فقالت:

ماتت رجالی وأفنی الدهر ساداتی

وزادنی حسرات بعد لوعات

صالوا اللئام علینا بعد ما علموا

إنّا بنات رسولٍ بالهدی آتی

یسیّرونا علی الأقتاب عاریةً

 کأنّنا بینهم بعضُ الغنیمات

یَعْزُزْ علیک رسول الله ما صنعوا

بأهل بیتک یا خیر البریّات

کفرتم برسول الله ویلکم

أهْداکمْ من سلوکٍ فی الضلالاتِ

ومن خلال هذه الأبیات المنسوبة لعقیلة الهاشمیین علیها السلام نستظهر ما یلی:

1 . إشارة وتصریح إلی أن هؤلاء السبایا هم آل البیت علیهم السلام الذی أوصی الله تعالی بهم.

2 . ان إقدام هؤلاء الأوغاد علی انتهاک حرمة قافلة آل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أدی إلی خروج الفاعل عن دین النبی صلی الله علیه وآله وسلم.

3 . وعبرت السیدة العالمة علیها السلام بأن الجزاء سیکون فی یوم المعاد إضافة إلی ما سینالهم من عذاب فی الدنیا.

4 . بیان شناعة المصیبة وألمها وما ألم بها علیها السلام من حزن شدید.

5 . قامت السیدة علیها السلام بتعریف السبایا لأهل القادسیة لکی تلقی علیهم الحجة.

6 . تشتکی ما ألمَّ بهم إلی جدها المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم وتخاطبه مخاطبة الأحیاء لیقینها بحیاته عند ربه یرزق حیث انه سید الأولین والآخرین، ویتضمن خطابها لجدها صلی الله علیه وآله وسلم رداً علی من لا یعتقد بحیاة الأموات.

ص: 116

السیدة الهاشمیة علیها السلام لسان حق

توالت المصائب علی سیدتنا زینب علیها السلام مصیبة بعد أخری وهی صابرة شامخة تهدر بصوت اللبوة العلویة التی تفرغ عن لسان أبیها أمیر المؤمنین  علیه السلام فتارة تقرع رؤوس الکفر بکلام لا یقوله إلاّ من أوتی جناناً صلبا، وأخری تعرّف الرکب الحسینی لمن یجهل أو یتجاهل ذلک لإلقاء الحجة ودفع الاشتباه، وثالثة تثنی علی من یحترم ویعظّم آل الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وما حصل من رد علی تبجّح (شمر بن ذی الجوشن) یشیر إلی تقریعها لهذا المسخ فیقول سهل بن سعد الساعدی: «دخل الناس من باب الخیزران ودخلت فی جماعتهم، وإذا قد أقبل ثمانیة عشر رأساً والسبایا علی المطایا بغیر وطاء والرأس الشریف علی رمح بید شمر بن ذی الجوشن لعنه الله وهو یقول:

أنا صاحب الرمح الطویل

أنا قاتل الدین الأصیل

أنا قتلت ابن سیّد الوصیین

وأتیت برأسه إلی یزید أمیر المؤمنین

وعلی الرغم من الظروف البالغة من القسوة والشدة إلا أن زینب علیها السلام ردت علیه بشجاعة لا نظیر لها وقالت:

«کذبت یا لعین ابن اللعین، ألا لعنة الله علی القوم الظالمین، یا ویلک تفتخر عند یزید الملعون ابن الملعون بقتل من ناغاه فی المهد جبرئیل ومیکائیل، ومن اسمه مکتوب علی سُرداق عرش ربّ العالمین، ومن ختم الله بجدّه المرسلین وقمع بأبیه المشرکین، فمن أین مثل جدّی محمد المصطفی وأبی علیّ المرتضی وأمی فاطمة الزهراء صلوات الله علیهم أجمعین»!(1).


1- الشمس الطالعة: ج 2، ص 169.

ص: 117

ولها موقف تتجلی فیه الشجاعة والحکمة أکثر مما سبق مع شمر بن ذی الجوشن حیث یقول الشیخ المفید: «ثم دعا بالنساء والصبیان فأجلسوا بین یدیه فرأی هیأة قبیحة فقال: قبح الله ابن مرجانة لو کانت بینکم وبینه قرابة ورحم ما فعل هذا بکم ولا بعث بکم علی هذا، فقالت فاطمة بنت الحسین ولما جلسنا بین یدی یزید رقّ لنا فقام إلیه رجل من أهل الشام أحمر فقال: یا أمیر المؤمنین هب لی الجاریة یعنینی وکنت جاریة وضیئة فأرعدت وظننت أنّ ذلک جائز لهم فأخذت بثیاب عمّتی زینب وکانت تعلم أنّ ذلک لا یکون(1).

وأما ما یرتبط بتعریفها الرکب الحسینی لمن یجهل أو یتجاهل فهناک أکثر من موقف یشیر إلی ذلک کموقفها مع أهل الکوفة المذکور آنفاً، ولکی تشکر المخلوق __ اذ إن شکره شکر للخالق __ نراها تثنی بالقول أو بالفعل علی کل من استنکر هذه الجریمة التی لحقت بآل البیت علیهم السلام أو من ساهم فی تخفیف هذه المصیبة، وما بینه التاریخ لشاهد علی قولنا هذا فلقد ورد أن الرکب الحسینی عند ذهابه إلی الشام مر بمنازل کثیرة فی طریقه کتکریت __ الموصل __ حرّان __ دعوات __ فنسرین __ سیبور __ حمص __ بعلبک  __ قصر بنی مقاتل __ وکان أغلب أهل هذه المنازل أسهموا فی أذی أهل البیت علیهم السلام حیث انهم من أتباع یزید (لعنه الله) وهناک منازل أخری لا بأس بذکرها کان أهلها من محبی أهل البیت علیهم السلام فی حینها کالموصل وسیبور وفنسرین وحماة وحمص وکانوا یرفضون استقبال جلاوزة الطاغیة ویغلقون فی وجوههم الأبواب ویلعونهم ویرمونهم بالحجارة ویبکون لما حلّ بالأسرة المحمدیة وعلی سبیل المثال لما مرت السیدة زینب علیها السلام ومن معها علی بلدة حماة وعرفت أن أهلها أغلقوا الأبواب


1- الشمس الطالعة: ج 2، ص 179.

ص: 118

فی وجوه القوم ومنعوهم من دخول البلدة احتجاجاً علی فعلتهم النکراء، سألت عن اسم البلدة فقالوا لها تسمی «حماة» فقالت:

«حماها الله من کلّ ظالم»(1).

العقیلة تهد أرکان الطغاة

بعد دخول السبایا إلی الشام المشؤوم وإیقاف الرکب فی باب الساعات طویلاً تنکیلا بأهل البیت علیهم السلام، وخروج الناس الذین أعماهم الشیطان فرحین مسرورین یضربون الدفوف، وتجاوز المسخ یزید علی الرأس الشریف لسید الشهداء  علیه السلام، وتمثله بأبیات شعریة لابن الزبعری قامت اللبوة الحیدریة وحکیمة البیت العلوی وعقیلة الوحی والنبوة والإمامة سیدتنا زینب علیها السلام لتقض أرکان الدولة الیزیدیة وتؤسس منهاجاً للثائرات وتضع نبراساً یقتدی به فی قول الحق عند حکام الجور والطغیان فقالت:

الحمد لله رب العالمین وصلّی الله علی رسوله وآله أجمعین، صدق الله سبحانه حیث یقول:

((ثُمَّ کَانَ عَاقِبَةَ الَّذِینَ أَسَاءُوا السُّوأَی أَنْ کَذَّبُوا بِآَیَاتِ اللَّهِ وَکَانُوا بِهَا یَسْتَهْزِئُونَ))(2).

أظننت یا یزید حیث أخذت علینا أقطار الأرض وآفاق السماء،

فأصبحنا نُساق کما تُساق الأُساری

أنّ بنا علی الله هواناً


1- زینب الکبری بطلة الحریة: ص 183. وفی تعلیقة الکتاب: منتهی الآمال: ج 1،ص 305.
2- سورة الروم، الآیة: 10.

ص: 119

وبک علیه کرامة

وأنّ ذلک لعِظم خطرک عنده؟

فشمخت بأنفک

ونظرت فی عطفک

جذلان مسروراً

حین رأیت الدنیا لک مستوسقة

والأمور مت_ّسقة

وحین صفا لک ملکنا وسلطاننا،

فمهلاً مهلاً،

أنسیت قول الله تعالی:

((وَلَا یَحْسَبَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِی لَهُمْ خَیْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِی لَهُمْ لِیَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِینٌ))(1).

أمن العدل یا ابن الطلقاء

تخدیرک حرائرک وإماءک

وسوقک بنات رسول الله سبایا

قد هتکت ستورهنّ

وأبدیت وجوههنّ

تحدو بهنّ الأعداء من بلد إلی بلد

ویستشرفهنّ أهل المناهل والمعاقل


1- سورة آل عمران، الآیة: 178.

ص: 120

ویتصفح وجوههنّ القریب والبعید،

والدنیّ والشریف لیس معهنّ من حُماتهنّ حمیّ

ولا من رجالهنّ ولیّ،

وکیف یرتجی مراقبة من لفظ فوه أکباد الأزکیاء

ونبت لحمه بدماء الشهداء؟

وکیف یستبطأ فی بغضنا أهل البیت،

من نظر إلینا بالشنف

والشنآن، والإحن

والأضغان؟

ثم تقول غیر متأثم ولا مستعظم:

لأهلّوا واستهلّوا فرحاً

ثم قالوا یا یزید لا تشل

منتحیاً علی ثنایا أبی عبد الله سید شباب أهل الجنة،

تنکتها بمخصرتک،

وکیف لا تقول ذلک؟

وقد نکأت القرحة

واستأصلت الشأفة

بإراقتک دماء ذریّة محمد صلی الله علیه وآله وسلم

ونجوم الأرض، من آل عبد المطلب

وتهتف بأشیاخک،

زعمت أنّک تنادیهم

فلتردنّ وشیکاً موردهم

ص: 121

ولتودّنّ أنّک شللت وبکمت

ولم یکن قلت ما قلت،

وفعلت ما فعلت،

«اللهم خذ بحقنا، وانتقم ممن ظلمنا، وأحلل غضبک بمن سفک دماءنا، وقتل حماتنا»

فوالله ما فریت إلا جلدک،

ولا حززت إلا لحمک،

ولتردنّ علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم

بما تحمّلت من سفک دماء ذرّیته.

وانتهکت من حرمته

 فی عترته ولُحمته،

حیث یجمع الله شملهم.

ویلمُّ شعثهم

ویأخذ بحقهم،

((وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ قُتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْیَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ یُرْزَقُونَ))(1).

حسبک بالله حاکماً

وبمحمد صلی الله علیه وآله وسلم خصیماً

وبجبرئیل ظهیراً

وسیعلم من سوّّل لک


1- سورة آل عمران، الآیة: 169.

ص: 122

ومکّنک من رقاب المسلمین،

بئس للظالمین بدلا،

وأیّکم شرٌ مکاناً وأضعف جنداً،

ولئن جرّت علی الدواهی مخاطبتک

إنّی لأستصغر قدرک

وأستعظم تقریعک

وأستکثر توبیخک

لکنّ العیون عبری،

والصدّور حرّی،

ألا فالعجب کلُّ العجب

لقتل حزب الله النجباء

بحزب الشیطان الطلقاء،

فهذه الأیدی تنطف من دمائنا

والأفواه تتحلّب من لحومنا،

وتلک الجثث الطواهر الزواکی

تنتابها العواسل

وتعفوها أمّهات الفراعل،

ولئن أتخذتنا مغنما

لتجدنا وشیکا مغرما،

حین لا تجد إلا ما قدّمت یداک،

وما ربّک بظلام للعبید،

ص: 123

وإلی الله المشتکی،

وعلیه المعوّل،

فکد کیدک.

واسْعَ سعیک،

وناصب جهدک

فوالله لا تمحو ذکرنا

ولا تمیت وحینا،

ولا تدرک أمدنا

ولا یرحض عنک عارها

وهل رأیک إلا فند

وأیّامک إلا عدد

وجمعک إلا بدد

یوم یناد المنادی

ألا لعنة الله علی الظالمین.

والحمد لله رب العالمین، الذی ختم لأوّلنا بالسعادة والمغفرة،

ولآخرنا بالشهادة والرحمة،

ونسأل الله أن یکمل لهم الثواب،

ویوجب لهم المزید،

ویحسن علینا الخلافة إنّه رحیم ودود

وحسبنا الله ونعم الوکیل(1).


1- مقتل الحسین، السید المقرم: ص 377.

ص: 124

السیدة زینب علیها السلام تقیم مجالس العزاء

اشارة

إن أول مجلس عزاء علی الإمام  علیه السلام للنساء هو ما قامت به السیدة العقیلة فی کربلاء عند سقوط أخیها الإمام الحسین  علیه السلام عن ظهر جواده بل انها أقامت هذه المجالس فی حیاته وبعد وفاته ولاسیما عند استشهاد إخوتها وبنی عمومتها وهذا ما تناقلته کتب المقاتل ولکن لکی یتضح دور السیدة علیها السلام فی مدینة جدهاصلی الله علیه وآله وسلم مرکز الإشعاع الفکری والعلمی لابد من الوقوف علی الصور الحزینة التی فیها أکثر من مدلول:

الصورة الأولی

عند وصولها إلی المدینة المنورة ورد أنها أخرجت رأسها من المحمل ونادت فی النساء والأطفال:

«انزلوا من الهوادج، فإنی أری الروضة المنورة لجدی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم».

 ثم ناحت وبکت بکاءً شدیداً حتی کادت نفسها تخرج، فأقبل الناس من کل ناحیة یندبون ویلطمون، وارتفعت الأصوات بالبکاء، وضجت تلک البقعة ضجة شدیدة کأن الأرض زلزلت تحت أقدامهم. ثم مالت ببصرها إلی کربلاء، وأخذت تکلم أخاها الحسین  علیه السلام وتقول:

«أخی حسین!! هؤلاء جدک وأمک وأخوک وأهل بیتک ینتظرون قدومک!! یا نور عینی!! قتلت وأورثتنا الأحزان الطویلة، فیالیتنی مت قبل هذا وکنت نسیاً منسیاً»(1).

ثم عرّجت علی قبر جدها.


1- الشمس الطالعة: ج 2، ص 224.

ص: 125

الصورة الثانیة

بثت السیدة زینب علیها السلام شکواها إلی جدها المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم بعد أن وقفت علی باب مسجده الشریف وهی تنادی: «یا جداه، إنی ناعیة إلیک أخی الحسین».

الصورة الثالثة

هذا الحوار الذی جری بین سیدتنا أم المصائب وشریکتها فی المصیبة السیدة الفاضلة زوجة أمیر المؤمنین  علیه السلام وأم الشهداء الأربعة «أم البنین» حوار لا مثیل له فی وصف الحزن الذی أصاب هذه العائلة الإلهیة، فلذا جاء فی التاریخ حینما دخل أهل البیت علیهم السلام المدینة أقبلت أم البنین __ أم العباس بن علی  علیه السلام __ إلی زینب علیها السلام وقالت:«یا ابنة أمیر المؤمنین  علیه السلام أین أولادی؟!. فقالت زینب علیها السلام: «قد قتلوا جمیعاً». فقالت أم البنین: «أرواحهم لروح الحسین فداء، أین ولدی الحسین»؟ فقالت زینب علیها السلام: «قتلوه عطشاناً»؟!!. لما سمعت أم البنین ذلک ضربت بیدیها علی رأسها وجعلت تصرخ وتنادی: «واحسیناه». ثم قالت لها زینب علیها السلام: «أتیتک بذکری من ولدک العباس  علیه السلام». فقالت أم البنین: «وما هی»؟!. فأخرجت زینب علیها السلام ترس أبی الفضل العباس والمطلخ بدمه الزاکی من تحت إزارها ولما رأت أم البنین ذلک تفطر قلبها حزناً ولم تتحمل فوقعت مغشیاً علیها(1).

الصورة الرابعة

السیدة الصغری علیها السلام تسرد ما ألم بها من مصائب لنساء المدینة وترکز علی السیدة رقیة حبیبة أخیها الحسین  علیه السلام فتقول: «وأما مصیبة وفاة رقیة فی خربة الشام فقد احدودب لها ظهری وشاب رأسی».


1- الشمس الطالعة: ج 2، ص 225، 226.

ص: 126

الصورة الخامسة
اشارة

عودة البنت إلی حضن أمها، فلقد سارعت السیدة زینب علیها السلام بهمومها وأحزانها وآلامها إلی أمها السیدة فاطمة الزهراء علیها السلام منادیة:

«أماه! أماه، لقد ضربونی بالسیاط حتی جرحوا متنی».

ثم قالت:

«لقد أتیتک بقمیص الحسین».

وقفة

عند تأمل هذه الصور الحزینة التی سبق ذکرها نستطیع الخروج بعدة ملاحظات وهی:

1 . ان السیدة زینب علیها السلام تحرص علی إظهار مظلومیة أهل البیت علیهم السلام فی مدینة تحت ولایة أعدائهم، وتحرض الجماهیر ضد هذه الحکومة الظالمة وتسحب البساط من تحت أقدامها، روی صاحب «أخبار الزینبیات» بإسناده عن مصعب بن عبدالله، قال: «کانت زینب بنت علیّ وهی بالمدینة تؤلّب الناس علی القیام بأخذ ثأر الحسین، فلمّا قام عبدالله بن الزبیر بمکة وحمل الناس علی الأخذ بثأر الحسین وخلع یزید، بلغ ذلک أهل المدینة، فخطبت فیهم زینب، وصارت تؤلبهم علی القیام للأخذ بالثأر، فبلغ ذلک عمرو بن سعید، فکتب إلی یزید یعلمه بالخبر، فکتب إلیه أن فرّق بینها وبینهم، فأمر أن ینادی علیها بالخروج من المدینة والإقامة حیث تشاء، فقالت:

قد علم الله ما صار إلینا، قتل خیّرنا، وانسقنا کما تساق الأنعام، وحملنا علی الأقتاب، فوالله لا خرجنا وإن اهریقت دماؤنا.

ص: 127

فقالت لها زینب بنت عقیل: یا بنة عمّاه، قد صدقنا الله وعده، وأورثنا الأرض نتبوّأ منها حیث نشاء، فطیبی نفساً، وقرّی عیناً، وسیجزی الله الظالمین، أتریدین بعد هذا هواناً، ارحلی إلی بلد آمن.

ثم ّاجتمع علیها نساء بنی هاشم، وتلطّفن معها فی الکلام، وواسینها»(1).

2 . فی مخاطبتها لجدها المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم وأمها الزهراء علیها السلام رد علی من یتشدق بحرمة زیارة القبور، وصفعة لمن یعتقد بأن أهل البیت أموات لا یسمعون شیئاً وکان فعلها موافقاً لما جاء عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بجواز زیارة القبور.

3 . فی إقامة المآتم علی أخیها الإمام المظلوم  علیه السلام وأهل بیته وأصحابه دلیل علی جواز بل استحباب ذلک.

4 . بما أن مدینة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم یقصدها الناس من أطراف الأرض صار لابد من استغلال موقعها لنشر مظلومیة أهل البیت علیهم السلام.

5 . تأکیدها علی ان السیدة رقیة علیها السلام دفنت فی الشام مما یسد الباب علی من یشکک فی قبرها.

6 . ان الهموم والأحزان وعدم الراحة النفسیة سبب فی سرعة الهرم والشیخوخه عند قولها: «وأما وفاة رقیة...».

وهذا سبق علمی بحت یتوافق مع قول أبیها أمیر المؤمنین  علیه السلام: «الهم نصف الهرم».

وهناک استنتاجات أخری ترکناها للاختصار.


1- الرکب الحسینی فی الشام ومنه إلی المدینة المنورة: ج 6، ص421.

ص: 128

ام کلثوم الأخت الثانیة للإمام  علیه السلام

اشارة

تکلمنا عن دور المرأة فی حیاة الإمام الحسین  علیه السلام وتعرضنا فی بحثنا عن دور المرأة الأم ثم عرجنا علی دور المرأة الأخت، وتناولنا موقف السیدة العقیلة زینبعلیها السلام ودورها فی حیاة أخیها الإمام الحسین  علیه السلام ولکی نتم الحدیث عن دورها وسعة دور السیدة زینب علیها السلام الذی غطی کل دور نسائی.

استنجاد الإمام بأم کلثوم علیها السلام

ورد فی کتب المقاتل أن الإمام الحسین  علیه السلام بقی وحیداً لا ناصر له ولا معین حیث ان أصحابه وأهل بیته مجزّرون علی رمضاء کربلاء،وخیامه خالیة من کل رجل باستثناء ولده الإمام زین العابدین  علیه السلام الذی کان یعانی آلام المرض ویتجرع غصص المصیبة علی فراشه، وهو لا یقوی علی شیء، إلا أنه  علیه السلام حینما سمع نداء أبیه وصراخ الأطفال وعویل النساء اهتزت الغیرة الهاشمیة واشرأبت الشجاعة العلویة فانتفض من فراشه وخرج من الخیمة یتوکّأ علی عصا ویجر سیفه لأنه لا یقوی علی حمله، فلما رآه الإمام الحسین  علیه السلام صاح بأخته أم کلثوم:

«احبسیه یا أختاه لئلا تبقی الأرض خالیة من نسل آل محمد صلی الله علیه وآله وسلم».

فقال زین العابدین  علیه السلام:

«یا عمتاه، ذرینی أقاتل بین یدی ابن رسول الله».

فأخذت أم کلثوم تمانعه وتنادی خلفه:

«یا بنی ارجع حتی أرجعته إلی فراشه».

ص: 129

أم کلثوم تشارک فی المصائب

لا فرق عند إمامنا الحسین  علیه السلام بین أخواته وبناته ونسائه بل ونساء أصحابه إلاّ بحسب الأدوار والمشارکة، فکل ما نزل من المصائب کان لأم کلثوم نصیب منها، فتارة عند مشارکتها الرکب الحسینی السفر وعناءه، وأخری عند عطش النساء والأطفال، وأخری عند وداع وشهادة الإمام  علیه السلام وولده وإخوته وأصحابه، ورابعة عند حرق الخیام وهجوم الخیل، وخامسة عندما أخذ رجل قرطی أم کلثوم وخرم أذنها، وسادسة عند ضرب المتون ولطم الوجوه، وسابعة عند رکوب النیاق الهزّل، وثامنة عند السبی، وتاسعة عند دخول الکوفة، وعاشرة عند دخول مجلس الطاغیة ابن زیاد و... ومصائب لا نقوی علی ذکرها وإحصائها.

أم کلثوم تحرس العیال

حلّ لیل الحزن، وجاءت ظلمة اللیل فی وقت فقد فیه الحماة وغاب فیه الأبطال وقتلت فیه الرجال، وضاع من هوله الأطفال، وحرقت بناره الخیام، لیل ثقیل بهمومه وآلامه لم یبقَ من رحل آل الرسول إلا خیمة محروقة جوانبها، فقامت السیدة أم کلثوم لتشارک أختها العقیلة زینب علیها السلام فی جمع العیال وصیانة الأطفال، ووطنت نفسها علی مشارکة أختها فی حراسة العائلة المذعورة فی ذلک اللیل الرهیب، وهذا ما ذکره أرباب السیر فقالوا: إنّه لما کانت اللیلة الحادیة عشرة وکانت لیلة مقمرة أخذت الحوراء زینب علیها السلام تلتفت إلی الحماة فما رأت منهم أحداً إلا وقد قطع الحمام أنینه وصافح التراب جبینه عند ذلک قالت لأختها أم کلثوم: نحن هذه اللیلة نقوم فی حراسة العیال والأطفال ونقسّم اللیل ثلاثة أقسام، قسم علیّ وقسم علیک وقسم علی ابنة أخی سکینة، فقامت زینب فی حراسة العیال من أول اللیل.

ص: 130

أم کلثوم تأبی الصدقة

اشارة

لما تشرفت کوفة الغدر بدخول الرکب الحسینی واجتمع أهلها حول سبایا کربلاء ورأوا الأطفال علی هیأة یرق کل قاس وغلیظ لها فأخذوا یناولون الأطفال تمراً وخبزاً فصاحت بهم أم کلثوم وقالت:

یا أهل الکوفة إنّ الصدقة علینا حرام.

 وصارت تأخذ ذلک من أیدی الأطفال وأفواههم وترمی به إلی الأرض قال: کلّ ذلک والناس یبکون علی ما أصابهم.

ثم إن أم کلثوم أطلعت رأسها من المحمل وقالت لهم:

صه یا أهل الکوفة، تقتلنا رجالکم، وتبکینا نساؤکم؟. فالحاکم بیننا وبینکم الله یوم فصل القضاء.

وقفة حول حادثة الصدقة

1 . فی تصدیها لانتزاع الخبز والتمر من أیدی الأطفال الذین هم بحاجة ماسة إلی الطعام، والذین هم معذورون من حیث التکلیف الشرعی عند تناولهم للحرام کونهم صغاراً لا تثریب علیهم وکونهم مضطرین لذلک إلا انها أبت إلا أن تبعدهم عن تناول الحرام لکی لا ینبت لهم لحم أو عظم من الحرام وفی هذا الموقف ورع وتقوی وطهارة لا نظیر لها.

2 . ان انتزاع الصدقة من أیدی أطفال أهل البیت علیهم السلام فیه دلالة علی تعظیم أهل البیت علیهم السلام بما فیهم الأطفال، وینبغی التعامل معهم بهذا التعظیم.

3 . تؤدی السیدة أم کلثوم علیها السلام تکلیفاً شرعیاً ألا وهو حمایة الأطفال من کل ضرر یلحق بهم سواء کان معنویاً أم مادیاً.

ص: 131

4 . تصرّف السیدة الجلیلة أم کلثوم علیها السلام تصرّف حضاری سبقت به غیرها ممن یدعی احترام الطفولة والاهتمام بها.

5 . ان تصرف السیدة أم کلثوم علیها السلام یعطی انطباعاً حسناً عن زهد أهل البیت علیهم السلام کباراً وصغاراً فی الدنیا رغم حاجتهم الضروریة لها، ولو کانوا من طلاب الدنیا ومناصبها وزخارفها لتهافتوا علی الطعام الذی هم بأمس الحاجة إلیه، إلاّ انها أبت إلا أن تعلو المبادئ علی شهوات الدنیا.

أم کلثوم تقرّع أهل الکوفة

اشارة

بعد أن تصدت السیدة زینب الکبری علیها السلام لتوبیخ أهل الکوفة وتلتها بنت أخیها فاطمة بنت الحسین علیها السلام تکلمت السیدة أم کلثوم بخطبة صعقت بها آذان أهل الکوفة.

فقالت:

یا أهل الکوفة سوأة لکم،

ما لکم خذلتم حسیناً وقتلتموه

وانتهبتم أمواله وورثتموه

وسبیتم نساءه ونکبتموه،

فتبّاً لکم وسحقاً.

ویلکم أتدرون أیّ دواهٍ دهتکم؟

وأیّ وزر علی ظهورکم حمّلتم؟

وأیّ دماء سفکتموها؟

وأیّ کریمة أصبتموها؟

ص: 132

وأیّ صبیة سلبتموها؟

وأیّ أموال انتهبتموها؟

قتلتم خیر رجالات بعد النبیّ.

ونزعت الرّحمة من قلوبکم

ألا إنّ حزب الله هم الفائزون

وحزب الشیطان هم الخاسرون،

ثم قالت:

قتلتم أخی صبراً فویل لأمّکم

ستجزون ناراً حرّها یتوقد

سفکتم دماء حرّم الله سفکها

وحرّمها القرآن ثمّ محمد

الا فابشروا بالنار إنّکم غداً

لفی سقر حقّاً یقیناً تخلّدوا

وإنی لأبکی فی حیاتی علی أخی

علی خیر من بعد النبی سیولد

بدمع غزیر مستهل مکفکف

علی الخدّ منی ذائباً لیس یجمد(1)

وقفة

ان الخطاب الموجّه إلی أهل الکوفة لا یعنی ان الکوفة من البلاد التی تبغض أهل البیت علیهم السلام لما فیها من شیعة وموالین لأمیر المؤمنین  علیه السلام وجدوا منذ ان بلغ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بولایته وتأکد ولاؤهم بعد أن اتخذ أمیر المؤمنین  علیه السلام الکوفة عاصمة للخلافة الإسلامیة، الا أن هذا لا یعنی أیضاً ان بعض أهل الکوفة ممن یوالی بنی أمیة وممن ملأ النفاق صدره لم یشارک فی قتال الإمام الحسین  علیه السلام بل هم من قتل الإمام  علیه السلام، وفی قتلهم للإمام  علیه السلام دلیل علی ان الکوفة کسائر البلاد الإسلامیة الأخری التی تضم المحب لأهل البیت علیهم السلام والمبغض لهم.


1- الشمس الطالعة: ج 2، ص 138.

ص: 133

السیدة تدعو فیستجاب لها

اشارة

ورد فی کتب التاریخ ان السیدة أم کلثوم ترد علی الشامی عندما تجرأ وطلب استخدام فاطمة بنت الإمام الحسین  علیه السلام کخادمة برد علوی الهی فقالت أم کلثوم للشامی:

«أسکت یا لکع الرجال، قطع الله لسانک وأعمی عینیک، وأیبس یدیک، وجعل النار مثواک، إنّ أولاد الأنبیاء لا یکونون خدمة لأولاد الأدعیاء.

قال: فوالله ما استتمّ کلامها حتی أجاب الله دعاءها فی ذلک الرجل فقالت:

الحمد لله الذی عجّل لک العقوبة فی الدنیا قبل الآخرة فهذا جزاء من یتعرّض لحرم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

وفی روایة السید رحمه الله فقال الشامی: من هذه الجاریة؟، فقال یزید: هذه فاطمة بنت الحسین، وتلک زینب بنت علی بن أبی طالب، فقال الشامی: الحسین ابن فاطمة وعلی بن أبی طالب، قال: نعم، فقال الشامی: لعنک الله یا یزید تقتل عترة نبیک، وتسبی ذرّیته، والله ما توهمت إلا أنّهم سبی الروم، فقال یزید: والله لألحقنک بهم، ثم أمر به فضرب عنقه»(1).

وقفة

عندما یستدعی الموقف وقفة نبیّن فیها عظمة أفراد هذا البیت الرسالی برجاله ونسائه نسرع مبهورین لذلک، فلذا أدعوکم للتأمل فی هذا المقطع التاریخی لتستظهروا منه ما یمکن استظهاره، ومما استظهرت منه ما یلی:

1 . ان السیدة أم کلثوم علیها السلام لم یرهبها یزید أو غیره ممن هو مقرب من یزید عندما یستدعی الموقف إنکار المنکر وردع الباطل، ولا تخاف فی الله لومة لائم.


1- الشمس الطالعة: ج 2، ص 180.

ص: 134

2 . رکزت السیدة الجلیلة أم کلثوم علیها السلام علی لسانه لجرأته وکلامه المخالف للشرع، وعلی عینه لعدم تمییزه بین من یصلح للخدمة ومن لا یصلح لها، وعلی یدیه لإشارته إلی فاطمة بنت الإمام علیها السلام.

3 . وفی مقطع من قولها علیها السلام بینت أن الأساری هم من آل الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وان الأمیر المزعوم مشکوک فی نسبه وطهارة مولده.

4 . استجابة الدعاء للسیدة أم کلثوم علیها السلام تصدیق لقولها انهم من أولاد الأنبیاء، وتأکید علی أحقیة أهل البیت علیهم السلام وبطلان مدعی غیرهم.

5 . یکون تعجیل العقوبة فی الدنیا لسببین:

الأول

لإسقاط العقوبة عن الفاعل فی الآخرة، فتقع العقوبة تکفیراً للذنوب.

الثانی

تکون العقوبة ردعاً للفاعل فی الدنیا، وعقوبة أخری کجزاء له فی الآخرة، وهذا ما حصل للشامی وإلا لا یمکن تفسیر قول السیدة علیها السلام «الحمد لله الذی عجل لک العقوبة فی الدنیا» بأن العقوبة تکفیر للذنوب لأن ذلک فی صالح المعتدی، فیلزم أن یفسر قصدها بالمعنی الثانی.

أم کلثوم لا ترضی إلا القصاص

اشارة

شرع الإسلام لقتل العمد القصاص أو الدّیة وجعل لولی الدم الاختیار فی ذلک، ویجری هذا التشریع فی حصول القتل العمد للأفراد المؤمنین، إلا أن الطاغیة یزید أراد ان یجری هذا التشریع فی حق سید الشهداء  علیه السلام وحجة الله علی خلقه وخلیفة الله فی أرضه وأولاده وأخوته وعمومته وأصحابه فعرض بوقاحة لا نظیر

ص: 135

لها وجرأة لا تلیق إلا بأخلاق أولاد الأدعیاء العوض علی سیدتنا أم کلثوم علیها السلام فواجهته بصفة أولاد الأنبیاء علیهم السلام وهذا ما حدثنا به التاریخ فقال: فلما کان الیوم الثامن دعاهنّ یزید وعرض علیهن المقام فأبین  وأرادوا الرجوع إلی المدینة، فأحضر لهم المحامل وزیّنها وأمر بالانطاع الابریسم وصبّ علیها الأموال وقال: یا أم کلثوم خذوا هذا المال عوض ما أصابکم.

فقالت أم کلثوم:

یا یزید ما أقلّ حیاءک وأصلب وجهک؟.

وفی روایة:

أصلف وجهک أتقتل أخی وأهل بیتی وتعطینی عوضهم مالاً؟ والله لا کان ذلک أبداً.

وقفة

فی رفض أم کلثوم تتجلی أمور کثیرة منها:

1 . ان السیدة علیها السلام لا تقر جریان الدیّة فیما حصل من قتل فی کربلاء فیما إذا کان الخیار هو الدیة دون القصاص، لأنه قتل للمبادئ وقتل للشریعة وقتل للقرآن، وفی مثل هذا القتل لا تجری أحکام الدیة بل لابد من القصاص.

2 . قولها علیها السلام: «یا یزید ما أقل حیاءک» لا یعنی ان لیزید حیاء إلا أنه قلیل بل تعنی أن لا حیاء لک یا یزید وهذا ما درج علیه العرب فی مخاطباتهم.

3. قولها: «والله لا کان ذلک أبدا» یمکن أن یفهم منه أن الإمام الحسین علیه السلام قتیل کربلاء ووارث الأنبیاء علیهم السلام وخلیفة الله تعالی فی أرضه وحجته علی عباده،

ص: 136

لا ولی له إلاّ الله تعالی وهو لا یرضی إلا بالنار وهذا ما ینسجم مع قول الزیارة «السلام علیک یا ثار الله وابن ثاره».

المرأة البنت

علی أثر ما تقدم من بحثنا فی بیان دور المرأة الأم والأخت فی حیاة الإمام الحسین  علیه السلام نعرج بالبحث علی دور المرأة البنت فی حیاة الإمام  علیه السلام، ولقد جاء فی التاریخ ان للإمام الحسین  علیه السلام ثلاث بنات وقیل بنتین والأول أشهر، وهذه البنات من أمهات شتی، فسکینة أمها الرباب بنت امرئ القیس، وفاطمة أمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبید الله، ورقیة أمها أم إسحاق أیضاً وهناک قول ان للإمام علیه السلام بنتاً تسمی فاطمة ترکها فی المدینة وهذا ما ورد فی کتاب «معالی السبطین» للعلامة الحائری: ان أمها «شاه زنان» بنت یزدجرد فتکون أختاً للإمام السجاد  علیه السلام، ومهما کانت الأقوال وتعددت الآراء فاننا نسلط الضوء علی السیدة سکینة وأختیها فاطمة الصغری أو (النبویة) ورقیة علیها السلام ولا بأس ان نفتتح البحث بالسیدة سکینة علیها السلام.

السیدة سکینة بنت الإمام الحسین  علیه السلام

اشارة

عندما یکون الحدیث عن سیدة جدها أمیر المؤمنین  علیه السلام وسید الوصیین وجدتها سیدة نساء العالمین فاطمة الزهراء علیها السلام تظهر الکلمات محمرة الوجنات حیاء، وتتمنع السطور عن وصفها عیاء، فلا قلم یکتب ولا ورق یسع، ولا خیال یصف سیدةً، أبوها سید الشهداء  علیه السلام، وعمها الزکی المجتبی، وعماتها عقیلة الطالبین زینب الکبری علیها السلام، وأم کلثوم ربیبة العلویین، نمت فی حجر الرباب بنت امرئ القیس وعاشت مع أخویها الإمام زین العابدین  علیه السلام وعلی شهید کربلاء

ص: 137

شبیه خلق الإمام الحسین  علیه السلام وصفاته وشمائله ومبادئه وشیمه، فکانت زهرة البنات العلویات، وشریکة اللبوات الحسینیات فاطمة ورقیة فی عطر النبوة وبلاغة الإمامة وجمال الروح وعفاف النفس وسمو الأخلاق، فقضت ردحاً من الزمن فی المصائب صابرة، وعلی الطغاة ثائرة لا تأخذها فی الله لومة لائم إلی ان ودعت الحیاة عن عمر یناهز الخامسة والسبعین تائقة إلی لقاء ربها ومشتاقة إلی المکث مع أهلها فی جنانه ورضوانه.

شخصیة السیدة تأبی الاتهام

اشارة

عند الوقوف أمام السرد التاریخی المغرض الذی تناول زواج السیدة الجلیلة حبیبة الإمام الحسین  علیه السلام نراه قد کتب بأقلام باغضة لأهل البیت علیهم السلام وحاسدة لعلوهم وباکیة علی البیت الأموی الذی ملأ الدنیا عیوباً وانحرافاً وفساداً، ومن یقرأ التاریخ المنحرف لا یری إلا ما تندهش له العقول، ویضحک منه ذوو الألباب، أبی الحقد الأموی الا أن یلصق بأشرف أسرة فی الوجود تهماً لا تلیق إلا بآل أمیة وآل مروان وآل زیاد وبمن سار علی نهجهم وأفکارهم وتلبس بأخلاقهم.

اتهم المؤرخون المنحرفون السیدة سکینة بأنها تزوجت من سبعة أزواج ولدواعٍ واهیة وبطریقة لا تلیق إلا بامرأة لا حیاء لها یردعها ولا ولی لها یمنعها ولا عشیرة تغار علیها، ولکی لا نخرج عن موضوع الکتاب نتعرض لبعض هذه الاتهامات نرد علیها ما أمکننا الرد وهی کما یلی:

روی الأصفهانی قال: حدّث الزبیر بن بکّار قال: حدّثنی عمّی مصعب، قال: تزوجت سکینة بنت الحسین علیها السلام عدة أزواج، أوّلهم عبدالله بن الحسن بن

ص: 138

علی وهو ابن عمّها وأبو عذرتها، ومصعب بن الزبیر، وعبدالله بن عثمان الحزامی، وزید بن عمرو بن عثمان، والأصبغ بن عبدالعزیز ولم یدخل بها، وإبراهیم بن عبدالرحمن بن عوف ولم یدخل بها(1).

ولکی یتضح للقارئ حقد الوضّاعین علی بنی هاشم لابد له من الاطلاع علی هذه الافتراءات الوخیمة، ففی هذه القصة الآتیة نری مخالفة الداعی إلی الزواج، فاقرأ أو تأمل:

یقول الأصفهانی: تنفست بنانة جاریة سکینة یوماً، وتنهدت حتی کادت أضلاعها تنشقّ؛ فقالت لها سکینة: ما لک؟ ویلک فقالت بنانة: أحبّ أن أری فی الدّار جلبة تعنی العرس.

فدعت سکینة رضی الله عنهامولی لها تثق به، وقالت له: إذهب إلی إبراهیم بن عبدالرحمن بن عوف، فقل له: إنّ الذی دفعناک عنه، قد بدا لنا فیه، ائت أخوال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فاخطب سکینة».

وإبراهیم بن عبدالرحمن بن عوف، کان قد خطب السیدة سکینة بعد مقتل مصعب، فأنکرته وردّته فی غیر رفق، وبعثت إلیه قائلة: أبلغ من حمقک أن تبعث إلی سکینة بنت الحسین بن فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، تخطبها؟.

فسکت إبراهیم وتراجع فلمّا جاءه رسول سکینة، لم تسعه الدنیا فرحاً، فجمع نحو سبعین رجلاً أو ثمانین من رجال بنی زهرة وأعیان قریش، واتجه بهم فی جمع حافل مشهود، ساعیاً إلی «علی بن الحسین» لیخطب إلیه أخته سکینة. وبلغ الأمر بنی هاشم وقالوا: کیف یجرؤ إبراهیم علی خطبة الشریفة الهاشمیة. وذهبوا إلیها وقد حمل کل منهم عصا بعد أن تنادوا فیما بینهم إلاّ یخرجن منکم إنسان إلاّ


1- آمنة بنت الحسین: ص 99.

ص: 139

ومعه عصاً(1).

والتقی الجمعان عند بیت سکینة، وقد اشتعل الغضب بینهم، فتضاربوا حتی أصیب منهم یومئذ أکثر من مائة شخص.

تری هل نظرت سکینة إلی هذه المعرکة الصغیرة نظرة ضیقة کما قالوا وعلقت قائلة لمولاتها بنانة، وابتسامة ساخرة علی شفتیها:

أی بنانة: أرأیت فی الدار جلبة عرس؟.

فأجابت بنانة قائلة: أی والله، إلاّ أنها شدیدة(2).

ویجاب علی الافتراءات حسب ما ورد أعلاه وهو کما یلی:

اما بالنسبة لما رواه الأصفهانی فهو کذب وافتراء للأسباب التالیة:

1. ان العداء لآل البیت علیهم السلام تجلی فی کثیر من مواقف آل الزبیر ابتداءً من الزبیر بن العوام ومروراً بولده عبدالله وانتهاء بمصعب الزبیری المتوفی سنة (236ه_) وهذا لا غبار علیه لمن تصفح التاریخ وتأمل فی نصوصه.

2. بادر مصعب الزبیری المذکور آنفاً إلی دفع التهمة عن ابنتهم سکینة بنت خالد بن مصعب بن الزبیر بإلصاقها بالسیدة سکینة بنت الإمام الحسین  علیه السلام حیث کانت سکینة الزبیریة تجتمع مع الشاعر ابن أبی ربیعة والمغنیات یغنین لها.

3. تناقلت الافتراء سلسلة من الوضاعین کالزبیر بن بهار وابنه ثم تلقاها المبرد ومررها إلی تلمیذه الزجاجی فأخذه المؤرخون دون فحص وتمحیص.

4. استغراقها فی الله تعالی حاجب کبیر بحجبها عن الانغماس فی شهوات الدنیا ولذاتها، بل لا أری للمستغرق فی الله تعالی ان یستبدل لذته هذه بلذة فانیة


1- سکینة بنت الحسین، عبدالمنعم الهاشمی: ص 54، 55.
2- نفس المصدر.

ص: 140

دنیّة. وسنفرد لهذا الأمر عنواناً خاصاً یلیق بخیرة النسوان.

5. لم نعهد أحداً من رجال أهل البیت علیهم السلام الذین طهرهم الله تعالی وأذهب عنهم الرجس فضلاً عن نسائهم ان خرج علی سنن ونهج رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأمیر المؤمنین  علیه السلام، وما ورد عن سید المرسلین فی تزویج بنات بنی هاشم من ولدهم صریح فی دفع هذا الافتراء عن السیدة الجلیلة سکینة.

حیث قال صلی الله علیه وآله وسلم:

«بناتنا لبنینا وبنونا لبناتنا»(1).

هذا ما سار علیه أمیر المؤمنین  علیه السلام فی تزویج السیدة زینب علیها السلام من ابن عمها عبدالله بن جعفر رضی الله عنه وتابعه فی ذلک الإمام الحسین  علیه السلام حیث زوج ابنته فاطمة من ابن أخیه الحسن المثنی بن الحسن المجتبی  علیه السلام وزوج ابنته الأخری سکینة __ التی هی محل البحث __ من ابن أخیه عبدالله بن الحسن المجتبی  علیه السلام.

وأنا اقسم قاطعا ان الإمام زین العابدین  علیه السلام لا یخالف سنة جده وأبیه، ولا یمکن ان تقع المخالفة من السیدة الطاهرة الجلیلة المستغرقة فی الله تعالی سیدتنا سکینة بنت الإمام الحسین  علیه السلام.

6. لو تأملنا روایات الأصفهانی لوجدنا امرأة همها لذتها وشهواتها ودنیاها، وهذا خلاف شهادة الإمام المعصوم سید شباب أهل الجنة  علیه السلام لها بأنها مستغرقة فی الله تعالی ولا تصلح لرجل.

7. صور الأصفهانی فی سلیلة الطهر والعفاف وعنوان الوقار والخدر بأنها امرأة ذات شبق جنسی، بل هی محل لذة لمن هب ودب.


1- وسائل الشیعة، ج 20، ص 74.

ص: 141

8. ألغی الأصفهانی دور الإمام زین العابدین  علیه السلام الذی هو حجة الله تعالی علی خلقه وألغی دور بنی هاشم ونسائهم إذ جعل من السیدة سکینة امرأة مستبدة فی قرارها وذات مزاج وقرار غیر متزن بل هی امرأة کثیرة النزوات.

9. افتراء الأصفهانی لا ینسجم مع حزن بنی هاشم ونسائهم علی سیدهم ریحانة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وما أصابه من مصائب جعلت إمامنا زین العابدین  علیه السلام دائم العبرة وکثیر الزفرة وشدید الحسرة وقد روی ان الإمام زین العابدین  علیه السلام بکی علی أبیه أربعین سنة صائماً نهاره قائماً لیله فاذا حضره الافطار جاء غلامه بطعامه وشرابه فیضعه بین یدیه فیقول کل یا مولای فیقول قتل ابن رسول الله جائعاً قتل ابن رسول الله عطشاناً فلا یزال یکرر ذلک ویبکی حتی یبل طعامه من دموعه ثم یمزج شرابه بدموعه فلم یزل کذلک حتی لحق بالله عز وجل(1)، وکیف ینسجم ذلک مع ما علیه سکینة من فرح وأُنس؟.

10. ما قاله الأصفهانی یثیر العجب من امرأة لم تقتدِ بأمها الرباب التی حزنت علی زوجها الإمام الحسین  علیه السلام حتی الممات.

11. عندما طلب من الرباب التزوج بعد الإمام الحسین  علیه السلام ردت بعبرة باکیة کیف تستبدل حمواً برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ وهذا الموقف لا تتجاوزه السیدة سکینة التی تربت فی حجر أمها الرباب.

قال الأستاذ علی دخیل: کیف تعقد سکینة مثل هذا الاجتماع والمدینة بأسرها فی مأتم علی الحسین  علیه السلام؟! فالرباب __ أم سکینة __ یقول عنها ابن کثیر: ولما قُتل کانت معه فوجدت علیه وجداً شدیداً ... وقد خطبها بعده أشراف


1- المجالس السنیة فی مناقب ومصائب العترة النبویة للسید محسن الأمین: ص 287.

ص: 142

قریش، فقالت: ما کنت لأتخذ حمواً بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، والله لا یؤوینی ورجلاً بعد الحسین سقف أبداً، ولم تزل علیه کمدة حتی ماتت، ویقال: إنّها عاشت بعده أیاماً یسیرة(1).

12. أقوال الکتّاب وأصحاب القلم دلیل علی عدم قبول هذه الافتراءات الواهیة کقول الدکتورة بنت الشاطئ:

«ننکر أن تلاقی سیدة مثل الذی لاقت بنت الحسین من فوادح المحن وأرزاء الأیام واللیالی، ثم تستطیع __ بحال ما __ أن تنسی کلّ الذی لقیت، ویصفو لها العیش هنیئا غیر کدر!.

بل إنه لما یشبه المحال عندنا، أن تقوی أنثی، بالغة ما بلغت إرادة الحیاة عندها، أن تنسلخ من ماضیها کله، وما العهد به ببعید، وأن تنحی عنها أطیاف من ملأوه فرحا وترحا، لتبدأ صفحة جدیدة لا ظل فیها من ذلک الماضی، ولا صلة لها بهمومه ومآسیه.

وعلماء النفس قد اطمأنوا إلی أن للنفس البشریة حافظة واعیة تختزن کل ما یمر بها من أحداث، وتحتفظ بها علی تطاول العهد بها وبُعد المدی، وتظل تؤثر فی سلوک المرء مهما تقوی إرادته علی التخلص منها، بل مهما یغلب علی یقینه أن الزمان قد عفی علی آثارها فتاهت فی غیابة النسیان.

وما کان الذی جری لسکینة بنت الحسین بالذی یُنسی، ولا کان الزمن قد تراخی به منذ شهدت المذبحة المروعة فی کربلاء فی مستهل عام 61 ه_»(2).


1- ابصار العین فی أنصار الحسین  علیه السلام: 36.
2- سکینة بنت الحسین، بنت الشاطئ: ص 120.

ص: 143

وکقول الأستاذ عبد المنعم الهاشمی:

«کنّا قد عزفنا علی التوقف عند حد زواج السیدة سکینة بنت الحسینرضی الله عنهامن عبدالله بن الحسن ابن عمها، ومصعب بن الزبیر. وذلک لاضطراب الروایات وتدنی بعضها إلی المستوی الذی نعتقد أنّ السیدة سکینة أرفع من ذلک بکثیر، وإن لم یکن فی هذه الروایات ما یسیء إلیها کبشر، لکن یستغرب علی البیت الهاشمی الخارج لتوه من ابتلاءات بدأت بمقتل الإمام علی رضی الله عنه، وجاءت وفاة الإمام الحسن بن علی التی أثیر حولها شک کبیر فی أن تکون بفعل السّم الذی قدمته له زوجته جعدة، وجاءت بعد ذلک محنة کربلاء وما کان فیها، وقد شهدت السیدة سکینة رضی الله عنهاقدراً کبیراً من أحداث هذه المحن وبکائیاتها، مما یجعل لنا الحق أن نصدر هذه الصفحات بعنوان مرویات الزواج المضطربة(1).

أما بالنسبة لما رواه عن زواجها من إبراهیم بن عبد الرحمن بن عوف لسبب سخیف وتافه بسخافة وتفاهة الأصفهانی فیه العجب والدهشة الکبیرة، فنقول: أوصلت بک یا سلیل الأمویین ویا کذابهم ان تسرد قصة یندی لها جبین کل ذی حیاء؟!. أترضی امرأة لها مسکة عقل ان تفعل هذا الفعل؟ أتلصق تهمة لا تلیق إلا بأولاد الأدعیاء لا أولاد الأنبیاء؟ تباً للدنیا ولکلابها...!.

ولکی یعذرنی القارئ الکریم علی هذه المقدمة ویضم صوته إلی صوتی فأکرر هذه الفریة الشنعاء یقول الأصفهانی: تنفست بنانة جاریة سکینة یوماً، وتنهدت حتی کادت أضلاعها تنشقّ. فقالت لها سکینة: ما لک؟ ویلک فقالت بنانة: أحبّ أن أری فی الدّار جلبة تعنی العرس.


1- سکینة بنت الحسین ، أستاذ عبدالمنعم الهاشمی: ص 51.

ص: 144

فتزوجت السیدة سکینة لرغبة جاریتها فقط وقالت لها وهی مبتسمة: أی بنانة: «أرأیت فی الدار جلبة عرس»؟ فأجابت بنانة قائلة: «أی والله إلا أنها شدیدة».

استغراق خیرة النسوان

قبل التعلیق علی استغراق السیدة سکینة فی الله تعالی لابد من ذکر النص الذی ورد علی لسان العصمة والشهادة، لسان سبط المصطفی وقرة عین المرتضی الإمام الحسین  علیه السلام فیقول الراوی: إن الحسن المثنی بن الحسن بن أمیر المؤمنین  علیه السلام أتی عمه أبا عبدالله الحسین یخطب إحدی ابنتیه فاطمة وسکینة، فقال له أبو عبدالله  علیه السلام اختار لک فاطمة فهی أکثرها شبهاً بأمی فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، أما فی الدین فتقوم اللیل کله وتصوم النهار، وفی الجمال تشبه الحور العین، وأما سکینة فغالب علیها الاستغراق مع الله تعالی فلا تصلح لرجل(1).

هذه الشهادة الواردة من المعصوم  علیه السلام قلادة تزین عنق السیدة الجلیلة سکینة، وتدلنا علی مقامها وسموها، وتبین لنا علاقتها بربها وفنائها فی بارئها، وهذه العبارة الحسینیة العمیقة ترشدنا إلی شخصیة السیدة الطاهرة سکینة فیتضح لنا من خلالها قداسة هذه الفتاة، وحیاؤها وعفتها وعلو أخلاقها وحسن تربیتها ورجاحة عقلها وطهارة باطنها وجمال ظاهرها.

السیدة سکینة مبهورة بجمال خالقها وجلال معشوقها وغارقة فی نوره وکماله، کیف لا وقد وقع هذا الأمر لنساء مصر عندما رأین جمال الصدیق یوسف  علیه السلام وهو بشر مخلوق! فما بالک بجمال خالق یوسف ومصوره  وبارئه؟!. لقد بلغت السیدة سکینة رتبة عظیمة فی مجاهدة النفس وصقل القلب وتخلیة الباطل


1- السیدة سکینة بنت الحسین: عبدالمعنم الهاشمی: ص 54.

ص: 145

وتحلیته وطرد الأغیار وتسلیم الأمر والانقطاع إلی الله تعالی إلی درجة الفناء فی نوره بحیث لا تری سواه ولا تنشغل بعداه.

نظر الإمام الحسین  علیه السلام بنور الإمامة فخرق قلب ابنته وسبر غورها فرأی فیها قد وهبت وجودها لموجدها وألغت کیانها أمام عظمته فوصفها بخیرة النسوان فی یوم الأحزان یوم کربلاء عندما رآها قد وضعت رأسها بین رکبتیها وقد تنحت عن النسوة وهی دامعة ناحبة فقال  علیه السلام:

سیطول بعدی یا سکینة فاعلمی

منک البکاء إذ الحمام دهانی

لا تحرقی قلبی بدمعک حسرة

مادام منی الروح فی جثمان

فإذا قتلت فأنت أولی بالذی

تأتینه یا خیرة النسوان

ونقول بعدما تقدم: ألا یکفیک یا أصفهانی شهادة المعصوم  علیه السلام لابنته بأنها خیرة النسوان؟! وهل یجوز لخیرة النسوان ان تأتی بما افتریته علیها؟!

سکینة فی کربلاء

مصائب کربلاء لا یقوی علیها إلا من سبکته الظروف الصعبة والمحن ولا یتحملها إلا من وصل إلی کماله وعلوه، ولا یصبر علیها إلا من تخلق بأخلاق الأنبیاء علیهم السلام وهذا ما لمسناه فی الإمام الحسین  علیه السلام وأهل بیته وصحبه، وکان ممن صحبهم إلی طفوف کربلاء نسوة وصبیة، ومن جملة هذه النسوة سیدتنا سکینةعلیها السلام التی واجهت هذه المصائب بکل قوة ووقار وبکل نباهة وصبر، فتارة تصف لنا لیلة العاشر من المحرم وأخری تروی لنا بعض أحداث ذلک الیوم الرهیب، وثالثة تعبر عن عاطفتها وحزنها دون ان تخلط ذلک باضطراب وخروج علی تعالیم الشریعة.

ص: 146

سکینة تصف لیلة العاشر

مما ذکره الفاضل الدربندی فی أسرار الشهادات عن السیدة سکینة علیها السلام لجدیر بالوقوف والتأمل والاستنباط إلا أننا لا نرید الخروج عن صلب الموضوع، ألا وهو دور السیدة سکینة فی کربلاء. لقد شارکت السیدة الطاهرة أفراد أهل بیتها فی وصف أحداث الطف ومصائب الغاضریة وأصبحت بذلک مصدراً تاریخیاً صادقاً فلذا نقل صاحب کتاب أسرار الشهادات عن مؤلف کتاب «نور العیون» بإسناده عن سکینة علیها السلام بنت الإمام الحسین  علیه السلام قالت:

إنها کانت لیلة مقمرة، کنتُ جالسة فی الفسطاط، فإذا سمعتُ صوت البکاء من خلف الفسطاط، فسکتُّ خوفاً من اطلاع الأخوات وسائر النسوة، فخرجت وقلبی لا یشهد بالخیر، وکنتُ أمشی وأضرب قدمی علی ذیلی وأسقط وأقوم، فرأیت أبی جالساً وأصحابه حوله، فسمعت أبی یقول لهم:

أنتم جئتم معی لعلمکم بأنّی أذهب إلی جماعة بایعونی قلباً ولساناً، والآن تجدونهم قد استحوذ علیهم الشیطان ونسوا الله، والآن لم یکن لهم مقصد سوی قتلی وقتل من یُجاهد بین یدی، وسبی حریمی بعد سلبهم، وأخاف أن لا تعلموا ذلک، أو تعلموا ولا تتفرقوا للحیاء منی، ویحرم المکر والخدعة عندنا أهل البیت، فکل من یکره نصرتنا فلیذهب فی هذه اللیلة الساترة، ومن نصرنا بنفسه فیکون معنا فی الدرجات العالیة من الجنان، فقد أخبرنی جدی: إن ولدی الحسین یُقتل بطف کربلاء غریباً وحیداً عطشاناً، فمن نصره فقد نصرنی ونصر ولده القائم، ومن نصرنا بلسانه فإنّه فی حزبنا فی القیامة.

ص: 147

قالت سکینة:

والله ما أتمّ کلامه إلاّ وتفرّق القوم من نحو عشرة وعشرین، فلم یبق معه إلاّ ما ینقص عن الثمانین ویزید عن السبعین(1)، فنظرت إلی أبی فوجدته قد نکس رأسه فی حزن وکرب، فلمّا رأیت ذلک خنقتنی العبرة، فرددتها ولزمت السکوت وتوجّهت إلی السماء وقلت: اللهم إنّهم خذلونا فاخذلهم، ولا تجب دعاءهم، ولا تجعل لهم فی الأرض مسکناً، وسلّط علیهم الفقر، ولا تنلهم شفاعة جدّی.

فرجعت إلی الفسطاط وتنهمل دموعی، فنظرت عمتی أم کلثوم إلیّ فقالت: مالک؟ فقصصت القصة لها، فلما سمعت ذلک نادت وا جدّاه، وا علیّاه، وا حسناه، وا حسیناه، وا قلّة ناصراه، ولا أدری کیف لنا المخلص من أیدی الأعادی، ولیت الأعادی یرضون أن یقتلونا بدلاً عن أخی، فاجتمعت النساء من بکائها فبکین.

وسمع أبی بکاءهنّ فخرج من الفسطاط باکیاً، فدخل علی فسطاطهنّ، فقال: ما هذا البکاء؟ فقربت عمتی إلیه وقالت: یا أخی رُدّنا إلی حرم جدّنا، فقال: کیف لی ذلک مع کثرة الأعادی؟ فقالت: أجل، ذکّرهم محل جدّک وأبیک وجدّتک وأخیک، فقال: ذکّرتهم فلم یذکروا، ووعظتهم فلم یتعظوا ولم یسمعوا قولی، ولیس لهم رأی سوی قتلی، ولابدّ أن ترونی علی الثری جدیلاً، ولکن أوصیکم بالصبر والتقوی، وذلک أخبر به جدکم، ولا خلف لوعده، وأسلمکم علی من لو هتک الستر لم یستره أحد، ثم


1- موسوعة کلمات الإمام الحسین  علیه السلام: ص 483.

ص: 148

تباکینا ساعة والإمام  علیه السلام یقول:

((وَمَا ظَلَمُونَا وَلَکِنْ کَانُوا أَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ))(1).(2)

عواطف سکینة
اشارة

عندما نتصفح التاریخ والسیر نری صوراً عاطفیة جیاشة فی ثورة الدم والفداء ولاسیما ما یتعلق بالإمام الحسین  علیه السلام وأهل بیته، ولاسیما نساؤه وبالذات حبیبته وابنته سکینة ومن هذه الصور ما یلی:

الصورة الأولی

الإمام  علیه السلام یمنع ابنته عن البکاء لئلا تؤذی قلبه الشریف فیقول لها بکل حب وحنو ورأفة:

لا تحرقی قلبی بدمعک حسرة

ما دام منی الروح فی جثمانی

فإذا قتلت فأنت أولی بالذی

تأتینه یا خیرة النسوان

تکلم الإمام الرحیم مع ابنته وعزیزته بعاطفة الأبوة ورحمة المربی لما لهذه البنت من منزلة فی قلب أبیها.

الصورة الثانیة

عند سقوط شبیه النبی صلی الله علیه وآله وسلم علی الأکبر قالت السیدة سکینة:

لما سمع أبی صوت ولده وهو یقول: «یا أبه علیک منی السلام» رأیته قد أشرف علی الموت وعیناه تدوران کالمحتضر وجعل ینظر إلی أطراف الخیمة وکادت روحه أن تطلع من جسده وصاح من وسط الخیمة «ولدی قتل الله


1- سورة البقرة، الآیة: 57.
2- إکسیر العبادات فی أسرار الشهادة للدربندی: ج2، 222 __ 223. الإیقاد: 93 __ 94. الدمعة الساکبة: ج4، ص271 __ 272 بتفاوت.

ص: 149

قوماً قتلوک»(1) وفی روایة کان الإمام  علیه السلام یقوم ویقعد عند معرفته بقتل ولده الأکبر  علیه السلام(2).

الصورة الثالثة

حین أراد أن یخرج فجاءت ابنته الصغیرة صائحة حاسرة مع شدة حبّه لها وتعلقت بثوبه قائلة: مهلاً مهلاً توقف حتی اتزود من النظر إلیک، فهذا وداع لا تلاق بعده.

ثم قبلت یدیه ورجلیه، فجلس وأجلسها فی حجره، وبکی بکاءً شدیداً ومسح دموعه بکمّه وجعل یقول:

سیطول بعدی یا سکینة فاعلمی

منک البکاء إذا الحمام دهانی

فهل یتصور قلب لا یغلب علیه فی مثل هذه الحالة، فهذا أحد مواضع بکائه(3).

الصورة الرابعة

أن الإمام الحسین  علیه السلام لما نظر إلی اثنین وسبعین رجلاً من أصحابه وأهل بیته صرعی التفت إلی الخیمة ونادی:

«یا سکینة، یا فاطمة، یا زینب، یا أم کلثوم علیکم منی السلام.

فنادته سکنیة علیها السلام: یا أبة استسلمت للموت؟!.

فقال  علیه السلام : کیف لا یستسلم من لا ناصر له ولا معین.

فقالت علیها السلام: یا أبة ردنا إلی حرم جدنا؟.


1- الشمس الطالعة: ج 2، ص 47.
2- مجمع المصائب: ج 1، ص 184.
3- انظر المناقب 4: 109. المنتخب للطریحی: 450. وتقدم فی هامش ص 66.

ص: 150

فقال  علیه السلام: هیهات لو ترک القطا لنام.

فتصارخن النساء فسکتهن الإمام الحسین  علیه السلام وحمل علی القوم».

قیل: إنه کثر قول النساء: «الوداع الوداع، والفراق الفراق».

فألقت سکینة مقنعتها من رأسها وقالت: «یا أبتی استسلمت للموت، فالی من تکلنا».

فبکی الإمام الحسین  علیه السلام وقال:

«یا نور عینی کیف لا یستسلم للموت من لا ناصر له ولا معین، ورحمة الله ونصرته، لا تفارقکم فی الدنیا والآخرة، فاصبری علی قضاء الله ولا تشتکی فإن الدنیا فانیة، والآخرة باقیة».

الصورة الخامسة
اشارة

قالوا: ولما قُتل علی بن الحسین الأکبر، دخل الحسین خیمة النساء باکیاً حزیناً آیساً من نفسه. ولما رأته ابنته سکینة بهذه الحالة قالت له:

یا أبه، مالی اراک تنعی نفسک وتدیر ظهرک، أین أخی علی؟.

فقال لها الحسین:

قتله اللئام.

فنادت سکنیة:

وآ أخاه، وآ مهجة قلباه.

وأرادت الخروج، فمنعها الحسین، وقال لها:

یا سکینة، اتقی الله، واستعملی الصبر.

فقالت:

ص: 151

یا أبتاه، کیف تصبر من قُتل أخوها، وشُرّد أبوها؟.

فقال الحسین:

إنا لله وإنا إلیه راجعون.

وقفة

عند تأمل هذه الصور الحزینة أقف مندهشاً أمام هذه السیدة الصابرة الوقور، وأری أدباً لا نظیر له بین البنت وأبیها، وأعیش حبها لأبیها وتعلقها به  علیه السلام.

دور السیدة سکینة فی الشام
اشارة

کما کان لعماتها وأخواتها دور فی أحداث الشام فلسکینة علیها السلام بعض المواقف التی تدل علی کمال نفسها ورجاحة عقلها، ولکی نسلط الضوء علی ذلک نورد بعض المواقف التی ذکرت فی کتب التاریخ:

منها: السیدة سکینة تهتم بحرمة العائلة الحسینیة وتحرص علی صیانتها من أنظار الناس، وهی بذلک تظهر تعظیماً لحرم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فلقد جاء فی الروایة: قال سهل: فبینا أنا کذلک إذ أقبلت الرایات یتلو بعضها بعضاً، وإذا بفارس بیده رمح منزوع السنان، علیه رأس من أشبه الناس وجهاً برسول الله، وإذا من ورائه نسوة علی جمال بغیر وطاء، فدنوت من أولاهنّ فقلت لجاریة منهنّ: یا جاریة، من أنت؟.

قالت:

أنا سکینة بنت الحسین  علیه السلام.

فقلت: ألک حاجة، فأنا سهل بن سعد الساعدی، وقد رأیت جدّک وسمعت حدیثه؟

ص: 152

قالت: یا سهل، قل لصاحب الرأس أن یقدّم الرأس أمامنا حتی یشتغل الناس بالنظر إلیه ولا ینظروا إلی حرم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

منها: فی صورة ینفطر لها القلب وتبکی العیون دماً تدافع السیدة سکینةعلیها السلام عن رأس أبیها، وهی بدفاعها هذا تکون قد تحدت الطاغیة فی عقر داره وأثبتت عدوانه علی أهل البیت علیهم السلام فتقول: إننی لم أر أقسی من یزید اللعین، حیث کان یضرب ثنایا والدی أمامنا، ولذا لم أطق تحمّل هذا العمل الشنیع منه وألقیت بنفسی علی الرأس الشریف مخاطبة یزید: ما ذنب هذا الرأس حتی تضربه؟! فتعجّب یزید اللعین من جرأتها وتساءل قائلاً: من أنت؟ فقلت:

أنا سکینة بنت الحسین بن علی بن أبی طالب علیهم السلام(1).

منها: ألقمت سیدتنا سکینة عاتکة بنت الطاغیة یزید حجراً عندما بدأت تتبجح وتفتخر بفعلة أبیها الشنیعة، من خلال بیان مظلومیة أبیها الإمام الحسین علیه السلام، کما إنها ردت علیها بکلام نزل کالصاعقة علی رأس هذه العفنة المتجلببة بالفخر والکبریاء الزائفین ولذا لابد من الوقوف إجلالاً لهذه الشجاعة التی أبدتها سیدتنا سکینة علیها السلام لتکمل الانتصار الذی بدأته عمتها السیدة زینب علیها السلام فی مخاطبتها لیزید الفسق والانحراف فهدت عروشه الواهیة بقولها الذی ورد فی کتاب السیدة رقیة: کان لیزید اللعین ابنة اسمها عاتکة کانت حاضرة فی مجلس أبیها وتساءلت من العلویات فقالت: من منکنّ سکینة؟ فقالت السیدة سکنیة علیها السلام:

أنا ابنة من قتلتموه انتقاماً لکفّار بدر، أف أتهزؤون وتسخرون بنا؟!.


1- راجع أمالی الصدوق: ص 230. بحار الأنوار: ج 45، ص 154. روضة الواعظین: ج 1، ص 191.

ص: 153

فقالت عاتکة: أنا ابنة یزید صاحب الرئاسة والعزة ومقیم الحق، وإذا بالسیدة سکینة تجیبها قائلة:

بمن تفخرین؟  أتفخرین بأبیک قاتل ذریة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم؟! أم بأمک التی مکنت نفسها من غلام. فبأیّهما تفخرین، ألا لعنک الله ولعن أباک.

ولما سمعت ابنة یزید هذه الشجاعة من السیدة سکینة ألقمت حجراً ولم تنبس ببنت شفة(1).

منها: رأت سیدتنا سکینة فی منامها رؤیا ذکرها الفاضل الدربندی عن روایات معتبرة، وذکر صاحب البحار عن ابن نما بفارق مهم ألا وهو أن السیدة سکینة لم تقص رؤیاها علی یزید بل أرادت کتمانها عنه إلاّ انها شاعت بین الناس، فی حین یذکر الدربندی أن السیدة قصت رؤیاها علی یزید، وسواء کان الأمر کما قال ابن نما أو کما ذکر الدربندی لابد لنا من الاطلاع علی الرؤیا والتأمل فی مضمونها لنستنبط منها ما ینفعنا فی حیاتنا الدنیا وآخرتنا، روی الدربندی : أن سکینة بنت الحسین قالت:

یا یزید رأیت البارحة رؤیا إن سمعتها منی قصصت علیک.

فقال یزید (لعنه الله): هاتی ما رأیت. قالت:

بینما أنا ساهرة وقد کللت من البکاء بعد أن صلیت ودعوت الله بدعوات، فلما رقدت عینی رأیت أبواب السماء قد تفتحت، وإذا أنا بنور ساطع من السماء إلی الأرض، وإذا بوصائف من وصائف أهل الجنة، وإذا أنا بروضة خضراء فی تلک الروضة


1- راجع: إکسیر العبادات فی أسرار الشهادات: ج 3، ص 425.

ص: 154

قصر، وإذا أنا بخمس مشائخ یدخلون إلی ذلک القصر، عندهم وصیف فقلت: یا وصیف أخبرنی لمن هذا القصر؟ فقال: هذا لأبیک الحسین أعطاه الله تعالی ثواباً لصبره فقلت: ومن هذه المشائخ؟.

فقال: أما الأول فآدم أبو البشر وأما الثانی فنوح وأما الثالث فإبراهیم خلیل الرحمن، وأما الرابع فموسی کلیم الله فقلت له: ومن الخامس الذی أراه قابضا علی لحیته باکیاً حزیناً من بینهم؟ فقال لی: یا سکینة أما تعرفینه؟ فقلت: لا، فقال: هذا جدک رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، فقلت له: إلی أین یریدون؟ فقال: إلی أبیک الحسین فقلت: والله لألحقن جدی وأخبرنه بما جری علینا فسبقنی ولم ألحقه.

فبینما أنا متفکرة، وإذا بجدی علی بن أبی طالب وبیده سیف وهو واقف فنادیته: «یا جداه، قتل والله ابنک من بعدک» فبکی وضمنی إلی صدره وقال: یا بنیة، صبراً وبالله المستعان، ثم أنه مضی ولم أعلم إلی أین، فبقیت متعجبة کیف لم أعلم به، فبینما أنا کذلک إذا بباب قد فتح من السماء، وإذا بالملائکة یصعدون وینزلون علی رأس أبی».

قال: فلما سمع یزید (لعنه الله) ذلک لطم علی وجهه فبکی وقال: ما لی ولقتل الحسین(1).

وفی روایة أخری: أن سکینة قالت:

ثم أقبل علیّ رجل دری اللون قمری الوجه حزین القلب، فقلت


1- بحار الأنوار: ج 45، ص 194، العوالم: ج 17، ص 420.

ص: 155

للوصیف: فمن هذا؟ فقال: جدک رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، فدنوت منه وقلت له: «یا جداه قتلت والله رجالنا، وسفکت والله دماؤنا، وهتکت والله حریمنا، وحملنا علی الاقتاب من غیر وطاء، نساق إلی یزید (لعنه الله)»، فأخذنی إلیه وضمنی إلی صدره، ثم أقبل إلی آدم ونوح وإبراهیم وموسی وعیسی، ثم قال لهم: أما ترون إلی ما صنعت أمتی بولدی من بعدی؟ ثم قال الوصیف: یا سکینة اخفضی صوتک فقد أبکیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

ثم أخذ الوصیف بیدی فأدخلنی القصر فإذا بخمس نسوة، قد عظم الله تعالی خلقهن وزاد فی نورهن، وبینهن امرأة عظیمة ناشرة شعرها، وعلیها ثیاب سود، وبیدها قمیص مضمخ بالدم، وإذا قامت یقمن معها، وإذا جلست یجلسن معها.

فقلت للوصیف: من هؤلاء النسوة اللاتی قد عظم الله خلقهن؟ فقال: یا سکینة، هذه حواء ام البشر، وهذه مریم بنت عمران، وهذه خدیجة بنت خویلد، وهذه هاجر، وهذه سارة، وهذه التی بیدها القمیص المضمخ بالدم وإذا قامت یقمن معها وإذا جلست یجلسن معها، هی جدتک فاطمة الزهراء.

فدنوت منها وقلت لها:

«یا جدتاه، والله قتل أبی، وأیتمت علی صغر سنی».

فضمتنی إلی صدرها وبکت بکاءً شدیداً وبکین النسوة کلهن، وقلن لها: یا فاطمة یحکم الله بینک وبین یزید (لعنه الله) یوم الفصل.

ص: 156

ثم أن یزید (لعنه الله) ترکها ولم یعبأ بقولها(1).

وقفة

هذه الرؤیا الصادقة التی رأتها السیدة الطاهرة المستغرقة فی الله تعالی سیدتنا سکینة نستنبط منها أموراً:

1 . ان السیدة علیها السلام نامت وهی علی طهارة متوجّهة إلی الله تعالی داعیة باکیة، فرأت هذه الرؤیا الصادقة، کأنما السیدة سکینة علیها السلام تشیر إلی شروط الرؤیا الصادقة.

2 . أرادت سیدتنا قص هذه الرؤیا لتکون حجة علی مظلومیة أهل البیتعلیهم السلام وتأکیداً لشرعیة النهضة الحسینیة فی وجه الانحراف من خلال سرد أحداث الرؤیا المتضمنة حضور الأنبیاء وأهل البیت علیهم السلام إلی مکان قتل الإمام علیه السلام.

3 . فی مضامین الرؤیا کثیر من العبر والحکم کوجوب التحلی بالصبر إزاء البلاء الإلهی لینال الصابر مقام الصابرین، وفیها أیضاً ان قتل العترة الطاهرة هو قتل للشریعة وتعدٍّ علی الأنبیاء والرسل جمیعا.

4 . ان فی قوله  علیه السلام المذکور سابقاً ردعاً لما سیقع من الظالمین وحکام الجور علی عترة المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم علی مدی الدهور.

5 . فی المقطع الذی یقول:

«ثم أخذ الوصیف بیدی فأدخلنی القصر فإذا بخمس نسوة، قد عظم الله تعالی خلقهن وزاد فی نورهن، وبینهن امرأة عظیمة ناشرة شعرها، وعلیها ثیاب سود، وبیدها قمیص مضمخ بالدم،


1- البحار: ج 45، ص 195. والعوالم: ج 17، ص 421.

ص: 157

وإذا قامت یقمن معها، وإذا جلست یجلسن معها.

فقلت للوصیف: من هؤلاء النسوة اللاتی قد عظم الله خلقهن؟ فقال: یا سکینة، هذه حواء ام البشر، وهذه مریم بنت عمران، وهذه خدیجة بنت خویلد، وهذه هاجر، وهذه سارة، وهذه التی بیدها القمیص المضمخ بالدم وإذا قامت یقمن معها وإذا جلست یجلسن معها، هی جدتک فاطمة الزهراء.

فدنوت منها وقلت لها: «یا جدتاه، والله قتل أبی، وأیتمت علی صغر سنی».

فضمتنی إلی صدرها وبکت بکاءً شدیداً وبکین النسوة کلهن، وقلن لها: یا فاطمة یحکم الله بینک وبین یزید (لعنه الله) یوم الفصل.

ثم أن یزید (لعنه الله) ترکها ولم یعبأ بقولها».

یظهر منه ان السیدة فاطمة الزهراء علیها السلام أفضل من هذه النسوة بما فیها السیدة خدیجة أمها والسیدة مریم بنت عمران التی اصطفاه الله تعالی وفضلها علی نساء عالمها.

6 . ان روایة هذه الرؤیا لیزید لکی یرتدع ویمتنع عن اهانة أهل البیت علیهم السلام بما فی ذلک رأس سید الشهداء  علیه السلام، ولکی تدخل الأذی علیه کما أدخل هو الأذی علی العائلة الحسینیة.

ملحقات

مما یلحق ببحثنا عن السیدة سکینة علیها السلام أمور لابد من تسلیط الأضواء علیها وهی کما یلی:

ألف . زواج السیدة سکینة علیها السلام من ابن عمها عبدالله بن الحسن  علیه السلام ولیس

ص: 158

من القاسم کما یردده بعض قراء التعزیة. ویؤیّد زواجها من عبدالله بن الحسن، ما ذهب إلیه أکثر مؤرخی الفریقین وجعلوه من المسلّمات الثابتة، ومن هؤلاء:

1 . أبو علی الطبرسی فی «إعلام الوری»(1).

2 . أبو الحسن العمری فی کتاب «المجدی فی أنساب الطالبیین»(2).

3 . السید محسن الأمین العاملی فی «أعیان الشیعة»(3).

4 . الشیخ عباس القمی فی «منتهی الآمال»(4).

5 . السید عبدالرزاق المقرم فی «سکینة بنت الحسین  علیه السلام» وفی «مقتل الحسین  علیه السلام»(5).

6 . الشیخ محمد الصبان فی «إسعاف الراغبین»(6).

7 . أبو الفرج الأصفهانی فی «الأغانی»(7).

8 . المدائنی فی «المترادفات»(8).

هذا هو اتفاق أهل النسب والتاریخ، من أنّ زواج السیدة آمنة بنت


1- إعلام الوری: 127.
2- المجدی فی أنساب الطالبیین: 19 فی باب أولاد الحسن بن علی  علیهما السلام، وعنه مقتل الحسین  علیه السلام للسید عبدالرزاق المقرم: 264.
3- أعیان الشیعة: 5/343.
4- منتهی الآمال: 1/683 کما حکاه عن بعض مشجرات الأنساب.
5- سکینة بنت الحسین: 110، ومقتل الحسین  علیه السلام: 264.
6- إسعاف الراغبین علی هامش نور الأبصار: 202.
7- الأغانی: 16/ 158 و160 و 162.
8- المترادفات: 64.

ص: 159

الحسین علیه السلام هو «عبدالله بن الحسن» الأکبر الملقّب «بأبی بکر» وهو الذی استشهد فی واقعة الطف، أمّه رملة، وهی أم القاسم بن الحسن  علیه السلام.

ب . ان اسم السیدة سکینة هو «آمنة بنت الحسین» ولکنها لقبت من قبل أمها الرباب بسکینة لهدوئها وسکینتها  فی طبعها غلب علیها، حتی کانت «السکینة» صفة لها وهذا ما أثبته ارباب السیر والتاریخ علی اختلاف فی اسمها بین آمنة وأمیمة، واتفقوا أن «سکینة» لقب وصفة لها اشتهرت بها، وممن ذهب إلی ذلک:

1 . ابن عساکر فی «تاریخ مدینة دمشق».

قال: أخبرنا الحسین بن الفراء وأبو غالب وأبو عبدالله ابنا البنّاء قالوا: انا أبو جعفر، أنا أبو طاهر، أنا احمد بن سلیمان، أنا الزبیر (ابن أخ مصعب بن الزبیر) قال فی تسمیة ولد الحسین:

وسکینة، واسمها آمنة، وإنما سکینة لقب لقّبتها أمها الرباب بنت امرئ القیس. وتزوج سکینة بنت الحسین عبدالله بن حسن بن علی، أمّه بنت الشّلیل بن عبدالله البجلی... فقُتل مع عمه الحسین بالطف قبل أن یبنی بها...(1).

2 . ابن تغری بدری فی «النجوم الزاهرة فی ملوک مصر والقاهرة».

قال: واسمها آمنة وأمها الرباب(2).

3 . ابن الجوزی فی «المنتظم فی تاریخ الملوک والأمم».

قال: سکینة بنت الحسین واسمها آمنة، وقیل: أمیمة، وسکینة لقب عُرفت به(3).


1- تاریخ دمشق، قسم تراجم النساء: 156، طبع دمشق، تحقیق سکینة الشهابی.
2- النجوم الزاهرة فی ملوک مصر والقاهرة: 1 / 276.
3- المنتظم: 7 / 175 حوادث سنة 117 ه_.

ص: 160

4 . سبط ابن الجوزی فی «تذکرة الخواص».

اسمها آمنة، وقیل: أمیمة(1).

5 . ابن الندیم فی «الفهرست».

کما نقله عن محمد بن السائب الکلبی النسّابة، قال محمد بن السائب الکلبی:

سألنی عبدالله بن حسن [بن حسن] عن اسم سکینة بنت الحسین  علیه السلام فقلت: أمیمة، فقال: أصبت.

ج . کان عمرها علیها السلام عند وفاتها خمساً وسبعین سنة(2).

فاطمة الصغری

اشارة

هی البنت الثانیة لإمامنا الحسین  علیه السلام التی شارکت الرکب الحسینی فی رحلته وآلامه ومصائبه وأحزانه وکان لها دور فی بعض مواقع الرحلة سنتعرض لبیانها ان شاء الله تعالی.

تشترک السیدة فاطمة الصغری مع أختها سکینة فی جدها وجدتها وأبیها وعمها وعماتها وأخوتها وأخواتها إلا انها تفترق عنها فی کنیتها فکانت تکنی بأم عبدالله وتلقب بالصغری أو النبویة، وکان زوجها الحسن المثنی ابن الإمام الحسن المجتبی  علیه السلام الذی ولدت له عبدالله المحض وإبراهیم والحسن المثلث وزینب، وتوفیت سنة 117 ه_ عن عمر تجاوز السبعین سنة، وتعد فاطمة الصغری من راویات الحدیث عن أهل البیت علیهم السلام.


1- تذکرة الخواص: 249.
2- أعلام النساء: ص 322.

ص: 161

عبادة فاطمة الصغری

دون ان نحتاج إلی سرد حالات السیدة فاطمة العبادیة نقطع باتصافها بصفة العابدة المنقطعة إلی الله تعالی لمجرد کونها ممن تربی فی حجر الطهر والعصمة وممن ارتشف من رحیق الصون والعفاف، وممن نهل من ینبوع الحکمة والعلم، ومما یؤکد قولنا هذا هو انتماؤها إلی بیوت إذن الله تعالی ان ترفع ویذکر فیها اسمه، فهی من أهل البیت الذین یصلون فی الیوم ألف رکعة، ففاطمة فرع من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الذی أشفق علیه ربه فخاطبه:

 ((طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَیْکَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَی)).

فلذا قال فی حقها أبوها الإمام المعصوم  علیه السلام عندما تعرض الحسن المثنی لخطبة إحدی بنات عمه الإمام الحسین  علیه السلام فقال له: «اختار لک فاطمة فهی أکثرها شبها بأمی فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، أما فی الدین فتقوم اللیل کله وتصوم النهار، وفی الجمال تشبه الحور العین، وأما سکینة فغالب علیها الاستغراق مع الله تعالی فلا تصلح لرجل»(1).

ونقل المؤرخون عنها انها کانت تسبّح بخیوطٍ معقود فیها(2).

وکانت عفیفة زاهدة متوجهة إلی ربها ولاسیما بعد وفاة زوجها حیث انها ضربت فسطاطاً علی قبره وأخذت تقوم اللیل وتصوم النهار(3).

فاطمة فی کربلاء

شارکت السیدة فاطمة عماتها وأخواتها رحلتهم من مدینة جدها


1- اسعاف الراغبین للصبان بهامش نور الأبصار: ص 202.
2- أعلام النساء: ص 365. الطبقات الکبری: 8/474. السمط الثمین: ص 168.
3- أعلام النساء: ص 365، نفثة المصدور: ص 39.

ص: 162

المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم إلی مکة ثم إلی العراق وهی تسمع وتری کل ما یدمی القلب ویهیج الزفرات ویذرف الدموع، إلی أن وصل الأمر إلی فقدان إخوتها وبنی عمها ولاسیما زوجها وابن عمها الحسن بن الحسن  علیه السلام، واستمرت المصائب تتری علی سیدتنا فاطمة شأنها شأن نساء بنی هاشم، وکان أشد المواقف مأساویة وألماً هو وداعها لأبیها وعزیزها وإمامها الإمام الحسین  علیه السلام، عندما حان اللقاء مع الحبیب الحقیقی عزم الإمام  علیه السلام علی اللقاء وتحرک بخطوات المحب إلی خیامه ونادی:

یا سکینة، ویا فاطمة، ویا زینب، ویا أم کلثوم علیکن منی السلام، فهذا آخر الاجتماع وقد قرب منکن الافتجاع.

فعلت أصواتهن بالبکاء وصحن:

الوداع! الوداع! الفراق الفراق.

ثم إن الإمام الحسین  علیه السلام دعاهن بأجمعهن. وقال لهن:

«استعدوا للبلاء!، واعلموا أن الله حافظکم وحامیکم وسینجیکم من شر الأعداء، ویجعل عاقبة أمرکم إلی خیر، ویعذّب أعادیکم بأنواع البلایا، ویعوضکم عن هذه البلیة بأنواع النعم والکرامة. فلا تشکوا ولا تقولوا بألسنتکم ما ینقص قدرکم».

ثم أمرهن الإمام بلبس أزرهن، ومقانعهن، فسألته أخته زینب عن ذلک، فقال:

«کأنی أراکم عن قریب، کالإماء والعبید، یسوقونکم أمام الرّکاب، ویسومونکم سوء العذاب»(1).

وها هی سیدتنا فاطمة کانت الاسم الثانی الذی ناداه الإمام  علیه السلام حیث انها کریمته وفلذة کبده التی لا تقل تعلقا بأبیها عن الأخریات، ولا تختلف مسؤولیتها


1- الشمس الطالعة: ج 2، ص 70 __ 71.

ص: 163

عن غیرها من النساء فلذلک توجه الإمام  علیه السلام بوداعه وإرشاده وتصبیره لها مع عماتها وأخواتها ونساء الأسرة الحسینیة.

فاطمة المرعوبة
اشارة

تصف لنا سیدتنا فاطمة قصتها التی مُلِئَت خوفاً وحیرةً منها علیها السلام وتجاوزاً وجرأة وقساوة من الأجلاف الذین هجموا علی حرم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فلقد نقل العلامة المجلسی رحمه الله قائلاً: «رأیت فی بعض الکتب أنّ فاطمة الصغری قالت:

کنت واقفة بباب الخیمة، وأنا أنظر إلی أبی وأصحابه مجزّرین کالأضاحی علی الرمال، والخیول علی أجسادهم تجول، وأنا أفکّر فیما یقع علینا بعد أبی من بنی أمیة أیقتلوننا أو یأسروننا؟ فإذا برجل علی ظهر جواده یسوق النساء بکعب رمحه، وهنّ یلذن بعضهن ببعض وقد أخذ ما علیهن من أخمرة وأسورة، وهن یصحن: واجدّاه، وا أبتاه، واعلیاه، واقلّة ناصراه، واحسناه! أما من مجیر یجیرنا؟ أما من ذائد یذود عنّا؟.

قالت:

فطار فؤادی وارتعدت فرائصی، فجعلت أجیل بطرفی یمیناً وشمالاً علی عمّتی أم کلثوم خشیة منه أن یأتینی، فبینا أنا علی هذه الحالة وإذا به قد قصدنی ففررت منهزمة، وأنا أظنّ أنی أسلم منه، وإذا به قد تبعنی فذهلت خشیة منه، وإذا بکعب الرمح بین کتفیّ فسقطت علی وجهی، فخرم أذنی واخذ قرطی ومقنعتی، وترک الدماء تسیل علی خدی، ورأسی تصهره الشمس، وولّی راجعاً إلی الخیم، وأنا مغشیّ علیّ، وإذا أنا بعمتی عندی تبکی وهی تقول: قومی نمضی! ما أعلم ما جری علی

ص: 164

البنات وأخیک العلیل؟ فقمت وقلت: یا عمتاه هل من خرقة أستر بها رأسی عن أعین النظّار؟ فقالت: یا بنتاه وعمتک مثلک! فرأیت رأسها مکشوفاً وقد أسود من الضرب، فما رجعنا إلی الخیمة إلاّ وهی قد نُهبت وما فیها، وأخی علی بن الحسین مکبوب علی وجهه لا یطیق الجلوس من کثرة الجوع والعطش والأسقام، فجعلنا نبکی علیه ویبکی علینا»(1).

وقفة

أقف مندهشاً أمام هذه الصورة وأنا أری غلظة وقساوة هؤلاء الأجلاف، ولا أستطیع ان استوعب الرعب الذی کان یحیط بهذه الفتاة المخدرة المؤمنة، ولذا رأیت ان اسرد ما شعرت به:

1 . شاء الله تعالی ان تشترک فی قتل الإمام  علیه السلام والتعدی علی حریمه وحوش بشریة لیس لدیها من عمل صالح یخفف عنها فی قیامتها بل ستکون وقوداً لنار جهنم ومصداقاً للآیة الکریمة:

((یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَکُمْ وَأَهْلِیکُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ...)).

وهذا یعنی انسجام بل اتحاد الذات مع الصفة، فذات کهذه لا تقوم إلا بفعل کهذا فعل، وفعل کهذا لا یقع إلا من هذه الذات.

2 . وقوع سلب المقنعة ثقیل وموجع علی حیاء فتاة مخدرة طاهرة من بیت معصوم، إذ ان هذه القصة تذکرنی بما مر علی نساء محجبات مؤمنات عفیفات کن معی فی مدیریات أمن النظام البائد حیث کانوا یمارسون معهن کل أنواع التعدی والانتهاک.


1- البحار: 45 / 60 __ 61.

ص: 165

3 . عفة السیدة فاطمة وحجابها وحشمتها کان همها الأول دون الاهتمام بألم خرم الاذن أو الم السیاط أو قیمة ما سلب منها.

4 . ان البلاء الذی أصاب حریم الرکب الحسینی بلاء لرفع الدرجات ونیل الرتب العالیات.

5 . فی ندبتهن لآبائهن الطاهرین نکتة علمیة ألا وهی ان النادبات یعتقدن تمام الاعتقاد بحیاة المندوبین وقدرتهم علی إجابة الإغاثة وهذا هو عین العقیدة الحقة.

6 . عندما تنقل لنا راویة أحداث الطف السیدة فاطمة علیها السلام ان رجلاً واحداً علی ظهر جواده یسوق النساء بکعب رمحه وهن یلذن ببعضهن لا یعنی ان هذا الرجل شجاع فارس بل هو فاقد لکل صفات الرجولة والفروسیة، ولا یعنی أیضاً ان النساء العلویات یتصفن بالجبن والخنوع بل یعنی:

أولاً: ان ترکیبة جسد المرأة ورقتها وعدم خشونتها لا یکفی فی مجابهة الرجل وهذا ما یجب ان تتصف به الأنثی الکاملة.

وثانیاً: ان الجهاد ساقط عن المرأة ولیس علیها إلا الحفاظ علی عفتها وخدرها وحیائها فلذا کانت سیدتنا زینب الکبری علیها السلام هذه اللبوة الحرة تدفع السیاط بید وتستر وجهها بالید الأخری.

بکاء لا ینفع صاحبه

روی الشیخ الصدوق رحمه الله بسند عن عبد الله بن الحسن  علیهما السلام، عن أمه فاطمة بنت الحسین  علیه السلام قالت:

«دخلت الغاغة علینا الفسطاط وأنا جاریة صغیرة، وفی رجلی خلخالان من ذهب، فجعل رجلٌ یفضّ الخلخالین من رجلی وهو یبکی! فقلت: ما یبکیک یا عدو الله؟! فقال: کیف لا أبکی

ص: 166

وأنا أسلب ابنة رسول الله!. فقلت: لا تسلبنی. قال: أخاف أن یجیء غیری فیأخذه».

لا أستطیع تفسیر بکاء هذا الرجل إلا کبکاء التمساح الذی یبکی علی فریسته وهو غیر قاصد لذلک ولا یشعر بالرقة اتجاهها بل یلتذ بابتلاعها ومضغها، فالبکاء النافع هو ما کان خشیة من الله تعالی أو رقة للغیر وما قالته السیدة فاطمة علیها السلام عن بکاء الرجل السالب مع عدم امتناعه عن السلب دلیل علی عدم نفع البکاء لصاحبه، أو یمکن تفسیره بأنه مریض نفسیاً تتملکه الازدواجیة التی تجعل من یتصف بها متغیراً من حال إلی آخر وهذا ما یؤکده علماء النفس بقولهم «ونکتشف الازدواجیة بسهولة عندما تکون المشاعر المقصودة عابرة ومتغیرة»(1) ما کان بکاؤه إلا انفعالاً مع الصورة المأساویة.

ویری الشیخ التستری قدس سره ان بکاء هؤلاء القساة الأجلاف «ناشئ من الرقة الموجودة فی الفطرة، من غیر اختیار مع التفات الباکین إلی انه رقة علی المبکی علیهم مع الغفلة عن بغضهم، وهناک بکاء أیضاً ناشئ من الفطرة ولکن مع الالتفات إلی بغض المبکی علیه... الخ»(2).

 ویمکن الاستفهام من الشیخ قدس سره کیف نفسر أن صاحب القلب القاسی الذی وصل إلی أشد قساوة من الحجارة بل أضل سبیلاً أن یکون فی قلبه شیء من الرقة؟ وهل ان هذه الرقة کمال أو نقص فإن قلت بأنها کمال یلزم ان یکون فی هذه الشخصیة الوحشیة الممسوخة شیء من الکمال والإیجاب فیتفرع علی هذا القول ان صاحب هذا الکمال وهذه الرقة یستحق فی قبال البکاء شیئاً من الأجر، وان


1- کتاب فن التحلیل النفسی، رالف غرینسون.
2- الخصائص الحسینیة: ص 176.

ص: 167

قلت بأنها نقص یلزم من ذلک اتصاف فطرته بالنقص وهذا لا ینسجم مع الفطرة السلیمة. ومما یؤکد قولنا هو دعاء السیدة زینب علیها السلام علی سالب الخلخال الذی کان فی رجلی السیدة فاطمة بنت الإمام  علیه السلام کما نقل الأسفرایینی(1): «قالت زینب أخت الحسین کنّا ذلک الوقت جلوساً فی الخیام إذ دخل علینا رجال فیهم رجل أزرق العیون فأخذ کل ما کان فی خیمتنا التی کنّا مجتمعین فیها، ثم نظر إلی علی بن الحسین وهو مطروح علی قطعة من الأدیم، فجذبها من تحته ورماه علی الأرض، ثم أخذ قناعی من رأسی، ونظر إلی قرط فی أذنی فعالجه وقرضه بأسنانه، فخرم أذنی ونزعه وجعل الدم یسیل علی ثیابی، وهو مع ذلک یبکی! ثم نظر إلی خلخال کان فی رجلی فاطمة الصغری فجعل یعالجها حتی کسرهما وخرج الخلخال منهما، فقالت له: أتسلبنا وأنت تبکی!؟ فقال: أبکی لما حلّ بکم أهل البیت!.

قالت زینب: فخنقتنی العبرة من وجع أذنی وبکاء فاطمة، فقلت له: قطع الله یدیک ورجلیک وأذاقک الله النار فی الدنیا قبل الآخرة.

فقال: والله لا جاوزت دعوتها ثم قطع یدیه ورجلیه وأحرقه بالنار وذهب».

فیفهم من دعائها علیه انه مسخ قاسٍ لا رقة فی قلبه یستحق علیها شیئاً من الأجر أو حتی دعاء لهدایته.

ومما یؤکد ذلک أیضاً قول السیدة فاطمة بنت الإمام  علیه السلام مخاطبة أهل الکوفة:

«قست والله قلوبکم، وغلظت أکبادکم، وطبع علی أفئدتکم وختم علی أسماعکم وأبصارکم وسوّل الشیطان وأملی لکم وجعل علی بصرکم غشاوة فأنتم لا تهتدون».


1- فی کتاب نور العین فی مشهد الحسین  علیه السلام ص 45.

ص: 168

السیدة فاطمة تجلد أهل الکوفة
اشارة

بعد ان جلجل صوت عقیلة بنی هاشم علیها السلام فی الکوفة لیقرع المسامع العفنة ویوبخها، تلاه صوت عزیزة الإمام الحسین  علیه السلام وابنته فاطمة یجلد رؤوسهم ویصک اسماعهم بخطبة مُلئت بلاغة وفصاحة وأدباً وإرشاداً. کما ورد ذلک عن السید ابن طاووس رحمه الله: «وروی زید بن موسی قال: حدثنی أبی، عن جدّی علیهما السلام قال: خطبت فاطمة الصغری بعد أن وردت من کربلاء، فقالت:

الحمد لله عدد الرمل والحصی، وزنة العرش إلی الثری، أحمده وأؤمن به، وأتوکل علیه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له، وأنّ محمداً عبده ورسوله صلی الله علیه وآله وسلم، وأنّ أولاده ذبحوا بشطّ الفرات بغیر ذُحل ولا ترات!.

اللهم إنّی أعوذ بک أن أفتری علیک الکذب، أو أن أقول علیک خلاف ما أنزلت علیه من أخذ العهود لوصیّه علی بن أبی طالب علیه السلام، المسلوب حقّه، المقتول من غیر ذنب کما قتل ولده بالأمس، فی بیت من بیوت الله فی معشر مسلمة بألسنتهم! تعساً لرؤوسهم ما دفعت عنه ضیماً فی حیاته ولا عند مماته، حتی قبضته إلیک محمود النقیبة، طیّب العریکة، معروف المناقب مشهور المذاهب، لم تأخذه فی الله لومة لائم ولا عذل عاذل، هدیته اللهم للإسلام صغیراً، وحمدت مناقبه کبیراً، ولم یزل ناصحاً لک ولرسولک صلی الله علیه وآله وسلم حتی قبضته إلیک زاهداً فی الدنیا غیر حریص علیها، راغباً فی الآخرة، مجاهداً لک فی سبیلک رضیته فاخترته فهدیته إلی صراط مستقیم.

أمّا بعد یا أهل الکوفة، یا أهل المکر والغدر والخیلاء! فإنّا أهل

ص: 169

بیت ابتلانا الله بکم، وابتلاکم بنا، فجعل بلاءنا حسناً، وجعل علمه عندنا وفهمه لدینا، فنحن عیبة علمه، ووعاء فهمه وحکمته، وحجّته علی الأرض فی بلاده لعباده، أکرمنا الله بکرامته، وفضّلنا بنبیّه محمد صلی الله علیه وآله وسلم علی کثیر ممّن خلق تفضیلاً بیّناً، فکذّبتمونا وکفرتمونا! ورأیتم قتالنا حلالاً! وأموالنا نهباً! کأنّنا أولاد ترک وکابل! کما قتلتم جدّنا بالأمس، وسیوفکم تقطر من دمائنا أهل البیت لحقد متقدّم! قرّت لذلک عیونکم وفرحت قلوبکم، افتراءً علی الله ومکراً مکرتم، والله خیر الماکرین. فلا تدعونّکم أنفسکم إلی الجذل بما أصبتم من دمائنا ونالت أیدیکم من أموالنا، فإنّ ما أصابنا من المصائب الجلیلة والرزایا العظیمة.

((فِی کِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِکَ عَلَی اللَّهِ یَسِیرٌ (22) لِکَیْ لَا تَأْسَوْا عَلَی مَا فَاتَکُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاکُمْ وَاللَّهُ لَا یُحِبُّ کُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ))(1).

تبّاً لکم! فانتظروا اللعنة والعذاب، فکأن قد حلّ بکم وتواترت من السماء نقمات، فیسحتکم بعذاب ویُذیق بعضکم بأس بعض، ثم تخلدون فی العذاب الألیم یوم القیامة بما ظلمتمونا، ألا لعنة الله علی الظالمین.

ویلکم! أتدرون أیّة یدٍ طاعنتنا منکم!؟ وأیّة نفس نزعت إلی قتالنا؟! أم بأیّ رجل مشیتم إلینا تبغون محاربتنا!؟.

قست والله قلوبکم، وغلظت أکبادکم، وطبع علی أفئدتکم، وخُتم علی أسماعکم وأبصارکم، وسوّل لکم الشیطان وأملی لکم، وجُعل


1- سورة الحدید، الآیتان: 22 ___ 23.

ص: 170

علی بصرکم غشاوة فأنتم لا تهتدون!.

فتبّاً لکم یا أهل الکوفة! أی ترات لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قبلکم، وذحول له لدیکم بما عندتم بأخیه علی بن أبی طالب  علیه السلام جدی وبنیه وعترة النبی الأخیار صلوات الله وسلامه علیهم!؟ وافتخر بذلک مفتخرکم. فقال:

نحن قتلنا علیاً وبنی علی

بسیوف هندیة ورماح

وسبینا نساءهم سبی ترک

ونطحناهمُ فأیُّ نطاح

بفیک أیها القائل الکثکث والأثلب! افتخرت بقتل قوم زکّاهم الله وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهیراً! فاکظم واقع کما أقعی أبوک فإنّما لکل امرئ ما اکتسب وما قدّمت یداه، أحسدتمونا ___ ویلاً لکم ___ علی ما فضّلنا الله؟!.

فما ذنبنا إن جاش دهراً بحورنا

وبحرک ساجٍ لا یواری الدعامصا

ذلک فضل الله یؤتیه من یشاء، والله ذو الفضل العظیم، ومن لم یجعل الله له نوراً فماله من نور.

قال: وارتفعت الأصوات بالبکاء! وقالوا: حسبک یا ابنة الطیبین! فقد أحرقت قلوبنا، وانضجت نحورنا، وأضرمت أجوافنا، فسکتت»(1).

وقفة

لا أرید ان أتعرض لشرح هذه الخطبة الشریفة لما فی ذلک خروج عن غایة الکتاب إلا اننی أقف علی بعض المقاطع لاستخلص منها بعض الرؤی:


1- اللهوف: 194. وانظر: الاحتجاج : 2 / 104. ومثیر الأحزان: 87. وتسلیة المجالس: 2 / 355 __ 359 والبحار: 45 / 110.

ص: 171

1 . قدمت الحمد لتبتدئ به خطبتها کقاعدة سار علیها أهل البیت علیهم السلام وعمل بها المؤمنون إذ بدونها لا یکون الکلام إلا أبتر، ثم ذکرت الشهادتین لتؤکد لأهل الکوفة جریمتهم حیث أنهم قتلوا قوماً مسلمین.

2 . وفی قولها «وأن ولده ذبحوا بشط الفرات ... الخ» إشارة إلی أن هؤلاء القتلی لیسوا مسلمین فحسب بل هم سادة المسلمین إذ إنهم ابناء رسول الإسلام صلی الله علیه وآله وسلم.

3 . وفی مقطع آخر تعرضت لبیان مظلومیة سید الأوصیاء أمیر المؤمنین  علیه السلام وصفاته وعلاقته بالله تعالی لتؤکد لهم ان قتل الإمام الحسین  علیه السلام لیست هی الجریمة الأولی التی قام بها أهل الکوفة بل هی جریمة تابعة لجریمة سابقة ألا وهی قتل سید الأوصیاء فی مسجد الکوفة.

4 . أشارت السیدة فاطمة علیها السلام إلی ان ما حدث فی کربلاء هو ابتلاء إلهی ذو عاقبة حسنة لأهل البیت علیهم السلام وابتلاء ذو عاقبة سیئة لأهل الکوفة للفرق الکبیر بین أهل بیت طهرهم الله تعالی تطهیرا وبین قوم صم بکم عمی فهم لا یفقهون.

5 . صرحت السیدة فاطمة علیها السلام سبب وقوع أهل الکوفة فی الباطل وانحرافهم عن الحق وخروجهم من الهدی إلی الضلال، ومن النور إلی الظلمات بقولها:

((وَمَنْ لَمْ یَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ)).

السیدة فاطمة فی الشام

ذکر المؤرخون اسم فاطمة علیها السلام فی موقفین یعز علی القارئ ان یطّلع علیهما وهما:

ص: 172

1 . عندما أدخلوا السبایا علی یزید: قال ابن نما «قالت فاطمة بنت الحسین: یا یزید بنات رسول الله سبایا؟ فبکی الناس وبکی أهل داره حتی علت الأصوات...».

2 . لما جلست النسوة المسبیات فی مجلس الطاغیة قالت السیدة فاطمة علیها السلام «قام إلیه رجل من أهل الشام أحمر، فقال: یا أمیر هب لی هذه الجاریة یعنینی وکنت جاریة وضیئة فأرعدت وظننت أن ذلک جائز لهم فأخذت بثیاب عمتی زینب وکانت تعلم ان ذلک لا یکون».

وعند تأملنا لهذین الموقفین نری إصرار أهل البیت علیهم السلام علی ابراز هویة السبایا وإلقاء الحجة وتعریف الناس بذلک وإلقاء اللائمة علی یزید وأتباعه.

السیدة رقیة بنت الإمام الحسین  علیه السلام

اشارة

رغم ان المؤرخین لم یتعرضوا لذکر السیدة رقیة کونها من بنات الإمام الحسین  علیه السلام واختلفوا فی ذلک، فمنهم من قال أن للإمام  علیه السلام بنتین فقط ومنهم من ذکر أن له ثلاثاً ومنهم من قال أنهن أربع بما فیهن السیدة رقیة، وأنا أمیل إلی الروایة التی تذکر السیدة رقیة لأن أکثر الروایات التاریخیة تذکر ان للإمام  علیه السلام طفلة ماتت فی الشام علی رأس أبیها الإمام الحسین  علیه السلام وسواء کانت الروایات تؤکد وجودها أم لا، فأری من المناسب ذکر هذه الطفلة التی لا شک فی وجودها سواء کان اسمها رقیة أو اسم آخر.

نبذة عن سیدتنا رقیة

رقیة من الأسماء التی أخذت من الارتقاء أی الصعود والترقی، ولم تنفرد السیدة رقیة بهذا الاسم بل سبقها غیرها فی ذلک، «فلقد جاء فی التاریخ أن اسم

ص: 173

إحدی بنات هاشم __ جد الرسول __ کان رقیة وهی عمة والد النبی صلی الله علیه وآله وسلم وکان اسم ربیبة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من زوجته خدیجة هو رقیة وللإمام الحسن المجتبی  علیه السلام بنت اسمها رقیة»(1).

وذکر صاحب کتاب «معالی السبطین» العلامة الحائری: ومنهن رقیة الکبری وکانت عند مسلم بن عقیل فولدت منه عبدالله بن مسلم ومحمد بن مسلم اللذین قتلا یوم الطف مع الحسین  علیه السلام وعاتکة ولها من العمر سبع سنین التی سحقت یوم الطف بعد شهادة الحسین لما هجم القوم علی المخیم للسلب علی ما رواه الشیخ حسن بن سلیمان الشویکی فی مقتله(2).

«قال: کتب محمد بن طلحة الشافعی وغیره من علماء الشیعة والسنة أن للإمام الحسین  علیه السلام ستة أولاد وأربع بنات، وأسماء هذه البنات: سکینة __ فاطمة الصغری __ فاطمة الکبری __ رقیة علیها السلام وکان عمر السیدة خمس سنوات وقد توفیت فی الشام وأمها شاه زنان فتکون بذلک أخت الإمام السجاد  علیه السلام».

إلا أن هناک روایة تقول ان عمرها ثلاث سنوات وأمها هی أم إسحاق التی هی أم السیدة فاطمة بنت الإمام الحسین  علیه السلام ولعل هذه أقوی من سابقتها ولاسیما إذا استندنا إلی روایة موت السیدة شاه زنان عند ولادة الإمام السجاد  علیه السلام(3).

صور عاطفیة من حیاة رقیة علیها السلام
اشارة

انما انقل هذه الصورة مقتبسة من المصادر لأطلع القارئ الکریم علی علاقة السیدة رقیة بأبیها الحسین  علیه السلام ولأربط قلوب الموالین بأهل البیت علیهم السلام عاطفیاً.


1- السیدة رقیة، ربانی خلخالی: ص 151.
2- معالی السبطین: ج2، ص 214.
3- أسرار الشهادات: ج 3، ص 137.

ص: 174

الصورة الأولی

ینقل الشیخ الخلخالی فیقول: نقل البعض عن کتاب «سرور المؤمنین» فقال: إنّ السیدة رقیة علیها السلام کانت کل یوم فی أوقات الصلاة تفرش سجّادة سید الشهداء  علیه السلام لیصلّی علیها.

وفی یوم عاشوراء لمّا حان وقت صلاة الظهر جاءت وفرشت السجادة وجلست تنتظر والدها لیأتی ویصلّی، وفیما هی علی ذلک الحال إذا بشمر اللعین یدخل الخیمة فتساءلت منه السیدة رقیة وقالت: ألم تر والدی؟ فلم یجبها اللعین إلاّ أنه أمر غلاماً له أن یأتی ویضربها فامتنع الغلام فجاء اللعین بنفسه ولطمها علی وجهها لطمة علم الله ماذا صنعت هذه اللطمة بأهل السماء(1).

الصورة الثانیة

ینقل الشیخ الخلخالی فیقول: إن السیدة زینب علیها السلام فی لیلة الحادی عشر من محرم جمعت العیال فی خیمة قد احترق نصفها، وبقیت تحرس النساء والأطفال طیلة تلک اللیلة وبینما هی کذلک أخذتها غفوة فرأت والدتها الصدیقة الزهراءعلیها السلام وقالت لها: أماه أما تدرین بما جری علینا؟.

فأجابتها الصدیقة الزهراء علیها السلام: لا تحرقی قلبی بعتابک یا بنیة، قالت العقیلة زینب: إذن لمن أشکو شجونی؟.

فتأوّهت الصدیقة الزهراء علیها السلام وقالت: لقد کنت حاضرة عندما حزّ اللعین رأس ولدی وفصل رأسه عن بدنه، ثم إنها علیها السلام قالت: والآن ابحثی عن عزیزة الحسین رقیة علیها السلام فلم تجبها، فخرجت مع السیدة أمّ کلثوم تبکیان یبحثن عنها، وبینما هما کذلک إذا بصوت السیدة رقیة علیها السلام بین القتلی.


1- السیدة رقیة للخلخالی: ص 159.

ص: 175

فتوجّهنا نحو القتلی وإذا بالسیدة رقیة علیها السلام قد ألقت بنفسها علی جسد أبیها وهی تشکو إلیه ما جری علیهم.

فهدّأتها السیدة زینب علیها السلام ورفعتها عن جسد والدها.

ولم تمض لحظات إذا بالسیدة سکینة تأتی فرجعوا معاً، وفی أثناء الطریق التفتت السیدة سکینة إلی السیدة رقیة علیها السلام وقالت: کیف وجدت جسد أبی؟ فأجابتها السیدة رقیة: بینما کنت أصیح فی البیداء أبتاه... أبتاه... إذا بصوت والدی یتهادی إلی سمعی قائلاً: بنیة إلیّ إلیّ...(1).

الصورة الثالثة

ینقل الشیخ الخلخالی فیقول: نقل فی بعض الأخبار: أن السیدة سکینة علیها السلام قالت لإحدی أخواتها __ ویحتمل أن تکون هی السیدة رقیة __ یوم عاشوراء:

هلمّی نأخذ برداء والدی ونحول بینه وبین الذهاب إلی المیدان.

وعندما سمع سید الشهداء  علیه السلام صوتهنّ بکی کثیراً، وإذا بالسیدة رقیة تنادیه قائلة:

أبتاه! لن أحول دون ذهابک إلی المیدان ولکن قف لی هنیئة لأراک وأتزوّد منک.

فأخذها سید الشهداء  علیه السلام فی حضنه وجعل یقبّلها ویصبّرها وإذا بها تقول له:

أبتاه، العطش العطش، فإنّ الظمأ قد آلمنی.

فأشار علیها الإمام الحسین  علیه السلام أن تدخل الخیمة لیذهب إلی المیدان ویطلب لها ماءً وما أن أراد سید الشهداء  علیه السلام الذهاب إلی المیدان إذا بالسیدة رقیة علیها السلام تأخذ بأذیاله من جدید وهی تقول:


1- السیدة رقیة للخلخالی: ص 159.

ص: 176

أبتاه أین تمضی عنّا؟.

فأخذها الإمام الحسین  علیه السلام فی حضنه ثانیة وطیّب خاطرها وهدّأ من روعها ثم ودّعها بقلب حزین(1).

الصورة الرابعة

ینقل الشیخ الخلخالی فیقول: علی الرغم أنّ کلّ وقائع وداع سید الشهداء علیه السلام مع أهل بیته علیهم السلام مؤلمة ومحزنة إلاّ أنّ الوداع الأخیر وهو وداعه مع عزیزة قلبه الصغیرة السیدة رقیة علیها السلام أکثر حزناً وأشدّ إیلاماً علی قلوب المؤمنین.

فمن کلام لهلال بن نافع الذی کان فی جیش عمر بن سعد قال فیه: کنت واقفاً خلف صفوف العسکر فرأیت الإمام یتقدّم نحو المیدان بعد أن ودّع عیاله وأهل بیته، وفی ذلک الأثناء شاهدت طفلة خرجت من الخیمة ورجلها ترجفان فأخذت تعدو خلف الإمام الحسین  علیه السلام حتی وصلت إلیه وتشبّثت بأذیاله وهی تقول: أبتاه أنظر إلیّ فإنّی عطشانة.

وما أن سمع سید الشهداء  علیه السلام هذه الکلمات المشجیة من عزیزة قلبه رقیةعلیها السلام إذا به ینقلب حاله ویجهش بالبکاء فخاطبها بدموع جاریة وقال:

الله یسقیک فإنّه وکیلی علیکم.

یقول هلال بن نافع: سألت من هذه الطفلة؟ وما هی علاقتها بالإمام الحسین  علیه السلام؟.

فقالوا لی: إنّها السیدة رقیة صغیرة الإمام الحسین  علیه السلام(2).


1- وقائع عاشوراء للسید محمد تقی مقرم: ص 455. حضرة رقیة للشیخ علی الفلسفی: ص550.
2- حضرة رقیة للشیخ علی الفلسفی: ص 550.

ص: 177

الصورة الخامسة

ینقل الشیخ الخلخالی فیقول: ونقل ابن الجوزی فی کتابه «مفاتیح الغیب» أنّ صالح بن عبدالله قال: عندما أحرقوا الخیام وفرّ أهل البیت علیهم السلام فی کلّ مکان رأیت طفلة قد أخذت النیران بأطرافها وهی تبکی وتفرّ من الأعداء فرقّ قلبی لها ودنوت منها لأخمد النیران، ولما سمعت صهیل فرسی اشتدّ خوفها وارتاعت أکثر فقلت لها: لا بأس علیک بنیّة لا تخافی إنّما هی النیران قد علقت بأطرافک وأردت أن أخمدها.

وبینما کنت أطفئ النیران فی أذیالها التفتت إلیّ وقالت:

یا شیخ أنا عطشانة، فهل إلی شربة من الماء سبیل؟.

فرقّ قلبی لها وناولتها قدحاً من الماء. فأخذت القدح وجعلت تتمعّن وتحقّق النظر فیه وهی تتحسّر، ثم أنّها ترکتنی وجدّت فی السیر، فتساءلت منها وقلت: إلی أین تریدین؟ فقالت:

إنّ أختی الصغیرة هی أشدّ منّی عطشاً.

فقلت لها: لا تخافی، فلن یمنعوکم من الماء بعد الیوم، وریثما أخبرتها بذلک التفتت إلیّ والحزن والألم بادیان علی وجهها وقالت:

أسألک یا شیخ، لقد کان والدی عطشاناً حینما ذهب إلی المیدان، فهل سقوه ماءً؟.

فقلت لها: بنیّة والله لقد سمعته إلی اللحظات الأخیرة وهو ینادی:

اسقونی شربة من الماء.

فلم یسقه أحد حتی قضی عطشاناً. فانتحبت لعطش والدها عن شرب الماء.

ص: 178

وقد نقل بعض الفضلاء أنّ هذه الطفلة کانت السیدة رقیة علیها السلام (1).

شهادة السیدة رقیة

أسوق هذه الروایة التی من خلالها نطلع علی مقام هذه الصغیرة التی خاطبت رأس أبیها بخطبة تزخر بالمعرفة والعاطفة والعبارات الحزینة والمفردات الثمینة وکأنها بنت تجاوزت مرحلة البلوغ.

وروی هذا الخبر فی بعض التألیفات بوجه أبسط فی المنتخب للطریحی، وفی الإیقاد للسید الجلیل ثقة الإسلام السید محمد علی الشاه عبد العظیم قدس سره ما ملخصه: إنه کانت للحسین  علیه السلام بنت صغیرة یحبها، وتحبه، وقیل: کانت تسمی رقیة، وکان لها ثلاث سنین وکانت مع الأسرة فی الشام، وکانت تبکی لفراق أبیها لیلها ونهارها، وکانوا یقولون لها: هو فی السفر، فرأته لیلة فی النوم، فلما انتبهت جزعت جزعاً شدیداً وقالت ایتونی بوالدی، قرة عینی، وکلما أراد أهل البیت إسکاتها ازدادت حزنا وبکاء، ولبکائها هاج حزن أهل البیت، فأخذوا فی البکاء ولطموا الخدود، وحثوا علی رؤوسهم التراب ونشروا الشعور وقام الصیاح، فسمع یزید صیحتهم، وبکاءهم، فقال: ما الخبر؟ قیل له: إن بنت الحسین الصغیرة رأت أباها بنومها فانتبهت وهی تطلبه وتبکی وتصیح، فلما سمع یزید ذلک قال: ارفعوا إلیها رأس ابیها وحطوه بین یدیها تتسلی، فأتوا بالرأس فی طبق مغطی بمندیل ووضعوه بین یدیها، فقالت:

ما هذا؟ إنی طلبت أبی، ولم أطلب الطعام.

فقالوا: إن هنا أباک فرفعت المندیل، ورأت رأسا، فقالت:


1- مفتاح الغیب: 158.

ص: 179

ما هذا الرأس؟

قالوا: رأس أبیک، فرفعت الرأس، وضمته إلی صدرها، وهی تقول:

یا أبتاه من ذا الذی خضبک بدمائک؟ یا أبتاه من ذا الذی قطع وریدک؟ یا أبتاه من ذا الذی أیتمنی علی صغر سنی؟ یا أبتاه من للیتیمة حتی تکبر؟ یا أبتاه من للنساء الحاسرات؟ یا أبتاه من للأرامل المسبیات... .

یا أبتاه من للعیون الباکیات؟ یا أبتاه من للضایعات الغریبات؟ یا أبتاه من للشعور المنشورات؟ یا أبتاه من بعدک واخیبتاه من بعدک، واغربتاه، یا أبتاه لیتنی لک الفداء، یا أبتاه لیتنی هذا الیوم عمیاء، یا أبتاه لیتنی توسدت التراب ولا أری شیبک مخضبا بالدماء.

ثم وضعت فمها علی فم الشهید المظلوم، وبکت حتی غشی علیها، فلما حرکوها فإذا هی قد فارقت روحها الدنیا، فارتفعت أصوات أهل البیت بالبکاء، وتجدد الحزن والعزاء، ومن سمع من أهل الشام بکاءهم بکی، فلم یر فی ذلک الیوم إلا باک أو باکیة فأمر یزید بغسلها وکفنها ودفنها(1).

خاتمة حزینة

ورد فی بعض الأخبار أنّ المغسّلة عندما کانت تغسّل جسد السیدة رقیةعلیها السلام، ترکت التغسیل فجأة وتساءلت قائلة: من هو کبیر هؤلاء الأسری؟.

فأجابتها السیدة زینب وقالت:

ماذا تریدین؟.


1- معالی السبطین: ص 585.

ص: 180

قالت المغسلة: ماذا کان مرض هذه الطفلة حتّی أصبح جسدها هکذا؟. فأجابتها العقیلة علیها السلام:

إنّ الطفلة لم تکن مریضة إنّها آثار السیاط، وطعنات کعب الرماح.

وفی بعض الروایات أنّ یزید اللعین أمر ان یأخذوا مصباحاً وصاجة من الخشب لیغسلوا السیدة رقیة علیها السلام علیها ویکفّنوها فی ثوبها القدیم الذی کان علیها.

وفی نفس الوقت خرجت نساء الشام وهنّ لابسات السواد وقد ازدحمن من کلّ حدب وصوب یردن مشایعة أهل البیت علیهم السلام بعد أن علت أصواتهنّ بالنحیب والبکاء والصیاح.

آنذاک استفادت العقیلة زینب علیها السلام من هذه الفرصة الذهبیة فأخرجت رأسها من المحمل وخاطبت أهل الشام قائلة:

یا أهل الشام، لقد أودعناکم فی هذه الخرابة أمانة، فالله الله فیها، یا أهل الشام تعاهدوا قبرها بالزیارة، فهی غریبة لا أحد لها فی هذه الدیار __ ولا تنسوا أن تریقوا الماء وتشعلوا المصابیح عند مرقدها الشریف(1).

المرأة الزوجة

إذا کانت العلاقة بین الزوج وزوجته مبنیة علی الخلق الرفیع والعشرة بالمعروف والاحترام المتبادل ونکران الذات والتفانی المستمر انتجت بیتاً سعیداً وأسرة مستقرة تسودها المودة والرحمة، وهذا بدوره یتطلب زوجاً واعیاً خلوقاً وذا دین، وزوجة لا تختلف عن زوجها فی صفاته، وکلما ارتقت الشخصیة فی سلم


1- السیدة رقیة، الخلخالی: ص 170.

ص: 181

الکمال انعکست علی من یحیط بها ویعاشرها فتغدق المحبة والمداراة والحنو والرحمة والکلام الجمیل والفعل الحسن، وهکذا هی الأسرة الحسینیة التی تتکون من زوج معصوم طاهر حجة وإمام بل هو قرآن ناطق وزوجات عفیفات محبات موالیات ربیبات بیوت عالیة. تمثل الأسرة الحسینیة الأسرة النموذجیة التی یحتذی بها فی کل مفردة من مفردات حیاتها ویُقتدی بها فی کل خطوة من خطواتها فی طریق الحیاة الزوجیة.

وقبل ان نسلط الضوء علی هذه الأسرة الإلهیة لابد أن نسأل عن أسباب سعادة وسمو وجمال ووفاء ومحبة وتفانی هذه الأسرة؟ فلا تکون الإجابة إلا ان تخلق أفرادها بالخلق الإلهی امتثالاً لقول الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم:

«تخلقوا بأخلاق الله»

هو السبب فی کمال هذه الأسرة.

فیتضح مما تقدم من أراد سعادة أسریة واستقراراً حیاتیاً واطمئناناً قلبیاً لیس علیه إلا أن یتخلق بأخلاق الله سبحانه وتعالی.

زوجات الإمام الحسین  علیه السلام

اشارة

قبل الحدیث عن خُلق زوجات الإمام  علیه السلام ووفائهن وعشرتهن لابد من الاطلاع علی هویاتهن لنقف من خلال ذلک علی دقة الاختیار وحسن الارتباط.

أ . الرباب: بنت أمرئ القیس بن عدی بن أوس وامها هند الهنود بنت الربیع بن مسعود... الخ.

ب . لیلی: بنت أبی مرّة عروة بن مسعود الثقفی وهو من سادة العرب والمسلمین.

ص: 182

أمها : میمونة بنت أبی سفیان بن حرب.

ج . أم إسحاق بنت طلحة بن عبید الله.

د . عاتکة بنت زید بن عمرو.

ه_ . شهربانویه بنت یزدجرد ملک الفرس.

و . أم جعفر القضاعیة.

نرکز فی بحثنا علی زوجة من زوجات الإمام  علیه السلام وهی السیدة رباب لسعة المعلومات عن هذه الشخصیة وبروزها فی أحداث کربلاء، وسنلحق ببحثنا نبذة عن زوجاته الأخریات.

ولکی لا یقع البعض فی الالتباس نلفت نظر القارئ الکریم إلی ان هذه النساء لم یکن مجتمعات معاً فی حیاة الإمام  علیه السلام.

الرباب

اشارة

ذکر أرباب التاریخ والتراجم السیدة الرباب بکل إجلال واحترام لما لها من الصفات والأخلاق العالیة کما ورد عن هشام بن الکلبی «کانت الرباب من خیار النساء وأفضلهن» وکما قال عنها السید الأمین فی الأعیان نقلاً عن نسمة السحر: کانت الرباب من خیار النساء جمالاً وأدباً وعقلاً، أسلم أبوها فی خلافة عمر، وکان نصرانیاً من عرب الشام، فولاه عمر علی قومه من قضاعة، وما أمسی حتی خطب إلیه علی بن أبی طالب ابنته الرباب إلی ابنه الحسین فزوّجه إیاها(1).

وکان الإمام الحسین  علیه السلام یکنّ حباً کبیراً لزوجته الرباب لسمو أخلاقها


1- أعیان الشیعة: 6/449.

ص: 183

وعلو مکانتها، فلقد روی ان الإمام الحسین  علیه السلام قال فیها وفی ابنته منها سکینة شعراً:

لعمرک أنّنی لاُحبّ داراً

تحل بها سکینة والرباب

أحبهما وأب_ذل جُلّ مالی

ولیس للائمی فیها عتاب

ولس_ت ل_هم وإن عت_بوا مطیعاً

حی_اتی أو یع_لینی الت_راب

ونقل عن تاج العروس قول الإمام  علیه السلام فی الرباب فقال:

أحب لحبها زیداً جمیعاً

ونثلة کلّها وبنی الرباب

وأخوالاً لها من آل لام

أحبهم وطرّ بنی جناب

الرباب والرأس الشریف

لا یستطیع قلمی وصف العلاقة بین سید الشهداء  علیه السلام وزوجته الفاضلة السیدة الرباب، فلقد کان الإمام  علیه السلام زوجاً محباً حنوناً رحیما وکانت السیدة الرباب وفیة مطیعة مضحیة مُلئت حباً وعشقاً للإمام  علیه السلام فلذا یذکر السید المقرّم صورة تؤکد قولنا فیها: «ودعا بهم ابن زیاد مرّة أخری، فلما أدخلوا علیه رأین النسوة رأس الحسین بین یدیه والأنوار الإلهیة تتصاعد من أساریره إلی عنان السماء، فلم تتمالک الرباب زوجة الحسین دون أن وقعت علیه تقبّله، وقالت:

إنّ الذی کان نوراً یُستضاء به

بکربلاء قتیلٌ غیر مدفون

سبط النبی جزاک الله صالحة

عنّا وجُنّبت خسران الموازین

قد کنت لی جبلاً صعباً ألوذ به

وکنت تصحبنا بالرحم والدین

من للیتامی ومن للسائلین ومن

یُعنی ویأوی إلیه کل مسکین

والله لا أبتغی صهراً بصهرکم

حتّی أغیّب بین الماء والطین

ص: 184

وقیل إنّ الرباب بنت امرئ القیس زوجة الحسین أخذت الرأس ووضعته فی حجرها وقبّلته وقالت:

واحسیناً فلا نسیتُ حسیناً

أقصدته أسنّة الأعداء

غادروه بکربلاء صریعاً

لا سقی الله جانبی کربلاء

وفاء الحبیبة
اشارة

حزنت سیدتنا الرباب علی زوجها الإمام  علیه السلام حزناً لا مثیل له، وبکت عیونها فقدان عیون الحبیب، وواست زوجها ریحانة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم عندما رفضت ان تستظل بسقف بعد ان رأت جسده تصهره الشمس وتغطیه الرمال، فلذا نقل عن ابن الأثیر انه قال: «وکان مع الحسین امرأته الرباب بنت امرئ القیس، وهی أم ابنته سکینة، وحُملت إلی الشام فیمن حمل من أهله، ثم عادت إلی المدینة، فخطبها الأشراف من قریش، فقالت: ما کنت لأتّخذ حمواً بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، وبقیت بعده سنة لم یظلّها سقف بیت حتی بلیت وماتت کمداً»(1).

وقفة

أقف إجلالاً أمام عقل هذه السیدة وفهمها وعلمها ولاسیما عند قولها: «ما کنت لأتخذ حمواً بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم» لما فی ذلک من ذکاء ومعرفة حیث انها تعلم ان مفارقة زوجها الإمام  علیه السلام علی مستوی الدنیا لا یعنی الانقطاع عنه فی الآخرة فلذا من الحیاء ان تستبدل به غیره، کما انها تعلم ان جمیع بیوتات المسلمین لا ترقی إلی بیت النبوة مهما کان غناها أو جاهها أو زعامتها أو شرفها، وتعلم أیضاً أنّ حماها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فخر تفتخر به الکائنات فکیف تفرط بهذا الفخر؟ فهنیئاً لها هذه الرابطة.


1- الکامل فی التاریخ: 4/ 88.

ص: 185

حزن الرباب

یحق لسیدتنا أم عبدالله الرضیع ان تحزن وینفطر قلبها علی زوجها، ویلیق بها ان تبکیه بدل الدموع دما، کما یحق لها ان تموت کمدا لفراقه لأن الحسین  علیه السلام الحبیب والمحبوب لله ولرسوله ولملائکته وللمؤمنین فلذا نقل لنا ابن کثیر فقال:

«ولما قتل (الحسین  علیه السلام) بکربلاء کانت (رباب) معه، فوجدت علیه وجداً شدیداً... وقد خطبها بعده خلق کثیر من أشراف قریش.

فقالت:

ما کنت لأتّخذ حمواً بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، ووالله لا یؤوینی ورجلاً بعد الحسین سقف أبداً، ولم تزل علیه کمدة حتی ماتت. ویقال إنّها عاشت بعده أیاماً یسیرة، فالله أعلم»(1).

لیلی الثقفیة

هی زوجة سبط النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم وأم الشهید علی الأکبر الذی استشهد بین یدی إمامه ووالده الإمام الحسین  علیه السلام، فهی امرأة کبیرة المنزلة، عالیة المقام، رفیعة الشرف اغترفت من أهلها خلقاً وأدباً ومحبة لأهل البیت علیهم السلام، فلقد تربّت هذه السیدة فی حجر زعیم من زعماء العرب، وسید من سادة قومه، وأول من استجاب لدعوة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من أهل الطائف فأسلم وأحسن إسلامه ثم قتل أثر ذلک فکانت هذه المصیبة الأولی التی منیت بها السیدة لیلی ثم صدمت بالمصیبة الثانیة ألا وهی قتل زوجها سید الشهداء  علیه السلام وسبط الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وفلذة کبدها وولدها سیدنا علی الأکبر ابن الإمام الحسین  علیه السلام.


1- البدایة والنهایة: 8 / 212.

ص: 186

عاتکة بنت زید

لم أطلع فی التاریخ علی معلومة ترتبط بالسیدة عاتکة بنت زید زوجة الإمام الحسین  علیه السلام الا ما ذکره صاحب کتاب الرکب الحسینی عن تاریخ الفرمانی اذ یقول: إنّه بلغ من وفاء أزواج الإمام الحسین  علیه السلام أنّ زوجته السیدة عاتکة بنت زید بن عمرو بن نفیل کانت تنوح علیه، وقد رثته بذوب روحها قائلة:

واحسیناً فلا نسیتُ حسینا

أقْصَدَتْه أسِنّةُ الأعداء

غادروه بکربلاء صریعاً

لا سَقی الغیثُ بعده کربلاء

هذا، ولکن نُسبت هذه الأبیات __ مع تفاوتٍ یسیر __ إلی رباب زوجة الإمام الحسین، وأنّها رثت بها الحسین  علیه السلام فی الشام بعدما أخذت رأسه وقبّلته ووضعته فی حجرها وقالتها(1).

السیدة شاه زنان (شهر بانویه)

اشارة

ذکر العلامة المجلسی فی بحاره شیئاً عن هذه السیدة الجلیلة التی ولدت خلیفة الإمام الحسین  علیه السلام وحجة الله علی خلقه بعد أبیه فقال: لما ورد بسبی الفرس إلی المدینة أراد عمر أن یبیع النساء وأن یجعل الرجال عبید العرب، وعزم علی أن یحملوا العلیل والضعیف، والشیخ الکبیر فی الطواف وحول البیت علی ظهورهم، فقال أمیر المؤمنین  علیه السلام، إنّ النبی صلی الله علیه وآله وسلم قال:

 أکرموا کریم قوم، وإن خالفوکم، وهؤلاء الفرس حکماء کرماء، فقد ألقوا إلینا السلام ورغبوا فی الإسلام، وقد أعتقت منهم لوجه الله حقی وحق بنی هاشم.

فقالت: المهاجرون والأنصار قد وهبنا حقّنا لک یا أخا رسول الله!. فقال:


1- الرکب الحسینی: ج 6، ص 412 __ 413.

ص: 187

اللهم فاشهد أنّهم قد وهبوا وقبلت وأعتقت.

فقال عمر: سبق إلیها علی بن أبی طالب  علیه السلام ونقض عزمتی فی الأعاجم. ورغب جماعة فی بنات الملوک أن یستنکحوهن، فقال أمیر المؤمنین:

تخیرهنّ ولا تکرههن.

فأشار أکبرهم إلی تخییر شهر بانویه بنت یزد جرد، فحجبت وأبت فقیل لها: أیا کریمة قومها من تختارین من خُطّابک؟ وهل أنت راضیة بالبعل؟ فسکتت فقال أمیر المؤمنین:

قد رضیت وبقی الاختیار بعد، سکوتها إقرارها، فأعادوا القول فی التخییر.

فقالت: لست ممن یعدل عن النور الساطع، والشهاب اللامع الحسین إن کنت مخیّرة، فقال أمیر المؤمنین:

لمن تختارین أن یکون ولیک؟.

فقالت: أنت، فأمر أمیر المؤمنین حذیفة بن الیمان أن یخطب فخطب وزوّجت من الحسین.

وروی الکلینی فی الکافی عن الحسن بن الحسین  علیه السلام وعلی بن محمد بن عبدالله، جمیعاً عن إبراهیم بن إسحاق الأحمر، عن عبدالرحمان بن عبدالله الخزاعی، عن نصر بن مزاحم، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبی جعفر  علیه السلام قال:

«لما أقدمت بنت یزدجرد علی عمر، أشرف لها عذاری المدینة، وأشرق المسجد بضوئها لمّا دخلته، فلمّا نظر إلیها عمر غطّت وجهها وقالت: أف بیروج بادا هُرمز.

فقال عمر: أتشتمنی هذه، وهمّ بها.

ص: 188

فقال له أمیر المؤمنین  علیه السلام: لیس ذلک لک، خیّرها رجلاً من المسلمین وأحسبها بفیئه.

فخیّرها، فجاءت حتی وضعت یدها علی رأس الحسین  علیه السلام.

فقال لها أمیر المؤمنین  علیه السلام: ما اسمک؟

فقالت: جهان شاه.

فقال أمیر المؤمنین  علیه السلام: بل شهربانویه، ثم قال للحسین  علیه السلام: یا أبا عبدالله لیلدنّ لک منها خیر أهل الأرض، فولدت علی بن الحسین  علیه السلام».

وروی عن القطب الراوندی انها قدمت إلی المدینة فی خلافة عمر واختارها الإمام الحسین  علیه السلام، وذکر کلام أمیر المؤمنین  علیه السلام إلی أن قال: ثم التفت إلی الحسین  علیه السلام فقال له:

«احتفظ بها وأحسن إلیها فستلد لک خیر أهل الأرض فی زمانه بعدک».

وهی أم الأوصیاء الذریة الطیبة، فولدت علی بن الحسین زین العابدین علیهما السلام، ویروی أنّها ماتت فی نفاسها به(1).

وأما وفاتها فکانت عند نفاسها بسید الساجدین ولدها علی بن الحسین  علیه السلام لما ذکره أعلاه.

وقفة

ارتأیت ان أقف أمام روایة زواج الإمام الحسین  علیه السلام بالسیدة الجلیلة شاه زنان أو شهر بانویه فاستخلص منها ما یلی:


1- الخرائج والجرائج، 196، وعنه فی بحار الأنوار: 46/ 10، حدیث 21.

ص: 189

1 . ان هذه المرأة التی نشأت فی بیوت الملوک وترعرعت فی بیئة بعیدة عن الدین والتقوی، صانها الله سبحانه من کل دنس لعلمه انها ستکون أماً لسید الساجدین ورابع الأئمة الطاهرین علیهم السلام فأصبحت رحماً مطهراً یحمل وصیاً من صلب طاهر.

2 . ان الإمام أمیر المؤمنین  علیه السلام حرص علی العمل بنهج رسول الله فی تعامله مع کرام القوم الذین یقعون فی اسر المسلمین، وان دل هذا علی شیء فإنما یدل علی احترام  أبناء الأسر العزیزة وإکرامهم لئلا یصابوا بصدمة الإذلال ولاسیما انهم قضوا عمرهم فی عز واحترام،وهذا یشیر إلی الذوق الرفیع والإنسانیة العالیة التی یتصف بها الإسلام الحنیف.

3 . ان التصرف فی زواج المرأة لابد أن یراعی فیه اختیار المرأة ورضاها وحفاظاً علی کرامتها وشخصیتها وحقها الشرعی والإنسانی.

المرأة الموالیة

اشارة

من عرف أهل البیت علیهم السلام وعرف مقامهم ورتبتهم عند ربهم سبحانه لابد أن یوالیهم لحاجته الماسة لذلک، ومن قرأ شخصیة سبط النبی صلی الله علیه وآله وسلم وریحانته لابد أن یحبه فضلا عما صدر فی آیة المودة وآیة التطهیر فالإمام الحسین  علیه السلام خلق وورع وتقوی وسخاء وعزة وقیم وشیم وشجاعة وصبر وصفات کاملة تجسدت فی رجل، بل هو قرآن ناطق وإسلام حنیف.

وممن والی أهل البیت علیهم السلام نساء مؤمنات أحببن أئمتهن ودافعن عنهم بکل وسائل الدفاع المتاحة للمرأة وواسین نسائهم بأنفسهن وأولادهن فنلن بذلک شرفاً عظیما فی الدنیا ومنزلة رفیعة فی الآخرة ولکی تقتدی بهن نساء المسلمین لابد من الوقوف علی مشارکتهن ودورهن فی واقعة کربلاء، وسیکون هذا حسب الحروف الأبجدیة.

ص: 190

الأسدیة

اشارة

هی زوجة علی بن مظاهر الأسدی من المؤمنات الموالیات لأهل البیت علیهم السلام التی منّ الله تعالی علیها بشرف محبة الرکب الحسینی والتزود من معاشرة عقیلة بنی هاشم وأخواتها وبنات أخیها، فشارکت بحسها ومشاعرها ودموعها وعقلها وجسمها بنات الرسالة فی أحداث کربلاء وما بعدها من أحداث السبی والسفر البعید والسیاط المؤلمة والجوع والعطش والاشتهار فی شوارع الکوفة والشام الذی هو أشد المصائب علی مخدرات الرسالة والمؤمنات اللواتی معهن، ولکی نقف علی عظمة هذه المرأة الموالیة التی ملئت حباً وتضحیة لأهل البیت علیهم السلام والتی تلبست بثوب الصابرین فنالت مقامهم الرفیع، فصارت لنساء المؤمنین قدوة وأسوة فی الموالاة والمودة لأهل بیت العصمة علیهم السلام لابد أن نطلع علی تفاصیل ما دفع من حوار بینها وبین زوجها.

فی لیلة عاشوراء قال  علیه السلام:

اجلسوا رحمکم الله وجزاکم الله خیراً.

ثم قال:

الا ومن کان فی رحله امرأة فلینصرف بها إلی بنی أسد.

فقام علی بن مظاهر وقال: ولماذا یا سیدی فقال  علیه السلام:

ان نسائی تسبی بعد قتلی وأخاف علی نسائکم من السبی.

فمضی علی بن مظاهر إلی خیمته فقامت زوجته اجلالاً له فاستقبلته وتبسمت فی وجهه فقال لها: دعینی والتبسم، فقالت: یابن مظاهر انی سمعت غریب فاطمة خطب فیکم وسمعت فی آخرها همهمة ودمدمة فما علمت ما یقول قال یا هذه ان الحسین  علیه السلام قال لنا الا ومن کان فی رحله امرأة فلیذهب بها إلی بنی عمها لأنی غداً اقتل ونسائی تسبی، فقالت: وما أنت صانع قال: قومی حتی

ص: 191

الحقک ببنی عمک بنی أسد فقامت ونطحت رأسها فی عمود الخیمة وقالت: والله ما انصفتنی یا بن مظاهر أیسرک أن تسبی بنات رسول الله وأنا آمنة من السبی أیسرک أن تسلب زینب ازارها من رأسها وأنا استتر بازاری، أیسرک أن تذهب من بنات الزهراء اقراطها وأنا اتزین بقرطی، ایسرک ان یبیض وجهک عند رسول الله ویسود وجهی عند فاطمة الزهراء والله أنتم تواسون الرجال ونحن نواسی النساء فرجع علی بن مظاهر إلی الحسین  علیه السلام وهو یبکی فقال له الحسین  علیه السلام:

ما یبکیک؟

فقال سیدی: ابت الأسدیة إلا مواساتکم فبکی الحسین  علیه السلام وقال:

جزیتم منا خیراً(1).

وقفة

کثیرة هی المواقف التی تمر بالإنسان إلا ان هناک مواقف لا تنسی یندهش المرء أمام علو أصحابها، وینحنی إجلالاً لأبطالها فلذا تعالوا معی لنستخلص منها ما ینفعنا وینفع نساءنا:

1 . فی المقاطع الأولی من القصة نری بوضوح غیرة سید شباب أهل الجنة علی نساء المؤمنین وحرصه علی سلامتهن من الانتهاک طالما لم یکن من العائلة الحسینیة التی خرجت باختیارها لتشارک إمامها وولیها نهضته، فلذلک یصرح الإمام  علیه السلام بقوله:

«وأخاف علی نسائکم من السبی».

2 . فی مقطع آخر یقول الراوی «فمضی علی بن مظاهر إلی خیمته، فقامت زوجته إجلالاً له، فاستقبلته وابتسمت فی وجه» لا یحتاج هذا المقطع إلی تعلیق نبین


1- معالی السبطین: ج1، ص 342.

ص: 192

من خلاله سمو أخلاق هذه المرأة وأدبها وحسن عشرتها مع زوجها الذی سیفارقها وسیعرضها للمصائب والامتهان.

3 . سؤالها لزوجها «إنی سمعت غریب فاطمة خطب فیکم، وسمعت فی آخرها همهمة ودمدمة فما علمت ما یقول؟» دلیل وعیها وحرصها علی متابعة کل الأحداث والاستماع إلی توجیهات القائد إلا أن هناک مقطعا قد فاتها فلابد من معرفته لتکون علی علم بما یدور.

4 . بعد أن أخبرها بما قال الإمام  علیه السلام عن سبی النساء، قالت له وما أنت صانع لکی تستطلع رأیه وتخبره بأنه صاحب القرار فی هذا الأمر، فلما اسمعها قراره «قومی حتی ألحقک ببنی عمک بنی أسد» ردت علیه بأدب واحترام معبرة عن رفضها لقراره فعلا وقولا من خلال نطحها لعمود الخیمة وقولها «والله ما انصفتنی» أی لو أنک انصفتنی لما رفضت لک قراراً أبداً، الا أنک حرصت علی امرأتک دون بنات رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم معتقداً اننی سأفرح بالنجاة والأمان من مخاطر کربلاء.

5 . قولها: «أیسرک ان یبیضّ وجهک عند رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ویسودّ وجهی عند فاطمة الزهراء علیها السلام» نستخلص منه أموراً مهمة:

أ . ان المرأة الأسدیة مؤمنة بنهضة الإمام الحسین  علیه السلام ومعتقدة بالمعاد وثوابه فهی خیر من رجال هذه الأمة التی جاءت لقتل الإمام  علیه السلام وشارکت فی تکثیر السواد علیه بل هی خیرٌ من رجال عدّوا من الصحابة اختاروا السلامة علی المشارکة.

ب. قالت «ویسودّ وجهی عند فاطمة الزهراء علیها السلام» ولم تقل عند رسول اللهصلی الله علیه وآله وسلم لسببین:

ص: 193

الأول: ان الجهاد وجب علی الرجال دون النساء فهی معذورة عند رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لسقوط التکلیف عنها.

الثانی: بما انها امرأة موالیة ومحبة وستسلم من القتل فهی غیر معذورة عند فاطمة الزهراء علیها السلام إذا ترکت المواساة.

ج . قولها «أیسرک ... الخ» أی أتفرح بنیل الشهادة وابیضاض وجهک؟ ولا تفرح لی بالمواساة وابیضاض وجهی؟ فإن فی ذلک شیئاً من الأنانیة وأنت اسمی من ذلک فلذا سأواسی النساء.

6 . قوله فی الروایة «فرجع علی بن مظاهر وهو یبکی فقال له الحسین  علیه السلام: ما یبکیک؟ فقال: یا سیدی أبت الأسدیة إلا مواساتکم، فبکی الحسین  علیه السلام». أظن أن بکاء علی بن مظاهر فرح بموقف زوجته، وبکاء الإمام الحسین  علیه السلام رحمة ورأفة وفرح بهذه المؤمنة الموالیة.

7 . قول الإمام  علیه السلام «جزیتم منا خیراً» دلیل علی استحباب المواساة طالما لم یخرج عن الحدود الشرعیة، کما استخلص من هذا القول اشارة إلی الشعائر الحسینیة التی لا تخرج عن حدود الشریعة.

أم وهب وزوجة ابنها

اشارة

هی أم وهب بن عبدالله بن حباب الکلبی کانا نصرانیین وقد أسلما علی یدی الإمام الحسین  علیه السلام، فصار وهب من الشهداء وصارت أمه من النساء الموالیات الصابرات، المؤمنات اللواتی حضرنَ فی کربلاء عازمة علی المواساة غیر راضیة إلا بقتل فلذة کبدها وقرة عینها ولدها وهب بین یدی إمامه  علیه السلام فلذا لابد من التعرف علی دورها وموقفها فی کربلاء وهذ وما ورد فی البحار:

ص: 194

ثم برز من بعده وهب بن عبدالله بن حباب الکلبی وقد کانت معه أمه یومئذ فقالت: قم یا بنیّ فانصر ابن بنت رسول الله، فقال: أفعل یا أمّاه ولا أقصّر فبرز وهو یقول:

إن تنکرونی فأنا ابن الکلبی

سوف ترونی وترون ضربی

وحملتی وصولتی فی الحربِ

أدرک ثأری بعد ثأر صحبی

وأدفع الکرب أمام الکربِ

لیس جهادی فی الوغی باللعب

ثم حمل فلم یزل یقاتل حتی قتل منهم جماعة فرجع إلی أمه وامرأته، فوقف علیهما فقال: یا أماه أرضیت؟

فقالت: ما رضیت إلاّ أن تقتل بین یدی الحسین  علیه السلام، فقالت امرأته: بالله لا تفجعنی فی نفسک!

فقالت أمه: یا بنیّ لا تقبل قولها وارجع، فقاتل بین یدی ابن رسول الله فیکون غداً فی القیامة شفیعاً لک بین یدی الله، فرجع قائلاً:

إنی زعیم لک أم وهب

بالطعن فیهم تارة والضرب

ضرب غلام مؤمن بالربّ

حتی یذیق القوم مرّ الحرب

إنّی امرؤ ذو مرّة وعصب

ولست بالخوّار عند النکب

حسبی إلهی من علیم حسبی

فلم یزل یقاتل تسعة عشر فارساً واثنی عشر راجلاً، ثم قُطعت یداه، فأخذت امرأته عموداً وأقبلت نحوه وهی تقول: فداک أبی وأمی قاتل دون الطیّبین حرم رسول الله، فأقبل کی یردّها إلی النساء فأخذت بجانب ثوبه، وقالت: لن أعود أو أموت معک، فقال الحسین:

جزیتم من أهل بیتی خیراً! ارجعی إلی النساء رحمک الله.

ص: 195

فانصرفت، وجعل یقاتل حتی قُتل رضی الله عنه، قال: فذهبت امرأته تمسح الدم عن وجهه فبصر بها شمر، فأمر غلاماً له فضربها بعمود کان معه فشدخها وقتلها، وهی أول امرأة قتلت فی عسکر الحسین __  علیه السلام __.

ورأیت حدیثاً أنّ وهب هذا کان نصرانیاً فأسلم هو وأمّه علی یدی الحسین __ علیه السلام __ فقتل فی المبارزة أربعة وعشرین راجلاً واثنی عشر فارساً، ثم أخذ أسیراً فأُتی به إلی عمر بن سعد فقال: ما أشدّ صولتک؟ ثم أمر فضربت عنقه، ورمی برأسه إلی عسکر الحسین  علیه السلام فأخذت أمه الرأس فقبّلته ثم رمت بالرأس إلی عسکر ابن سعد فأصابت به رجلاً فقتلته، ثم شدّت بعمود الفسطاط، فقتلت رجلین، فقال لها الحسین:

ارجعی یا أم وهب أنت وابنک مع رسول الله فإنّ الجهاد مرفوع عن النساء.

فرجعت وهی تقول: إلهی لا تقطع رجائی.

فقال لها الحسین  علیه السلام:

لا یقطع الله رجاک یا أم وهب(1).

وقفة

عند تأملنا لهذه القصة الملیئة بالعبر والموعظة، الزاخرة بالمواقف المشرفة والتضحیات الغالیة التی تبهر العقول نستخلص منها ما یلی:

1 . ان حسن العاقبة الذی توفق له وهب وأمه وزوجته الذین تحولوا من الدیانة النصرانیة إلی شهداء ومواسین فی طف کربلاء دلیل واضح علی ان الأمور بخواتیمها.


1- بحار الأنوار: ج 18، ص 515 __ 516.

ص: 196

2 . حث هذه الأم الموالیة المؤمنة ولدها علی القتال والشهادة بین یدی الإمام علیه السلام دلیل علی درجة إیمانها وعمق فهمها بأمور دینها رغم قصر إسلامها.

3 . قصر مدة إسلام هذه العائلة لم یؤثر فی درجة الإیمان وسعة التضحیة، کما ان طول مدة إسلام البعض لم یرتقِ بهم إلی ما وصلت إلیه عائلة وهب الکلبی، ومن هذا یتضح ان سابقة الإسلام لیس فی طول المدة أو قصرها بل فی صدقها وعمقها.

4 . عدم رضا الأم بقتال ولدها وطلبها منه ان یقتل بین یدی الإمام  علیه السلام نستخلص منه حبها لولدها وحرصها علی نفعه بنیل الشهادة، فموقفها هذا یختلف ویناقض موقف من تمنع ولدها عن الدفاع والجهاد فی سبیل الله تعالی ظناً منها انها محبة لولدها.

5 . ان فی تغیر موقف زوجة وهب من المثبطة للعزائم إلی طالبة للشهادة سراً إلهیاً لا یمکن ان نحیط به، إلاّ اننا نستطیع القول بأن الرحمة الإلهیة أدرکت هذه المرأة فتغیر ما فی قلبها فنالت الشهادة.

6 . بملاحظة دقیقة نلمس ان من یعاشر شخصا تظله الرحمة لابد ان یشمل بها وهذا ما حصل لزوجة وهب عند معاشرتها لزوجها وأمه، وان من یعاشر شخصا صب علیه سخط الرحمن لابد ان یشمل به کما حصل لغلام الشمر فی قتل زوجة وهب.

7 . عندما دعت أم وهب ربها فقالت: «إلهی لا تقطع رجائی» جاءتها الإجابة مسرعة من الله تعالی علی لسان الإمام  علیه السلام فقال لها  علیه السلام: «لا یقطع الله رجاک یا أم وهب» ما أسرع هذه الإجابة!

ص: 197

بحریة الخزرجیة

اشارة

وهی أم عمرو بن جنادة امرأة عجوز فی هیأتها، شجاعة فی وثبتها، ضعیفة فی جسدها، قویة فی روحها وإیمانها، سخیة فی تضحیتها، عارفة بتکلیفها الشرعی، موالیة محبة لأهل بیت نبیها علیهم السلام زاهدة فی دنیاها راغبة فی آخرتها، اشترکت فی یوم الطف وحاربت مع ولدها بین یدی الإمام الحسین  علیه السلام وهذا ما أکده صاحب البحار فی قوله:

«ثم خرج شابّ قتل أبوه فی المعرکة وکانت أمه معه، فقالت له أمه: اخرج یا بنی وقاتل بین یدی ابن رسول الله! فخرج فقال الحسین __  علیه السلام __:

هذا شابٌّ قُتل أبوه ولعل أمه تکره خروجه.

فقال الشاب: أمی أمرتنی بذلک، فبرز وهو یقول:

أمیری حسین ونعم الأمیر

سرور فؤاد البشیر النذیر

علیٌ وفاطمة والداه

فهل تعلمون له من نظیر؟

له طلعة مثل شمس الضّحی

له غُرّة مثل بدر منیر

وقاتل حتی قُتل وحزّ رأسه ورمی به إلی عسکر الحسین  علیه السلام فحملت أمه رأسه، وقالت: أحسنت یا بنیّ یا سرور قلبی ویا قرّة عینی.

ثم رمت برأس ابنها رجلاً فقتلته وأخذت عمود خیمته، وحملت علیهم وهی تقول:

أنا عجوز سیدی ضعیفة

خاویة بالیة نحیفة

أضربکم بضربة عنیفة

دون بنی فاطمة الشریفة

وضربت رجلین فقتلتهما فأمر الحسین  علیه السلام بصرفها ودعا لها(1).


1- تسلیة المجالس: ج 2، ص 296 __ 298.

ص: 198

وفی المناقب ثم خرج جُنادة بن الحارث الأنصاری وهو یقول:

أنا جناد وأنا ابن الحارث

لست بخوّار ولا بناکث

عن بیعتی حتی یرثنی وارث

الیوم شلوی فی الصعید ماکث

قال: ثم حمل فلم یزل یقاتل حتی قُتل رحمه الله.

قال: ثم خرج من بعده عمرو بن جنادة وهو یقول:

أضق الخناق من ابن هند وارمه

من عامه بفوارس الأنصار

ومهاجرین مخضّبین رماحهم

تحت العجاجة من دم الکفّار

خضبت علی عهد النبی محمد

فالیوم تخضب من دم الفجّار

والیوم تخضب من دماء أراذل

رفضوا القران لنصرة الأشرار

طلبوا بثأرهم ببدر إذ أتوا

بالمرهفات وبالقنا الخطّار

والله ربی لا أزال مضارباً

فی الفاسقین بمرهف بتّار

هذا علی الأزدی حق واجب

فی کل یوم تعانق وکرار(1)

وقفة

1 . تمثلت شجاعتها فی قتلها لرجلین من الأعداء وبعمود الخیمة رغم ضعفها وشیخوختها.

2 . تمثلت قوة روحها وإیمانها فی قبولها لمصیر زوجها وولدها بل هی التی حثت ولدها علی الشهادة بین یدی الإمام  علیه السلام.

3 . تمثلت تضحیتها بسخاء عندما ضحت بما هو اغلی من نفسها ألا وهو ثمرة قلبها وقرة عینها ولدها عمرو بن جنادة.


1- بحار الأنوار: ج 18، ص 524.

ص: 199

4 . تمثلت معرفتها بتکلیفها الشرعی فی أمر ولدها بالجهاد بین یدی إمامه  علیه السلام.

5 . تمثلت موالاتها ومحبتها فی مواساتها لنساء أهل البیت علیهم السلام اللواتی فقدن الأحبة والأعزة.

6 . تمثل زهدها فی دنیاها فی بذل حیاتها عند خروجها إلی القتال.

دیلم بنت عمرو

لا شک فی ولائها ومودتها لأهل بیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولو اتیحت لها الفرصة فی مشارکة الرکب الحسینی لما قصرت فی ذلک، إلا انها مارست دور المشجعة علی التضحیة، ودور الغابطة لزوجها بما سیناله فی رمضاء کربلاء، لم تمنعه ولم تتشبث بأذیاله لتعدله عن الذهاب مع سید الشهداء  علیه السلام ولم تقل له کیف تترکنی وحیدة؟ بل قالت له: «خار الله لک، أسألک أن تذکرنی عند جد الحسین علیه السلام» ولذا أدعوکم لتتعرفوا علی موقف هذه الموالیة الصالحة.

سار الإمام الحسین حتی نزل زرود فالتقی فیها بزهیر بن القین وکان عثمانیاً، قال الراوی الذی کان مع زهیر: اقبلنا من مکة نسایر الحسین فلم یکن شیء أبغض الینا من ان نسایره فی منزل فإذا سار الحسین تخلف زهیر وإذا نزل تقدم، حتی نزلنا منزلاً لم نجد بداً من ان ننازله فیه، فنزل الحسین فی جانب ونزلنا فی جانب، فبینا نحن جلوس نتغذی إذ أقبل رسول الحسین فسلم، وقال یا زهیر بن القین ان ابا عبدالله الحسین بن علی بعثنی الیک لتأتیه، قال: فطرح کل انسان ما فی یده حتی کأننا علی رؤوسنا الطیر فقالت له زوجته: ایبعث الیک ابن رسول الله ثم لا تأتیه؟ سبحان الله لو أتیته فسمعت من کلامه! فأتاه زهیر بن القین، فما لبث أن جاء

ص: 200

مستبشراً قد أسفر وجهه، فأمر بفسطاطه ومتاعه فحمل إلی الحسین، ثم قال لامرأته: أنتِ طالق! الحقی بأهلک، فانی لا أحب ان یصیبک من سببی إلا خیر، ثم قال لاصحابه: من أحب منکم أن یتبعنی وإلا فانه آخر العهد(1).

ماریة العبدیة

هی ماریة بنت سعید العبدیة من بنی عبد القیس ویقال لها سعدیة بنت منقذ، کانت تسکن مدینة البصرة فی جنوب العراق(2).

هی من الموالیات اللواتی نذرن أنفسهم لخدمة الثورة الحسینیة وأعدت بیتها لاجتماع الشیعة المؤیدین لثورة الإمام  علیه السلام.

طوعة

اشارة

من النساء من یخلدها التاریخ کرمز للسوء والقبح کما ورد فی القرآن الکریم عن أم جمیل حمالة الحطب، ومنهن من تکون رمزاً وقدوة للوفاء والإخلاص والشجاعة النسائیة والإیمان کما ورد ذلک فی امرأة فرعون آسیة بنت مزاحم، وهناک الکثیر من النساء اللواتی خلدهن التاریخ لمواقفهن المشرفة وأخلاقهن العالیة کالسیدة (طوعة) هذه المرأة التی وطنت نفسها وفتحت بیتها لنصرة سفیر الإمام الحسین  علیه السلام سیدنا مسلم بن عقیل  علیه السلام ولکی نطلع علی موقف هذه المرأة المؤمنة نقرأ ما أورده صاحب کتاب معالی السبطین: «أتی إلی باب دار امرأة یقال لها طوعة أم ولد کانت للأشعث بن قیس فاعتقها وتزوجها اسید الحضرمی فولدت له بلالاً وکان بلال قد خرج مع الناس وأمه قائمة تنتظره فسلم علیها ابن عقیل فردت


1- معالم المدرستین للسید مرتضی العسکری: ج 3 ص 64.
2- أعلام النساء: ص 718.

ص: 201

علیه فقال لها: یا أمة الله اسقنی ماء، فسقته وجلس وادخلت الاناء ثم خرجت فرأته جالساً علی الباب قالت: یا عبدالله ألم تشرب الماء؟ قال: بلی، قالت: فاذهب إلی أهلک، فسکت ثم أعادت مثل ذلک فسکت ثم قالت فی الثالثة: سبحان الله یا عبدالله قم عافاک الله إلی أهلک فإنه لا یصلح لک الجلوس علی باب داری ولا أحله لک، فقام مسلم وقال: یا أمة الله ما لی فی هذا المصر أهل ولا دار ولا عشیرة فهل لک فی اجرٍ معروف لعلی مکافئک بعد هذا الیوم، قالت: یا عبدالله من أنت وما ذاک؟، قال: أنا مسلم بن عقیل، کذبنی هؤلاء القوم وغرونی وأخرجونی. وقالت: أنت مسلم؟، قال: نعم، قالت: ادخل، فدخل إلی بیت فی دارها وفرشت له وعرضت علیه العشاء فلم یتعش ولم یکن باسرع من ان جاء ابنها فرآها تکثر الدخول والخروج فی ذلک البیت فسألها عن السبب فأبت ان تخبره فلما أصر علیها أخذت علیه الأیمان المغلظة فحلف لها فأخبرته الخبر فسکت اللعین فما أصبح حتی أوصل الخبر إلی ابن زیاد وبات مسلم بن عقیل لیلته فی دار تلک العجوز ما بین قائم وقاعد وراکع وساجد وتارة یناجی ربه وأخری یتضرع وتارة یتلو القرآن ولما أن طلع الفجر جاءت طوعة إلی مسلم بماء لیتوضأ قالت: یا مولای ما رأیتک رقدت فی هذه اللیلة، فقال لها: اعلمی انی رقدت رقدة فرأیت فی منامی عمی أمیر المؤمنین  علیه السلام وهو یقول لی الوحا الوحا العجل العجل وما أظن إلا أنه آخر أیامی من الدنیا فتوضأ وصلی صلاة الفجر وکان مشغولاً بدعائه إذ سمع وقع حوافر الخیل وأصوات الرجال عرف أنه قد أتی فعجل فی دعائه ثم لبس لامته وقال یا نفس اخرجی إلی الموت الذی لیس له محیص فقالت العجوز: سیدی أراک تتأهب للموت، قال: نعم لابد لی من الموت وأنت قد أدیت ما علیک من البر والاحسان واخذت نصیبک من شفاعة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم سید الانس والجان.

ص: 202

وقفة

نستخلص من هذا المقطع التاریخی جملة من الأمور التی تبین مقام وإیمان هذه المرأة الجلیلة:

1 . قولها «ألم تشرب الماء؟ قال بلی: قالت فاذهب إلی أهلک __ إلی أن قالت __ لا یصلح لک الجلوس علی باب داری لا أحله لک» دلیل علی عفتها ومعرفتها بالحلال والحرام وتحرزها من التهمة التی قد ترمی بها بناء علی الحدیث الشریف:

«رحم الله امرأ جب الغیبة عن نفسه».

2 . عندما أدخلت هذه المرأة المؤمنة مسلماً إلی بیتها تحول موقفها من موقف الرافض لجلوسه علی باب دارها إلی موقف المناصر والمساند عملاً بتکلیفها ازاء ثورة الإمام الحسین  علیه السلام.

3 . التزامها بضیافة مسلم بن عقیل  علیه السلام وحرصها علی سلامته جعلها فی مقام رفیع ألا وهو نیل شفاعة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کما صار ذکرها یتجدد مع ذکر مسلم بن عقیل  علیه السلام.

کبشة (أم سلیمان)

أم سلیمان، مولاة الإمام الحسین  علیه السلام. کانت رحمها الله عالمة، فاضلة، من ربّات البر والإحسان، اشتراها الحسین علیه السلام بألف درهم، وکانت فی بیت أم إسحاق بنت طلحة بن عبید الله التیمیة زوجة الحسین  علیه السلام، تزوّجها أبو رزین فولدت منه سلیمان، فهو مولی الحسین  علیه السلام، وله ذکر فی الناحیة وهو: السلام علی سلیمان مولی الحسین. وسلیمان هذا هو الذی أرسله الإمام الحسین  علیه السلام بکتب إلی رؤساء الأخماس والأشراف بالبصرة حین کان بمکة، کما ذکره أرباب

ص: 203

المقاتل والسیر، فجاء بالکتاب بنسخة واحدة إلی جمیع أشرافها، فکلّ من قرأ ذلک الکتاب کتمه إلاّ منذر بن الجارود، فإنّه خشی بزعمه أن یکون دسیساً من قبل عبید الله بن زیاد، فأخذ الکتاب والرسول فقدّمهما إلی عبید الله بن زیاد، فلمّا قرأ الکتاب قدّم الرسول وأمر بضرب عنقه.

وأما أمّه کبشة فقد جاءت مع الإمام الحسین  علیه السلام إلی کربلاء، وشاهدت کلّ ما جری علی آل الرسول صلی الله علیه وآله وسلم من مصائب ورزایا، وصبرت واحتسبت ذلک فی سبیل الله(1).

لیلی التمیمیة

لیلی بنت مسعود بن خالد بن ربیعة التمیمیة، زوجة أمیر المؤمنین الإمام علی علیه السلام، وأم ولدیه عبدالله الأصغر ومحمد الأصغر، اللذین استشهدا فی أرض کربلاء یوم عاشوراء مع سیدهم ومولاهم أبی عبدالله  علیه السلام.

وقیل: إنّ أمهما لیلی بنت مسعود الدارمیة، وأمها عمیرة بنت قیس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر سید أهل الوبر، وهی قبیلة معروفة بسیادتها وحکمتها عند العرب. یقول أحد الشعراء بمدح سلم بن جندل، وهو أحد أجداد لیلی:

یسود بأقوام ولیس بسادة

بل السید المیمون سلم بن جندل

وهی إحدی الزوجات الأربع اللواتی بقین بعد استشهاد الإمام علی بن أبی طالب  علیه السلام، وهنّ: أم البنین، وأمامة بنت أبی العاص، وأسماء بنت عمیس، ولیلی التمیمیة.

وقد حضرت هذه المرأة أرض کربلاء وشاهدت واقعة الطف وما جری علی


1- أعلام النساء: 543، نقلاً عن معالی السبطین فی أحوال الحسن والحسین  علیهما السلام للشیخ محمد مهدی الحائری.

ص: 204

آل الرسول صلی الله علیه وآله وسلم من مصائب ومحن، وشارکتهم فی ذلک کلّه صابرة محتسبة ذلک فی سبیل الله، فرحمها الله وجزاها الثواب الجزیل(1).

وهناک نساء کثیرات ممن یوالین أهل البیت علیهم السلام ولاسیما الإمام الحسین  علیه السلام ترکنا ذکرهن روماً للاختصار واکتفینا بهذه المصادیق التی تقدم ذکرها.

المرأة المتعاطفة

اشارة

بعد أن تم الحدیث عن النساء الموالیات اللواتی حضرن کربلاء نعطف البحث عن النساء اللواتی وقفن وقفة عاطفیة ازاء الإمام الحسین  علیه السلام ونهضته المبارکة.

امرأة من بنی بکر بن وائل

اشارة

روی حمید بن مسلم قال: رأیت امرأة من بنی بکر بن وائل کانت مع زوجها فی أصحاب عمر بن سعد، فلما رأت القوم قد اقتحموا علی نساء الحسین علیه السلام فی فسطاطهنّ وهم یسلبونهنّ، أخذت سیفاً واقبلت نحو الفسطاط وقالت: یا آل بکر بن وائل أتسلب بنات رسول الله؟! لا حکم إلاّ لله، یا لثارات رسول الله، فأخذها زوجها فردّها إلی رحله(2).

وقفة

لابد من التساؤل عن موقف هذه المرأة التی عصفت بها العاطفة فانبرت مدافعة عن بنات رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ما الذی دفعها لهذا الموقف؟ ولم هی حاضرة مع زوجها فی جهة الجیش المعادی للإمام  علیه السلام؟ ولماذا لم تقف هذا الموقف عند قتل الإمام  علیه السلام وأهل بیته وصحبه؟.


1- أعلام النساء للحسون: ص 716.
2- اللهوف: ص 180.

ص: 205

الجواب

لا یحق لی الإجابة عن هذه المرأة المتعاطفة لعدم علمی بنیتها ودوافعها لهذا الموقف، الا اننی استطیع ان أحلل موقفها فأقول:

1 . لعلها کانت رافضة لقتل الإمام  علیه السلام بدلیل قولها «یا لثارات رسول الله» ولعلها رأت ان القتال الذی دار بین الرجال لا تستطیع التدخل فیه لأسباب متعددة منها: عدم سماح زوجها لها بذلک، وسقوط الجهاد عنها فی الدفاع البدنی، وعدم قدرتها علی خوض الحرب وغیر ذلک.

2 . أما حضورها فی الجهة المعادیة قد یکون قهراً وإجباراً لها، أو أنها من المغرر بهم ولم تکتشف حقیقة الأمر إلا بعد وصولها إلی کربلاء کما حصل لغیرها.

3 . اندفعت المرأة للدفاع عن بنات رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لقباحة ما رأته من موقف الجیش الممسوخ ووحشیته وانتهاکه لحرمة النساء اللواتی لا دخل لهن فی هذه الحرب، فهاجت فیها الحمیة العربیة التی تستنکر بشدة أی اعتداء علی المرأة.

هند زوجة یزید

اشارة

روی أنه دخلت امرأة علی هند وقالت یا هند هذه الساعة اقبلوا بسبایا ولم أعلم من أین هم فلعلک تمضین إلیهم وتتفرجین علیهم فقامت هند ولبست أفخر ثیابها وتخمرت بخمارها ولبست ازارها وأمرت خادمة لها أن تحمل الکرسی فلما رأتها الطاهرة زینب التفتت إلی أختها أم کلثوم وقالت لها: أخیة اتعرفین هذه الجاریة؟، قالت: لا والله، قالت لها: أخیة هذی خادمتنا هند بنت عبدالله، فسکتت أم کلثوم ولم ترد علیها جواباً، ثم قالت لها: أخیة من أی البلاد أنتم؟ فقالت لها زینب: من بلاد المدینة، فلما سمعت هند بذکر المدینة نزلت عن الکرسی وقالت: علی ساکنها أفضل السلام، ثم التفتت إلیها زینب وقالت: أراک

ص: 206

نزلت عن الکرسی، قالت هند: اجلالاً لمن سکن فی أرض المدینة، ثم قالت لها: أخیة أرید أن أسألک عن بیت فی المدینة قالت لها الطاهرة زینب: اسألی ما بدا لک، قالت: أرید أن أسألک عن دار علی بن أبی طالب، قالت لها زینب: وأین لک معرفة بدار علی  علیه السلام فبکت وقالت: إنی کنت خادمة عندهم، قالت لها زینب: وعن ایما تسألین؟ قالت: أسألک عن الحسین وعن أخوته وأولاده وعن بقیة أولاد علی واسألک عن سیدتی زینب وعن أختها أم کلثوم وعن بقیة مخدرات فاطمة الزهراء فبکت عند ذلک زینب بکاءً شدیداً وقالت لها:

یا هند أما ان سألت عن دار علی  علیه السلام فقد خلفناها تنعی أهلها وأما أن سألت عن الحسین  علیه السلام فهذا رأسه بین یدی یزید واما ان سألت عن العباس وعن بقیة أولاد علی  علیه السلام فقد خلفناهم علی الارض مجزرین کالأضاحی بلا رؤوس وإن سألت عن زین العابدین  علیه السلام فهو علیل نحیل لا یطیق النهوض من کثرة وهؤلاء بقیة مخدرات فاطمة الزهراء.

فلما سمعت هند کلام زینب رقت وبکت ونادت وا اماماه واسیداه واحسیناه لیتنی کنت قبل هذا الیوم عمیاء ولا أنظر بنات فاطمة الزهراء علی هذه الحالة ثم تناولت حجراً وضربت به رأسها فسال الدم علی وجهها ومقنعتها وغشی علیها فلما أفاقت من غشیتها أتت إلیها الطاهرة زینب وقالت لها: یا هند قومی واذهبی إلی دارک لانی اخشی علیک من بعلک یزید، فقالت هند: والله لا أذهب حتی أنوح علی سیدی ومولای أبی عبدالله وحتی ادخلک وسائر النساء الهاشمیات معی داری فقامت وحسرت رأسها وشققت الثیاب وهتکت الستر وخرجت حافیة إلی یزید وهو فی مجلس عام وقالت: یا یزید أنت أمرت برأس الحسین  علیه السلام یشال علی الرمح عند

ص: 207

باب الدار أرأس ابن فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مصلوب علی فناء داری وکان یزید فی ذلک الوقت جالساً علی رأسه تاج مکلل بالدر والیاقوت والجواهر النفیسة فلما رأی زوجته علی تلک الحالة وثب الیها فغطاها، وقال: نعم فاعولی یا هند وابکی علی ابن بنت رسول الله وصریخة قریش فقد عجل علیه ابن زیاد لعنه الله فقتله قتله الله، فلما رأت هند ان یزید غطاها قالت له: ویلک یا یزید أخذتک الحمیة علیّ فلم لا أخذتک الحمیة علی بنات فاطمة الزهراء هتکت ستورهن وابدیت وجوههن وانزلتهن فی دار خربة والله لا أدخل حرمک حتی أدخلهن معی وأمر یزید بهن إلی منزله وأنزلهم فی دار الخاصة فلما دخلت النسوة استقبلتهن نساء آل أبی سفیان وقبلن أیدی بنات رسول الله وارجلهن ونحن وبکین وقلن وا حسیناه(1).

وقفة

قبل ان أشیر إلی بعض الملاحظات فی قصة هذه المرأة لابد من السؤال ألا وهو لم اقترنت هند التی عملت فی بیت أمیر المؤمنین  علیه السلام برجل فاسق طاغیة مثل یزید وهو من عائلة معادیة لأهل البیت علیهم السلام؟ اضع هذا السؤال بین یدی القارئ الکریم لکی لا یظن أن هنداً من الموالیات، ولکی نبرر درجها فی قائمة المتعاطفات.

ویمکن ان نستخلص من هذه القصة الأمور التالیة:

1 . شاء الله تعالی أن یجعل مجلس العزاء علی الإمام  علیه السلام فی بیت عدوه.

2 . محاولة یزید القاء اللوم علی ابن زیاد والتملص من جریمته اقرار بلسانه علی مظلومیة الإمام  علیه السلام ومصیبته.

نکتفی بهاتین المرأتین کمصداق للمرأة المتعاطفة، ویظهر مما تقدم دور المرأة فی حیاة الإمام الحسین  علیه السلام.


1- معالی السبطین: ج2، ص 864.

ص: 208

ص: 209

الفصل الثالث: مواقف الإمام الحسین علیه السلام مع المرأة

اشارة

ص: 210

ص: 211

أدبه فی الحوار معها

اشارة

ورد فی الأحادیث الشریفة ما یشیر إلی أن الکلام علامة تدل علی علم صاحبه، وإشارة تشیر إلی ذوقه، ومرآة کاشفة لأدبه وأخلاقه کما فی قول أمیر المؤمنین  علیه السلام:

«تکلموا تعرفوا فان الإنسان مخبوء تحت طی لسانه»(1).

وکما فی قول الإمام الباقر  علیه السلام:

«سلاح اللئام قبیح الکلام»(2).

فهذه الأحادیث تنطبق تمام الانطباق علی سید شاب أهل الجنة  علیه السلام ولا عجب فی ذلک لکونه الفرع الذی ینطق عن الأصل، وکونه  علیه السلام ثمرة الشجرة الزیتونة المبارکة، فلسانه لسان جده المصطفی صلی الله علیه وآله وسلم وأبیه المرتضی  علیه السلام فعندما نتأمل حواره مع المرأة نلمس الاحترام الکامل والتوقیر الوافر والأدب الرفیع کما فی هذه الصور التاریخیة التالیة:


1- نهج البلاغة: ج 4، ص 93.
2- میزان الحکمة، محمد الریشهری: ج 3، ص 2377.

ص: 212

العطف علی الموالیة

حدیثه مع أم وهب فی کربلاء وهو فی خضم الهم والغم والحزن لفقدان الأحبة، وتکالب الأعداء وقلة الناصر یتکلم الإمام  علیه السلام معها بکل حنان وعطف ومسؤولیة:

«ارجعی یا أم وهب، أنت وابنک مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فان الجهاد مرفوع عن النساء».

فامتثلت المرأة المطیعة لإمامها ورجعت وهی تقول: «إلهی لا تقطع رجائی» فیرد الإمام الحسین  علیه السلام:

«لا یقطع الله رجاک یا أم وهب».

لیؤکد الإمام  علیه السلام قوله بأنها ممن رضی الله تعالی عنهم ویبشرها بأنها حصلت علی رجاها وامنیتها، یا لهذا الخلق الرفیع الملیء بالعبرة والموعظة!

الصورة  _  توقیر الأم  _

فی حواره مع أمه القرآنیة وزوجة جده رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یعلمنا الإمام الحسین علیه السلام الأدب الإلهی والذوق الرفیع ومعنی الاحترام والتوقیر الحسینی کما جاء فی هذا النص الحواری.

وفی بعض الکتب: لما عزم علی الخروج من المدینة أتته أمّ سلمة رضی الله عنهافقالت: یا بنیّ لا تحزنی بخروجک إلی العراق، فإنّی سمعت جدّک یقول: «یقتل ولدی الحسین  علیه السلام بأرض العراق فی أرض یقال لها: کربلاء. فقال لها:

«یا أماه وأنا والله أعلم ذلک وأنّی مقتول لا محالة، ولیس لی من هذا بُدٌّ، وإنّی والله لأعرف الیوم الذی أقتل فیه، وأعرف من یقتلنی، وأعرف البقعة التی أدفن فیها، وإنّی أعرف من یُقتل من أهل بیتی وقرابتی وشیعتی، وإن أردت یا أماه أریک حُفرتی ومضجعی».

ص: 213

ثم أشار إلی جهة کربلاء، فانخفضت الأرض حتّی أراها مضجعه ومدفنه وموضع عسکره وموقفه ومشهده، فعند ذلک بکت أمّ سلمة بکاءً شدیداً، وسلّمت أمره إلی الله. فقال لها:

«یا أماه قد شاء الله عز وجل أن یرانی مقتولاً مذبوحاً ظلماً وعدواناً، وقد شاء أن یری حرمی ورهطی ونسائی مشرّدین، وأطفالی مذبوحین مظلومین مأسورین مقیّدین، وهم یستغیثون فلا یجدون ناصراً ولا مُعیناً».

الرأفة بالرحم

قال ابن قولویه: حدّثنی أبی وجماعة مشایخی عن سعد بن عبد الله بن أبی خلف، عن محمد بن یحیی المعاذی، قال: حدّثنی الحسین بن موسی الأصم، عن عمرو بن شمر الجعفی، عن جابر بن یزید الجعفی، عن محمد بن علی  علیهما السلام قال:

«لما همّ الحسین  علیه السلام بالشخوص عن المدینة، أقبلت نساء بنی عبدالمطلب فاجتمعن للنیاحة حتی مشی فیهن الحسین  علیه السلام فقال: أنشدکنّ الله أن تبدین هذا الأمر معصیة لله ولرسوله.

قالت له نساء بنی عبدالمطلب: فلم نستبقی هذه النیاحة والبکاء، فهو عندنا کیوم مات فیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وعلی  علیه السلام وفاطمة علیها السلام ورقیة وزینب وأم کلثوم، فننشدک الله جعلنا الله فداک الموت فیا حبیب الأبرار من أهل القبور»(1).


1- کامل الزیارات: 96. بحار الأنوار: 45/88. أعیان الشیعة: 1/588. مقتل الحسین  علیه السلام للمقرم: 152. مدینة المعاجز: 4/177.

ص: 214

ثم ان نساء بنی هاشم أقبلن إلی أم هانی عمة الحسین  علیه السلام وقلن لها: یا أم هانی أنت جالسة والحسین  علیه السلام مع عیاله عازم علی الخروج، فأقبلت أم هانی فلما رآها الحسین  علیه السلام قال: «أما هذه عمّتی أم هانی»؟ قیل: نعم، فقال: «یا عمّة ما الذی جاء بک وأنت علی هذه الحالة».

فقالت: وکیف لا آتی وقد بلغنی أنّ کفیل الأرامل ذاهب عنی، ثم انها انتحبت باکیة وتمثلت بأبیات أبیها أبی طالب  علیه السلام.

وابیض یستسقی الغمام بوجهه

ثمال الیتامی عصمة للأرامل

تطوف به الهلاک من آل هاشم

فهم عنده فی نعمة وفواضل

ثم قالت: سیدی وأنا متطیّرة علیک من هذا المسیر لهاتف سمعت البارحة یقول:

وإنّ قتیل الطف من آل هاشم

اذلّ رقابا من قریش فذلّت

حبیب رسول الله لم یک فاحشاً

ابانت مصیبته الأنوف وخلّت

فقال لها الحسین  علیه السلام: «یا عمة لا تقولی من قریش ولکن قولی أذلّ رقاب المسلمین فذلّت»، ثم قال: «یا عمة کلُّ الذی مُقدرٌ فهو کائن لا محالة»، وقال  علیه السلام:

وماهم بقوم یغلبون ابن غالب

ولکن بعلم الغیب قد قُدّر الأمر

فخرجت أم هانی من عنده باکیة وهی تقول:

وما أم هانی وحدها ساء حالها

خروج حسین عن مدینة جده

ولکنما القبر الشریف ومن به

ومنبره یبکون من أجل فقده(1)


1- معالی السبطین: 1/214.

ص: 215

عند التمعن فی هذه الصورة الرائعة نری بوضوح حرصه علی ان لا یکون سببا فی وقوع نساء بنی هاشم فی المعصیة، وان لا یکون سببا فی أذیة عمته أم هانی، کما یظهر جلیا رأفته وحنانه وعطفه علی عمته وهو یخاطبها:

«یا عمة ما الذی جاء بک وأنت علی هذه الحالة».

ونلمس أدبه الذی تربی علیه فی حجر العصمة بمخاطبته لها «یا عمة...» بل تظهر مداراته ویتجلی حبه الذی أغدقه علی عمته من خلال تکراره لکلمة «یا عمة» فی مقاطع متعددة مع الحوار.

الأخ الحنون

قال أبو مخنف، حدثنی الحارث بن کعب وأبو الضحاک عن علی بن الحسین ابن علی  علیه السلام قال:

«إنی جالس فی تلک العشیة التی قتل أبی صبیحتها، وعمتی زینب عندی تمرّضنی، إذ اعتزل أبی بأصحابه فی خباء له، وعنده جون مولی أبی ذر الغفاری، وهو یعالج سیفه ویصلحه، وأبی یقول:

یا دهر أفٍّ لک من خلیل

کم لک بالإشراق والأصیل

من صاحب أو طالب قتیل

والدّهر لا یقنع بالبدیل

وإنّما الأمر إلی الجلیل

وکلُّ حیٍّ سالک السبیل

فأعادها مرتین أو ثلاثاً حتی فهمتها فعرفت ما أراد، فخنقتنی عبرتی، فرددت دمعی ولزمت السکون، فعلمت أن البلاء قد نزل.

فأمّا عمتی فإنّها سمعت ما سمعت __ وهی امرأة، وفی النساء

ص: 216

الرقّة والجزع __ فلم تملک نفسها أن وثبت تجرّ ثوبها __ وإنها لحاسرة ___ حتی انتهت إلیه، فقالت: واثکلاه! لیت الموت أعدمنی الحیاة! الیوم ماتت فاطمة أمّی، وعلی أبی، وحسن أخی، یا خلیفة الماضی وثمال الباقی!.

فنظر إلیها الحسین  علیه السلام فقال: «یا أخیّة! لا یُذهبنّ بحلمکِ الشیطانُ!.

قالت: بأبی أنت وأمی یا أبا عبد الله! استقتلت؟ نفسی فداک.

فردّ غصته وترقرقت عیناه وقال: «لو تُرک القطا لیلاً لنام!».

قالت: یا ویلتی! أفتغصب نفسک اغتصاباً؟! فذلک أقرح لقلبی وأشدّ علی نفسی! ولطمت وجهها، وأهوت إلی جیبها وشقّته وخرّت مغشیاً علیها!.

فقام إلیها الحسین  علیه السلام فصبّ علی وجهها الماء وقال لها:

«یا أخیة اتقی الله وتعزّی بعزاء الله،واعلمی أنّ أهل الأرض یموتون، وأنّ أهل السماء لا یبقون، وأنّ کلُّ شیء هالکٌ إلاّ وجه الله الذی خلق الأرض بقدرته، ویبعث الخلق فیعودون، وهو فرد وحده، أبی خیر منی، وأمی خیر منی، وأخی خیر منّی، ولی ولهم ولکلّ مسلم برسول الله أسوة».

فعزّاها بهذا ونحوه، وقال لها:

«یا أخیة إنی أقسم علیکِ فأبری قسمی، لا تشقّی علیّ جیباً، ولا تخمشی علیّ وجهاً، ولا تدعی علیّ بالویل والثُّبور أنا إذا هلکت»، ثم جاء بها حتی اجلسها عندی»(1).


1- تاریخ الطبری: 3/316. الإرشاد: 232. الکامل فی التاریخ: 2/560. البدایة والنهایة: 8/191 مع الاختلاف والاختصار. بحار الأنوار: 45/1. العوالم: 17/245. مستدرک الوسائل: 2/452. أعیان الشیعة: 1/601 أضاف قبل أبی خیر من «جدی خیر منی» وأضاف فی الأشعار «ما أقرب الوعد من الرحیل». وقعة الطف: 200 وفی بعض المصادر : «سالک سبیلی».

ص: 217

فی ثلاثة مواطن یخاطب الإمام  علیه السلام أخته بقوله «یا أخیّة» ویرد فیها بالنصائح والإرشادات التی من شأنها الحفاظ علی مرتبة الأخت الإیمانیة، ثم یؤکد نصحه لها بأن یأخذ علیها الأیمان لکی لا تسمح لعاطفتها ان تطغی علی ما یرید منها الإمام علیه السلام فیقول لها:

«یا أخیّة إنی أقسم علیک فأبری قسمی الا تشقی علیّ جَیْباً، ولا تخمشی علیّ وجهاً، ولا تدعی علی بالویل والثبور أنا إذا هلکت».

ثم بلغ حنانه وعطفه إلی ان جاء بها حتی اجلسها عند ولده زین العابدین وفی روایة أخری عندما تسأله أختاه زینب وأم کلثوم... یا أخی هذا کلام من ایقن بالقتل؟ فیقول «نعم یا أختاه».

عاطفة الأبوّة

اشارة

یروی لنا التاریخ ان الإمام الحسین  علیه السلام ودع عیاله فنادی «یا سکینة، یا فاطمة، یا زینب، یا أم کلثوم، علیکن منی السلام» فنادته سکینة: یا أبه استسلمت للموت؟ فقال لها:

«یا نور عینی، کیف لا یستسلم للموت من لا ناصر له ولا معین ... الخ».

ص: 218

وعند تأملنا هذه الروایة التاریخیة نقف إجلالاً واحتراماً وحباً لهذا الأب العطوف الذی یحرص علی مخاطبة ابنته بهذه الصیغة الملیئة بالعاطفة والحنو فیرسم لنا نهجاً فی التعامل الأبوی مع البنت ورقتها کیفیه مداراتها.

سلوکه معها: الإمام یزوج ابنته

روی أنّ الحسن بن الحسن خطب إلی عمّه الحسین  علیه السلام احدی ابنتیه، فقال له الحسین  علیه السلام:

«إختر یا بُنیّ أحبّهما إلیک».

فاستحیا الحسن ولم یحر جواباً، فقال له الحسین  علیه السلام:

«فإنّی قد اخترت لک ابنتی فاطمة، فهی أکثرهما شَبهاً بأمّی فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم»(1).

 من خلال هذه الصورة نستخلص فوائد ودروساً مهمة:

أ . ان الإمام الحسین  علیه السلام بقوله لابن أخیه الحسن  علیه السلام:

«اختر یا بنی أحبهما إلیک».

یؤکد لنا ان بناء الأسرة یعتمد علی الحب والاحترام، ویبین لنا أیضاً ان الرجل إذا ارتبط بامرأة یحبها سیسعد بها وتسعد به تطبیقا لقول الإمام الحسن المجتبی  علیه السلام عندما استنصحه رجل فی تزویج ابنته فقال له:

«زوجها مؤمنا فانه ان أحبها أکرمها وان یبغضها لا یظلمها».

 فالرجل الذی یتزوج امرأة یحبها سیکرمها ویسعدها لکی ینعم بحیاة هنیئة معها.


1- کشف الغمة: 1/579. مقاتل الطالبیین: 180. الأغانی: 21/115.

ص: 219

ب . قول الإمام الحسین  علیه السلام «أحبهما إلیک» لا یقصد الحب المتعارف المبنی علی الشهوة لخروج هذا النوع من الحب عن الحب الإیمانی، بل لعله یقصد ما تمیل إلیه النفس وتختاره من صفات المرأة وکمالها بدلیل قوله  علیه السلام:

«اخترت لک ابنتی فاطمة فهی أکثرهما شبهاً بأمی فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم»

ج . قوله  علیه السلام «اخترت لک ابنتی فاطمة» یدلنا علی ضرورة ان یختار الأب الزوج الکفوء لابنته وان یختار الزوجة الکفوءة لولده، ولابد أن یکون هذا الاختیار مبنیاً علی الموازین الشرعیة.

د . تصرف الإمام الحسین  علیه السلام دون الرجوع إلی رأی ابنته یخبرنا عن تفویض البنت امر تزویجها لأبیها الإمام المعصوم، وإحراز عدم الاعتراض علی رأی المعصوم والتسلیم والانقیاد لرأیه.

مشورة الإمام  علیه السلام فی التزویج

روی أنّ رجلاً صار إلی الحسین  علیه السلام فقال: جئتک أستشیرک فی تزویجی فلانة.

فقال  علیه السلام: «لا أحب ذلک لک»، وکانت کثیرة المال وکان الرجل أیضاً مکثراً، فخالف الحسین  علیه السلام فتزوج بها، فلم یلبث الرجل حتی افتقر، فقال له الحسین  علیه السلام: «قد أشرتُ إلیک، فخلّ سبیلها، فإنّ الله یعوّضک خیراً منها»، ثم قال  علیه السلام: «وعلیک بفلانة»، فتزوجها، فما مضت سنة حتی کثر ماله، وولدت له ولداً ذکراً، ورأی منها ما أحب.

نستخلص من هذه الروایة ما یلی:

ص: 220

أ . استحباب المشورة فی أمر مهم کالتزویج ولاسیما إذا کان المستشار من أولی الألباب فکیف إذا کان المستشار معصوماً؟.

ب . قول الإمام  علیه السلام «لا أحب ذلک لک» کأنما یشیر إلی عدم نجاح هذا الزواج لأسباب قد تکمن فی المرأة أو فی الظروف والعوامل المحیطة بها وما یؤکد ذلک قوله  علیه السلام «فإن الله یعوضک خیراً منها». ولم ینهَ الإمام  علیه السلام الرجل نهیاً مولویا إنما هو نهی إرشادی فحسب.

ذوق الإمام الحسین  علیه السلام

روی أنس قال: کنتُ عند الحسین فدخلت علیه جاریة بیدها طاقة ریحان، فحیّته بها، فقال لها: أنت حرّة لوجه الله تعالی.

وبَهَرَ أنس، فانصرف یقول: جاریة تجیئک بطاقة ریحان، فتُعْتِقُها؟!.

فقال الحسین  علیه السلام:

کذا أدّبنا الله، قال تبارک وتعالی:

((وَإِذَا حُیِّیتُمْ بِتَحِیَّةٍ فَحَیُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا)).

وکان أحسن منها عِتْقُها(1).

 هذه الروایة التاریخیة مُلئت ذوقاً وأریحیة عالیة من قبل المرأة إزاء الرجل الذی استحق احترامها وتوقیرها وکان أهلاً لتحیتها الرقیقة، فکان رد التحیة بأحسن وأرقی وأنبل وأکثر سخاء وأرفع ذوقاً من التحیة ذاتها، وإن دل هذا علی شیء فإنما یدل علی ان الخلق الحسن ینتج دائماً رداً أحسن وثمرة انفع وربحاً أوسع.


1- حیاة الإمام الحسین  علیه السلام:ج1،ص129،نقلاً عن الفصول المهمة لابن الصباغ:ص184.

ص: 221

الإمام  علیه السلام یلقم الجاهل حجراً

کان لمعاویة جواسیس بالمدینة یکتبون إلیه أمور الناس. فکتب إلیه أحدهم أنّ الحسین أعتق جاریة له وتزوجها. فکتب معاویة إلی الحسین یعیّره ویعیبه. فردّ علیه الإمام الحسین بالرسالة التالیة:

«أما بعد فقد بلغنی کتابک وتعییرک إیای بأنی تزوّجتُ مولاتی __ أی الأمة __ وترکت أکفائی من قریش. فلیس فوق رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم منتهی فی شرف، ولا غایة فی نسب، وإنما کانت یمینی خرجت من یدی بأمر التمست فیه ثواب الله. ثم أرجعتها علی سنّة نبیه صلی الله علیه وآله وسلم وقد رفع الله بالإسلام الخسیسة ووضع عنّا به النقیصة، فلا لوم علی امرئ مسلم إلاّ فی مأثم، وانما اللّوم لوم الجاهلیة»(1).

هذه الروایة تفضح جهل أبناء الطلقاء، وتبین علم أبناء الأنبیاء، این معاویة من السبط؟ وأین الجهل من العلم؟ وأین الجاهلیة من الإسلام؟ نکتفی بالروایة دون تعلیق لوضوح مضمونها.

إغاثة المستضعفین

ذکر المؤرخون: لما وصل الحسین  علیه السلام إلی صحراء الثعلبیة فی طریقه إلی کربلاء شاهد خیمة متردّیة تعبّر عن فقر ساکنها، فدنا إلیها فرأی هناک امرأة کبیرة السنّ، علیها ثیاب رثّة لشدة فقرها، فسألها عن حالها؟.

فقالت: إنها قد أضرّ بها وبأغنامها  الجفاف، وأنّ ابنها (وهب) وزوجته (هانیة) ذاهبان بحثاً عن الماء.


1- موسوعة المصطفی والعترة للشاکری: ج 6/ ص91.

ص: 222

فأقلع الإمام الحسین  علیه السلام صخرة فی مکانه فخرج من تحتها نبع من الماء الزلال، فسرّت المرأة وشکرت الإمام  علیه السلام، ثم واصل الإمام طریقه إلی کربلاء. وحینما جاء ابنها (وهب) فرأی ذلک انبری مندهشاً یسأل أمّه من أین حصل هذا؟.

فأخبرته بالأمر، وکان الابن فی لیلته قد رأی فی المنام الإمام الحسین  علیه السلام.

فقال لأمّه فوراً: قومی لنلتحق به. فتحرّک وهب وأمّه وزوجته __ وکانوا علی دین المسیح عیسی  علیه السلام __ حتی وصلوا إلی قافلة الحسین، فأسلموا علی یدیه، وکان وهب مع الحسین فی یوم عاشوراء واحداً من الشهداء السعداء.

لم یتجاهل الإمام الحسین  علیه السلام هذه المرأة ولم یزدرِ فقرها وحالها بل بادر إلی إغاثتها ومساعدتها بما وهبه الله تعالی من ولایة تکوینیة لکی یدخل السرور علیها ویطبق شعار الإسلام الحنیف:

«خیر الناس من نفع الناس».

 فقدم الخیر دون أن یعرف هویة هذه المرأة ودون أن یعرف موقفها من الإمامة والولایة.

حرصه علی نساء المؤمنین

قال الحسین  علیه السلام فی لیلة عاشوراء لأصحابه:

«ألا ومَن کان فی رحله امرأة فلینصرف بها إلی بنی أسد».

فقام علی بن مظاهر وقال: ولماذا یا سیدی؟ فقال  علیه السلام:

«إن نسائی تُسبی بعد قتلی وأخاف علی نسائکم من السبی».

لو أمعنا النظر فی هذه الروایة لأدرکنا مدی رقة الإمام  علیه السلام وحرصه علی سلامة المرأة المؤمنة، وللمسنا غیرته العلویة علی عفة المرأة وحشمتها.

ص: 223

کرامات الإمام الحسین  علیه السلام مع المرأة

اشارة

هذه القصص التی سنتعرض لها تنطوی علی رعایة الإمام الحسین  علیه السلام وعنایته بمن یستغیث به، وتتضمن بیان حاجتنا إلی سبط النبی صلی الله علیه وآله وسلم وریحانته فی الدنیا والآخرة، وتوضح ان هذه الوسیلة الإلهیة لا ترقی إلیها وسیلة ولا یمکن الاستغناء عنها فی الدنیا والآخرة.

قصة شفاء بنت نصرانیة عمیاء زمناء طرشاء مشلولة

فی کتاب «عوالم الإمام الحسین  علیه السلام» للشیخ البحرانی، قال: فی بعض مؤلفات الاصحاب قال:

«روی عن طریق أهل البیت علیهم السلام أنّه لما استشهد الحسین  علیه السلام بقی فی کربلاء صریعاً، ودمه علی الأرض مسفوحاً، وإذا بطائر أبیض قد أتی وتمسح بدمه، وجاء والدم یقطر منه فرأی طیوراً تحت الظلال علی الغصون والأشجار، وکل منهم یذکر الحَبّ والعلف والماء، فقال لهم ذلک الطیر المتلطخ بالدم: یا ویلکم أتشتغلون بالملاهی، وذکر الدنیا والمناهی، والحسین  علیه السلام فی أرض کربلاء فی هذا الحرّ ملقی علی الرمضاء، ظام مذبوح ودمه مسفوح.

فعادت الطیور کل منهم قاصداً کربلاء، فرأوا سیدنا الحسین  علیه السلام ملقی فی الأرض جثّة بلا رأس ولا غسل ولا کفن، قد سفّت علیه السوافی، وبدنه مرضوض قد هشمته الخیل بحوافرها، زوّاره وحوش القفار، وندبته جنّ السهول والأوعار، وقد أضاء التراب من أنواره، وأزهر الجومن أزهاره.

فلما رأته الطیور، تصایحن وأعلن بالبکاء والثبور، وتواقعن علی دمه یتمرغن فیه، وطار کلّ واحد منهم إلی ناحیة یعلم أهلها عن قتل أبی عبدالله

ص: 224

الحسین  علیه السلام، فمن القضاء والقدر أنّ طیراً من هذه الطیور قصد مدینة الرسول، وجاء یرفرف والدم یتقاطر من أجنحته ودار حول قبر سیدنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یعلن بالنداء: ألا قتل الحسین  علیه السلام بکربلاء، ألا ذبح الحسین بکربلاء!، فاجتمعت الطیور علیه وهم یبکون علیه وینوحون.

فلما نظر أهل المدینة من الطیور ذلک النوح، وشاهدوا الدم یتقاطر من الطیر، لم یعلموا ما الخبر حتی انقضت مدة من الزمان، وجاء خبر مقتل الحسین علیه السلام، علموا أنّ ذلک الطیر کان یخبر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بقتل ابن فاطمة البتول، وقرّة عین الرسول صلی الله علیه وآله وسلم.

وقد نقل أنّه کان فی ذلک الیوم الذی جاء فیه الطیر إلی المدینة، کان فی المدینة رجل یهودی له بنت عمیاء زمناء طرشاء مشلولة، والجذام قد أحاط ببدنها، فجاء ذلک الطائر والدم یتقاطر منه، ووقع علی شجرة، یبکی طول لیلته، وکان الیهودی قد أخرج ابنته تلک المریضة إلی خارج المدینة إلی بستان وترکها فی البستان الذی جاء الطیر ووقع فیه.

فمن القضاء والقدر أنّ تلک اللیلة عرض للیهودی عارض فدخل المدینة لقضاء حاجته، فلم یقدر أن یخرج تلک اللیلة إلی البستان التی فیها ابنته المعلولة، والبنت لما نظرت أباها لم یأت تلک اللیلة لم یأتها نوم لوحدتها، لأنّ أباها کان یحدّثها ویسلیها حتی تنام.

فسمعت عند السحر بکاء الطیر وحنینه، فبقیت تتقلب علی وجه الأرض إلی أن صارت تحت الشجرة التی علیها الطیر، فصارت کلما حنّ ذلک الطیر تجاوبه من قلب محزون، فبینما هی کذلک، إذ وقعت قطرة من الدم، فوقعت علی عینها

ص: 225

ففتحت، ثمّ قطرة أخری علی عینها الأخری فبرأت، ثم قطرة علی یدیها فعوفیت، ثم علی رجلیها فبرأت، وعادت کلما قطرت قطرة من الدم تلطخ به جسدها، فعوفیت من جمیع مرضها من برکات دم الحسین  علیه السلام.

فلما أصبحت أقبل أبوها إلی البستان فرأی بنتاً تدور ولم یعلم أنّها ابنته فسألها أنّه کان لی فی البستان ابنة علیلة لم تقدر أن تتحرک، فقالت ابنته: والله أنا ابنتک، فلما سمع کلامها وقع مغشیاً علیه، فلما أفاق قام علی قدمیه فأتت به إلی ذلک الطیر، فرآه واکراً علی الشجرة یئن من قلب حزین محترق مما رأی مما فُعِلَ بالحسین  علیه السلام.

فقال له الیهودی: أقسمت علیک بالذی خلقک أیها الطیر أن تکلمنی بقدرة الله تعالی، فنطق الطیر مستعبراً، ثم قال: إنّی کنت واکراً علی بعض الأشجار مع جملة من الطیور عند الظهیرة، وإذا بطیر ساقط علینا، وهو یقول: أیتها الطیور تأکلون وتتنعمون، والحسین فی أرض کربلاء فی هذا الحر علی الرمضاء طریحاً ظامئاً والنحر دام، ورأسه مقطوع، علی الرمح مرفوع، ونساؤه سبایا، حفاة عرایا، فلما سمعن بذلک تطایرن إلی کربلاء، فرأینه فی ذلک الوادی طریحا، الغسل من دمه، والکفن الرمل السافی علیه، فوقعنا کلنا علیه ننوح ونتمرغ بدمه الشریف، وکان کل منّا طار إلی ناحیة فوقعت أنا فی هذا المکان.

فلما سمع ذلک الیهودی تعجب، وقال: لو لم یکن الحسین  علیه السلام ذا قدر رفیع عند الله ما کان دمه شفاء من کلّ داء، ثم أسلم الیهودی وأسلمت البنت وأسلم خمسمائة من قومه(1).


1- العوالم، الإمام الحسین  علیه السلام، الشیخ عبدالله البحرانی: ص 493 __ 495.

ص: 226

قصة شفاء بنت الحاج محمد الیزدی من ورم فی عینها علی أثر لسعة حشرة أصابتها

ویذکر الشیخ الدکتور عبدالرسول الغفاری، هذه الکرامة، نقلاً عن (کشکول شمس) فیقول:

نقل الحاج محمد الیزدی أنّه رزق بنتاً من زوجته العلویة ولما أصبحت البنت فی السنة الخامسة من عمرها ظهر فی عینها (سالک)(1) علی أثر لسعة حشرة وشیئاً فشیئاً أخذ یکبر حتی ورمت عینها، وخفنا کثیراً من تلفها.

غیر أن أم الزوجة أخذت البنت إلی الحرم الحسینی وألصقت البنت بالضریح وقالت لها: ضعی یدیک علی الضریح وامسحیهما ثم ضعی یدیک علی عینک حتی تشفی. الطفلة حسب فطرتها وصفاء نفسها وإخلاصها امتثلت أمر (جدتها) فمسحت عینها بکلتا یدیها التی تبرکت بهما من الضریح الشریف، وإذا الطفلة رفعت رأسها قائلة أمّاه (مادر بزرک) أنظری عینی أصبحت جیدة.

والأم لغرض تسلیة خاطر البنت قالت لها: إن شاء الله تکون جیدة ولما رجعوا إلی البیت وذهبوا للنوم فناموا حتی الصباح فلما أصبحوا لم یروا أی أثر للسالک ولا فی العین ورم، بل هی فی حالة طبیعیة جدا وکأنما لم یکن فیها أی عارض أو مرض. فشکروا الله علی هذه النعم(2).


1- السالک: مرض جلدی، وفی الغالب تبرز زوائد فیه، وبالخصوص علی الأنف والوجنتین والعینین، ویبقی مدة طویلة، ویترک أثراً علی الجلد لا یزول، مما یظهر فیه التشویه.
2- کرامات الإمام الحسین، الشیخ الدکتور عبدالرسول الغفاری: ج 3، 218 __ 219، نقلاً عن (کشکول شمس: 115).

ص: 227

قصة شفاء بنت أخری للحاج محمد الیزدی من مرض عضال

وفی کتاب «کرامات ومعجزات» علی ما نقله عنه صاحب کتاب «کرامات الإمام الحسین  علیه السلام»، قال: وینقل أیضاً الحاج محمد الیزدی حکایة أخری، فیقول:

کانت لی بنت أخری من زوجتی العلویة وکانت البنت نظیفة وذکیة، وفی السنة العاشرة من عمرها مرضت وأجرینا لها عملیة جراحیة، ومرضها طال علینا فلا هی تتماثل للشفاء ولا تموت، حتی وصل بها الأمر أن فقدت احساسها وحرکتها وبقیت هکذا عدة أیام من غیر طعام ولا شراب وقد اضطربتُ لهذه الحالة فحملتها لیلاً ووضعت رأسها علی کتفی وذهبت إلی حرم الإمام الحسین علیه السلام __ فی حالة خاصة، وما أن دخلت الصحن إذ جرت دموعی ولما وصلت الإیوان، وبالقرب من الرواق رأیت سیداً جلیلاً جاء من الحرم باتجاهی وقال: حاج محمد لا تبک، بنتک صارت جیدة، ثم وضع یده الشریفة علی رأس البنت ووجهها وکذلک مسحهما بیده، لکن لشدّة انزعاجی ومللی لم التفت إلی هذا السید الجلیل، فقد ذهبت إلی الحرم وصرت عند الضریح وأخذت أبکی وأتوسل بالإمام  علیه السلام ولما انتهیت من الزیارة والدعاء، حملت البنت وخرجت من الحرم، ولما وصلت إلی نفس ذلک الإیوان الذی رأیت فیه السید وإذا البنت تنتبه من الإغماء ورفعت رأسها من کتفی وقالت: «بابا».

قلت: «جان» أی عزیزتی، ماذا تقولین؟.

قالت: جائعة. قلت لها: هنا لم یکن عندی شیء، ولکن رأیتها لم تبصر، فکانت فی جیبی سفرجلة فأعطیتها وقلت لها: کُلیها حتی تتقوین، فأخذت البنت

ص: 228

السفرجلة وشرعت فی أکلها، إلی أن وصلنا البیت، استعادت صحتها وحالتها الطبیعیة ولم یبق فیها سوی الضعف والهزال(1).

أقول ولعلّ هذا الضعف والهزل لیس من آثار ما تبقی من المرض وإنما هو لقلّة أکلها، وأما المرض فزال عنها بالکلیة.

قصة شفاء امرأة من النصاری من العقم

وینقل الشیخ الدکتور عبدالرسول الغفاری، فیقول:

نقل لی أحد السادة الوردیین عن __ سید خلیل السید ابراهیم الوردی صاحب محل فی سوق البزازین فی بغداد فی سنة 1957 م کان لدیه محل لبیع الأقشمة وإذا بإمرأة من زبائنه من الطائفة المسیحیة فی بغداد یعرفها جیداً أنها مسیحیة، جاءت أحد الأیام مع ولدها لتشتری قماشاً «بنطلون» لولدها وقد صادف أن نادته باسمه وهو «حسین» فاستغرب السید خلیل وقال لها هل هو ولدک؟.

فأجابت: نعم.

ثم سألها وکیف سمیته حسیناً وأنتم من النصاری؟.

فأجابت:

أنّها کانت عقیماً وکانت تحضر مجلس عزاء الإمام الحسین  علیه السلام بطلب من جارتها إذ رغّبتها فی الحضور وطلب الحاجة وقضائها من الإمام. وفعلاً حصل لها المراد وسمته حسیناً(2).


1- کرامات الامام الحسین  علیه السلام، الشیخ الدکتور عبدالرسول الغفاری: ج 3، ص 219 __ 220، نقلاً عن (معجزات وکرامات: ص 116).
2- کرامات الإمام الحسین  علیه السلام، الشیخ الدکتور عبدالرسول الغفاری: ج 3، ص 243 __ 244.

ص: 229

قصة شفاء زوجة رجل من کبار تجار الهندوس من العقم

کان «رام برکاش دها بای» __ تاجر هندوسی __ متزوجاً من بنت حسناء جمیلة وقد مضی علی زواجهم سنون کثیرة ولم یرزق من هذه المرأة ذریة، وقد صمّم علی الزواج من امرأة ثانیة ویبدو أنّ سبب العقم هی الزوجة.

ولما علمت هذه الزوجة وهی کذلک من الطائفة البوذیة فاشتکت عند أبیها وأسرتها، وبما أنّ زوجها ثریّ ومن شخصیات الطائفة البوذیة، فلم یکن لأهل الزوجة أیّة حیلة، بل ربطوا مصیر بنتهم بمصیر زوجها فله أن یفعل ما یشاء... .

لذا لم یبق خیار لهذه الزوجة إلاّ الإنتحار والخلاص من تلک المعاناة التی طالت سنین.

فی عام 1919 م تصمّم هذه الزوجة علی الإنتحار، فتذهب خارج المدینة إلی وسط المزارع حیت یتوسط بعض تلک المزارع بحیرة وکل تلک الأراضی هی فی مالکیة زوجها (رام برکاش دها بای) واختارت تلک المنطقة حتی لا یراها أحد فیما لو أقدمت علی الإنتحار وإذا تری مجموعة من النساء جالسات عند مرتفع من المکان، فاندهشت واستغربت لهذا المنظر وأخذت تسألهن ما الذی جاء بکنّ إلی هذا المکان، إنّ هذه البقعة هی فی ملک زوجی...؟!.

فأجابتها إحداهنّ: نحن جئنا إلی هنا لنبکی ونتوسل بصاحب هذه القطعة من التراب المدفون، إذ کلّما أردنا شیئاً نتوسل بهذا المکان، وسبحانه وتعالی کرامة لصاحب هذه التربة یستجیب لسُؤلنا.

وقد مرّ علیک أیها القارئ العزیز أنّ فی هذا المکان ترابا مدفونا إنّه ذلک التراب الذی کان عند الهندوسی المتخفّی.

ص: 230

کان هذا الکلام له وقع خاص فی نفس هذه المرأة العقیم وقد تأثّرت کثیراً ثم طلبت من النساء الجالسات أن یدعون لها بقضاء حاجتها، وقد سردت قصتها وکشفت لهنّ بعزیمتها علی الإنتحار، ولکن بعد ما سمعت منهنّ ذلک جعلت بینها وبینهنّ أمداً من الزمان لئن وصلت إلی مرامها وحملت من زوجها سوف تنثنی عن نیتها وتقلع کلیاً عن موضوع الإنتحار وفیما یبدو کان الأمد من شهر إلی شهرین.

وفعلاً تحقّق ما کانت تصبو إلیه هذه المرأة، وفی الشهر الأول من هذا التوسل تحمل وبعد مضیّ فترة الحمل وإذا تضع لزوجها ولدین توأمین وتصبح محظوظة عند زوجها وتنال السعادة والقرب، ویفرح الجمیع بهذین الولدین.

أما هذا المکان الذی دفنت فیه تلک التربة الطاهرة فقد أصبح مزاراً یؤمه المئات من أصحاب الحوائج.

السلام علیک یا مولای یا أبا عبدالله لقد طَهُرَتُ أرضٌ أنت فیها، وطَهُرَت بک البلاد، وطهرُتْ بک الأماکن، بل وطَهُرَت بک القلوب، ... یا مولای أنت باب الله الذی منه یؤتی، أنت باب للسائلین، وأنا سائلک فی أن تشفع لی عند الله لئن أکون فی جوارکم وبالقرب منکم صلی الله علیک یا مولای ورحمة الله وبرکاته(1).

قصة شفاء امراة من ألم شدید فی ساقها

وذکر الشیخ سعید رشید زمیزم، قال:

تحدثت لی الحاجة صفیة المطیری وهی جدتی لأبی، أنها ذات یوم أصیبت بألم شدید فی ساقها وأخذ الألم یزداد یوماً بعد یوم وقد راجعت عدداً من الأطباء


1- کرامات الإمام الحسین  علیه السلام، الشیخ الدکتور عبدالرسول الغفاری: ج 3، ص 257 __ 259.

ص: 231

فی بغداد وغیرها ولم تستفد من العلاج الذی وصفوه لها وفی تلک الفترة صادفت زیارة أربعین الحسین  علیه السلام فقررت __ والحدیث للحاجة __ أن أسیر مشیاً علی الأقدام مع مجموعة من الزائرین الکرام المتوجهین إلی مرقد الإمام الحسین  علیه السلام من مدینة السماوة العراقیة والذین مروا بالقرب من داری الواقعة بالقرب من صحن سیدی العباس  علیه السلام، وفی أثناء سیری مع المجموعة دعوت الله (عز وجل) بمنزلة الإمام الحسین  علیه السلام، __ عنده أن یمن علیّ بالصحة والشفاء، وبعد وصولنا إلی المرقد الطاهر قبلت الضریح المقدس ثم عدت إلی داری ونمت فی تلک اللیلة دون أن أشعر بأی ألم حیث منّ الله تعالی علیّ بالشفاء التام ببرکة الإمام الحسین  علیه السلام (1).


1- قبس من کرامات الامام الحسین  علیه السلام، سعید رشید زمیزم: ص 109.

ص: 232

ص: 233

المصادر

1. ابصار العین فی أنصار الحسین  علیه السلام، محمد طاهر السماوی / طبع مؤسسة البلاغ.

2. أعلام النساء، علی محمد علی دخیل / طبع الدار الإسلامیة.

3. أم البنین: النجم الساطع، علی ربانی الخلخالی / طبع دار الکتاب الإسلامی.

4. إکسیر العبادات فی أسرار الشهادات، أغا بن عابد الشیراوانی الدربندی / طبع شرکة المصطفی.

5. الأسرار الحسینیة، محمد فاضل المسعودی / طبع دار الإرشاد.

6. أعلام الوری بأعلام الهدی، الطبرسی / طبع مؤسسة آل البیت لإحیاء التراث.

7. أعلام النساء المؤمنات، محمد الحسون / طبع دار الأسوة.

8. أعیان الشیعة، السید محسن الأمین / طبع دار التعارف للمطبوعات.

ص: 234

9. الأغانی، أبو الفرج الأصفهانی / طبع دار الکتب العلمیة.

10. الأسرة المسلمة، مؤسسة البلاغ / طبع مؤسسة البلاغ.

11. أصول الکافی، محمد بن یعقوب الکلینی / طبع دار الأسوة.

12. أمالی أو المجالس، أبو جعفر محمد بن علی الصدوق / طبع مؤسسة الأعلمی.

13. بحار الأنوار، محمد باقر المجلسی / طبع دار التعارف.

14. البدایة والنهایة، ابن کثیر / طبع بیت الأفکار الدولیة.

15. تاریخ الطبری، أبی جعفر محمد بن جریر الطبری / طبع دار ومکتبة الهلال.

16. تاریخ دمشق الکبیر، ابن عساکر / طبع دار إحیاء التراث العربی.

17. تسلیة المجالس وزینة المجالس، محمد بن أبی طالب الکرکی الموسوی / طبع المعارف الإسلامیة.

18. التفسیر المعین، محمد هویدی / طبع طلیعة النور.

19. تربیة الفتاة، د. علی القائمی / طبع دار الصفوة.

20. تذکرة الخواص، سبط ابن الجوزی / طبع دار العلوم.

21. تفسیر نور الثقلین، عبدعلی العروسی الحویزی / طبع مؤسسة التاریخ العربی.

22. تفسیر کنز الدقائق، المیرزا محمد المشهدی.

23. الخصائص الحسینیة، جعفر التستری / طبع أنوار الهدی.

ص: 235

24. الخرائج والجرائح، قطب الدین الراوندی / طبع مؤسسة النور.

25. الدمعة الساکبة فی أحوال النبی، محمد باقر البهبهانی / طبع مؤسسة الأعلمی.

26. الرکب الحسینی، محمد أمین الأمینی / طبع عاشوراء.

27. روضة الواعظین، محمد النیشابوری / طبع دلیل ما.

28. السیدة زینب بطلة التاریخ، باقر شریف القرشی / طبع المحجة البیضاء.

29. السیدة رقیة بنت الإمام الحسین  علیه السلام، علی ربانی الخلخالی / مکتب الحسین علیه السلام.

30. سکینة بنت الحسین  علیه السلام، عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ) / طبع دار الکتاب العربی.

31. صحیح مسلم، محی الدین النووی الشافعی / طبع دار إحیاء التراث.

32. عقیلة قریش آمنة بنت الحسین (سکینة)، محمد علی الحلو / طبع مؤسسة السبطین.

33. العوالم الغیبیة فی القرآن الکریم، الشیخ جعفر السبحانی / طبع مؤسسة الإمام الصادق  علیه السلام.

34. 750 قصة من حیاة الإمام الحسین  علیه السلام، محمد باقر الصدر / طبع دار الجوادین.

35. قصة کربلاء (الانتقام والثأر)، نظری منفرد / طبع المحجة البیضاء.

36. اللهوف فی قتلی الطفوف، رضی الدین بن طاووس / طبع أنوار الهدی.

ص: 236

37. الکامل فی التاریخ، ابن الأثیر / طبع دار ومکتبة الهلال.

38. کلمة السیدة زینب، حسن الشیرازی / طبع دار القارئ.

39. کل ما فی الکون یبکی حسین، نزیة القمیعا / طبع دار الهادی.

40. کشف الغمة فی معرفة الأمة، علی بن عیسی أبی الفتح الأربلی / طبع دار الأضواء.

41. المجدی فی أنساب الطالبین، علی بن محمد العلوی العمری / طبع مکتبة المرعشی النجفی.

42. معالی السبطین، محمد مهدی الحائری / طبع صبح الصادق.

43. الملهوف علی قتلی الطفوف، ابن طاووس / طبع مؤسسة البلاغ.

44. مجمع مصائب أهل البیت علیهم السلام، محمد الهنداوی / طبع دار المجتبی.

45. معالم المدرستین، مرتضی العسکری / طبع دار المؤرخ العربی.

46. المعاملات، السید الخوئی / طبع دار البلاغة.

47. المعاملات، السید السیستانی / طبع مکتب السید.

48. مع الرکب الحسینی من المدینة، علی الشاوی / طبع أفق فردا.

49. من أخلاق الإمام الحسین  علیه السلام، عبدالعظیم المهتدی البحرانی / طبع مؤسسة البلاغ.

50. المنتخب للطریحی، فخر الدین الطریحی النجفی / طبع مؤسسة الأعلمی.

ص: 237

51. المنتظم فی تاریخ الملوک والأمم، أبو فرج عبدالرحمن بن الجوزی / طبع دار الکتب العلمیة.

52. المنبر الحر، عبدالحمید المهاجر / طبع دار الکتاب والعترة.

53. المرأة المعاصرة، عبدالرسول عبدالحسن الصفار / طبع دار الزهراء.

54. المرأة ریحانة، نعمة الله الهاشمی / طبع دار العلوم.

55. مسند أحمد بن حنبل، أبی عبدالله الشیبانی / طبع أحباب التراث.

56. مکارم الأخلاق، الحسن بن الفضل الطبرسی / طبع دار المرتضی.

57. منتهی الآمال فی تواریخ النبی والآل علیهم السلام، الشیخ عباس القمی / طبع محبین.

58. منهاج الصالحین، السید علی السیستانی / طبع مکتب السعید.

59. موسوعة المصطفی والعترة، حسین الشاکری / طبع الهادی.

60. وارث الأنبیاء، رئیسة عبدالزهرة القسام / طبع دار الهادی.

61. وسائل الشیعة، الحر العاملی / طبع المکتبة الإسلامیة.

ص: 238

ص: 239

المحتویات

المقدمة

الفصل الأول: المرأة فی المنظور الإسلامی

مکانة المرأة فی الأمم السالفة

مکانة المرأة عند العرب فی الجاهلیة

مکانة المرأة فی القرون الوسطی

مکانة المرأة فی الإسلام

المرأة أحد المکوّنین

العلم حق للمرأة

ص: 240

الإسلام وحقوق المرأة

حقوق المرأة قبل الزواج

حق التربیة

حق العلم

الحق المالی

حق المیراث

حق العمل

وقفة إرشادیة

کسب النائحة بالباطل

التکسب بعمل السحر

الکهانة

الحق السیاسی

حق اختیار الزوج

نصیحة

حق الزوجة

أ . حق النفقة

ب . حسن المعاشرة

حق الطلاق

الإسلام یتجسد بالإمام الحسین علیه السلام

ص: 241

الفصل الثانی: المرأة فی حیاة الإمام الحسین علیه السلام

الأم فی حیاة الإمام علیه السلام

مع أمه الزهراء علیها السلام

السیدة فاطمة تبکی فی فرحها

تربیتها علیها السلام للإمام الحسین علیه السلام

أم البنین علیها السلام

مع الإمام الحسین علیه السلام قبل شهادته

مع الإمام الحسین علیه السلام بعد شهادته

الأم القرآنیة أم سلمة رضی الله عنها

أم سلمة فی بیت النبی صلی الله علیه وآله وسلم

أم الإمام الحسین القرآنیة

مع أم سلمة قبل الشهادة

مع أم سلمة بعد الشهادة

ملحقات الأم:

الزهراء مع الحسین بعد شهادته

1 . بکاء متبادل

2 . الزهراء علیها السلام تنصر بالدعاء

ص: 242

3 . الزهراء علیها السلام تکرم زوار الحسین علیه السلام

المرأة الأخت

العقیلة زینب

ولادتهاعلیها السلام

الاسم الإلهی

وقفة لطیفة

نشأتها علیها السلام

صور ربانیة

الصورة الأولی

وقفة وتحلیل

الصورة الثانیة

وقفة وتحلیل

الصورة الثالثة

وقفة وتحلیل

الصورة الرابعة

وقفة وتحلیل

الصورة الخامسة

وقفة وتحلیل

الصورة السادسة

وقفة وتحلیل

الصورة السابعة

وقفة وتحلیل

العقیلة فی حیاة الإمام علیه السلام

الصورة الأولی

الصورة الثانیة

الصورة الثالثة

العقیلة علیها السلام مع الإمام علیه السلام قبل الشهادة

ص: 243

وقفة

مواقف ومنازل

أولاً: منزل الخزیمیة

ثانیاً: السیدة الصغری فی منزل «الرُحیمة»

ثالثاً: السیدة البطلة فی کربلاء

رابعاً: لوعة العقیلة فی یوم تاسوعاء

خامساً: السیدة العقیلة فی اللیلة الرهیبة

سادساً: لم تخطئ السیدة علیها السلام

سابعاً: السیدة علیها السلام تحث علی النصرة

ثامناً: ابتسامة السیدة زینب علیها السلام

تاسعاً: السیدة علیها السلام مدیرة البیت الهاشمی فی کربلاء

الصورة الأولی

الصورة الثانیة

الصورة الثالثة

الصورة الرابعة

الصورة الأولی

الصورة الثانیة

الصورة الثالثة

الصورة الرابعة

وقفة

عاشراً: السیدة زینب تکمل النهضة

السیدة الهاشمیة علیها السلام ترعی العائلة

السیدة العقیلة علیها السلام تقاتل بالشعر

السیدة الهاشمیة علیها السلام لسان حق

العقیلة تهد أرکان الطغاة

السیدة زینب علیها السلام تقیم مجالس العزاء

الصورة الأولی

ص: 244

الصورة الثانیة

الصورة الثالثة

الصورة الرابعة

الصورة الخامسة

وقفة

ام کلثوم الأخت الثانیة للإمام علیه السلام

استنجاد الإمام بأم کلثوم علیها السلام

أم کلثوم تشارک فی المصائب

أم کلثوم تحرس العیال

أم کلثوم تأبی الصدقة

وقفة حول حادثة الصدقة

أم کلثوم تقرّع أهل الکوفة

وقفة

السیدة تدعو فیستجاب لها

وقفة

الأول

الثانی

أم کلثوم لا ترضی إلا القصاص

وقفة

المرأة البنت

السیدة سکینة بنت الإمام الحسین علیه السلام

شخصیة السیدة تأبی الاتهام

استغراق خیرة النسوان

سکینة فی کربلاء

سکینة تصف لیلة العاشر

ص: 245

عواطف سکینة

الصورة الأولی

الصورة الثانیة

الصورة الثالثة

الصورة الرابعة

الصورة الخامسة

وقفة

دور السیدة سکینة فی الشام

وقفة

ملحقات

فاطمة الصغری

عبادة فاطمة الصغری

فاطمة فی کربلاء

فاطمة المرعوبة

وقفة

بکاء لا ینفع صاحبه

السیدة فاطمة تجلد أهل الکوفة

وقفة

السیدة فاطمة فی الشام

السیدة رقیة بنت الإمام الحسین علیه السلام

نبذة عن سیدتنا رقیة

صور عاطفیة من حیاة رقیة علیها السلام

الصورة الأولی

الصورة الثانیة

الصورة الثالثة

الصورة الرابعة

الصورة الخامسة

شهادة السیدة رقیة

ص: 246

خاتمة حزینة

المرأة الزوجة

زوجات الإمام الحسین علیه السلام

الرباب

الرباب والرأس الشریف

وفاء الحبیبة

وقفة

حزن الرباب

لیلی الثقفیة

عاتکة بنت زید

السیدة شاه زنان (شهر بانویه)

وقفة

المرأة الموالیة

الأسدیة

وقفة

أم وهب وزوجة ابنها

وقفة

بحریة الخزرجیة

وقفة

دیلم بنت عمرو

ماریة العبدیة

طوعة

وقفة

کبشة (أم سلیمان)

ص: 247

لیلی التمیمیة

المرأة المتعاطفة

امرأة من بنی بکر بن وائل

وقفة

الجواب

هند زوجة یزید

وقفة

الفصل الثالث: مواقف الإمام الحسین علیه السلام مع المرأة

أدبه فی الحوار معها

العطف علی الموالیة

الصورة _ توقیر الأم _

الرأفة بالرحم

الأخ الحنون

عاطفة الأبوّة

سلوکه معها: الإمام یزوج ابنته

مشورة الإمام علیه السلام فی التزویج

ذوق الإمام الحسین علیه السلام

الإمام علیه السلام یلقم الجاهل حجراً

ص: 248

إغاثة المستضعفین

حرصه علی نساء المؤمنین

کرامات الإمام الحسین علیه السلام مع المرأة

قصة شفاء بنت نصرانیة عمیاء زمناء طرشاء مشلولة

قصة شفاء بنت الحاج محمد الیزدی من ورم فی عینها علی أثر لسعة حشرة أصابتها

قصة شفاء بنت أخری للحاج محمد الیزدی من مرض عضال

قصة شفاء امرأة من النصاری من العقم

قصة شفاء زوجة رجل من کبار تجار الهندوس من العقم

قصة شفاء امراة من ألم شدید فی ساقها

المصادر

المحتویات

ص: 249

إصدارات قسم الشؤون الفکریة والثقافیة فی العتبة الحسینیة المقدسة

تألیف

اسم الکتاب

ت

السید محمد مهدی الخرسان

السجود علی التربة الحسینیة

1

زیارة الإمام الحسین علیه السلام باللغة الانکلیزیة

2

زیارة الإمام الحسین علیه السلام باللغة الأردو

3

الشیخ علی الفتلاوی

النوران ___ الزهراء والحوراء علیهما السلام __ الطبعة الأولی

4

الشیخ علی الفتلاوی

هذه عقیدتی __ الطبعة الأولی

5

الشیخ علی الفتلاوی

الإمام الحسین علیه السلام فی وجدان الفرد العراقی

6

الشیخ وسام البلداوی

منقذ الإخوان من فتن وأخطار آخر الزمان

7

السید نبیل الحسنی

الجمال فی عاشوراء

8

الشیخ وسام البلداوی

ابکِ فإنک علی حق

9

الشیخ وسام البلداوی

المجاب بردّ السلام

10

السید نبیل الحسنی

ثقافة العیدیة

11

السید عبد الله شبر

الأخلاق (تحقیق: شعبة التحقیق) جزآن

12

الشیخ جمیل الربیعی

الزیارة تعهد والتزام ودعاء فی مشاهد المطهرین

13

لبیب السعدی

من هو؟

14

ص: 250

السید نبیل الحسنی

الیحموم، أهو من خیل رسول الله أم خیل جبرائیل؟

15

الشیخ علی الفتلاوی

المرأة فی حیاة الإمام الحسین علیه السلام

16

السید نبیل الحسنی

أبو طالب علیه السلام ثالث من أسلم

17

السید محمدحسین الطباطبائی

حیاة ما بعد الموت (مراجعة وتعلیق شعبة التحقیق)

18

السید یاسین الموسوی

الحیرة فی عصر الغیبة الصغری

19

السید یاسین الموسوی

الحیرة فی عصر الغیبة الکبری

20

الشیخ باقر شریف القرشی

حیاة الإمام الحسین بن علی (علیهما السلام) ___ ثلاثة أجزاء

21 __ 23

الشیخ وسام البلداوی

القول الحسن فی عدد زوجات الإمام الحسن علیه السلام

24

السید محمد علی الحلو

الولایتان التکوینیة والتشریعیة عند الشیعة وأهل السنة

25

الشیخ حسن الشمری

قبس من نور الإمام الحسین علیه السلام

26

السید نبیل الحسنی

حقیقة الأثر الغیبی فی التربة الحسینیة

27

السید نبیل الحسنی

موجز علم السیرة النبویة

28

الشیخ علی الفتلاوی

رسالة فی فن الإلقاء والحوار والمناظرة

29

علاء محمدجواد الأعسم

التعریف بمهنة الفهرسة والتصنیف وفق النظام العالمی (LC)

30

السید نبیل الحسنی

الأنثروبولوجیا الاجتماعیة الثقافیة لمجتمع الکوفة عند الإمام الحسین علیه السلام

31

السید نبیل الحسنی

الشیعة والسیرة النبویة بین التدوین والاضطهاد (دراسة)

32

الدکتور عبدالکاظم الیاسری

الخطاب الحسینی فی معرکة الطف ___ دراسة لغویة وتحلیل

33

الشیخ وسام البلداوی

رسالتان فی الإمام المهدی

34

الشیخ وسام البلداوی

السفارة فی الغیبة الکبری

35

السید نبیل الحسنی

حرکة التاریخ وسننه عند علی وفاطمة علیهما السلام (دراسة)

36

السید نبیل الحسنی

دعاء الإمام الحسین علیه السلام فی یوم عاشوراء __ بین النظریة العلمیة والأثر الغیبی (دراسة) من جزءین

37

الشیخ علی الفتلاوی

النوران الزهراء والحوراء علیهما السلام ___ الطبعة الثانیة

38

ص: 251

شعبة التحقیق

زهیر بن القین

39

السید محمد علی الحلو

تفسیر الإمام الحسین علیه السلام

40

الأستاذ عباس الشیبانی

منهل الظمآن فی أحکام تلاوة القرآن

41

السید عبد الرضا الشهرستانی

السجود علی التربة الحسینیة

42

السید علی القصیر

حیاة حبیب بن مظاهر الأسدی

43

الشیخ علی الکورانی العاملی

الإمام الکاظم سید بغداد وحامیها وشفیعها

44

جمع وتحقیق: باسم الساعدی

السقیفة وفدک، تصنیف: أبی بکر الجوهری

45

نظم وشرح:  حسین النصار

موسوعة الألوف فی نظم تاریخ الطفوف __ ثلاثة أجزاء

46

السید محمد علی الحلو

الظاهرة الحسینیة

47

السید عبدالکریم القزوینی

الوثائق الرسمیة لثورة الإمام الحسین علیه السلام

48

السید محمدعلی الحلو

الأصول التمهیدیة فی المعارف المهدویة

49

الباحثة الاجتماعیة کفاح الحداد

نساء الطفوف

50

الشیخ محمد السند

الشعائر الحسینیة بین الأصالة والتجدید

51

السید نبیل الحسنی

خدیجة بنت خویلد أُمّة جُمعت فی امرأة – 4 مجلد

52

الشیخ علی الفتلاوی

السبط الشهید – البُعد العقائدی والأخلاقی فی خطب الإمام الحسین علیه السلام

53

السید عبدالستار الجابری

تاریخ الشیعة السیاسی

54

السید مصطفی الخاتمی

إذا شئت النجاة فزر حسیناً

55

عبدالسادة محمد حداد

مقالات فی الإمام الحسین علیه السلام

56

الدکتور عدی علی الحجّار

الأسس المنهجیة فی تفسیر النص القرآنی

57

الشیخ وسام البلداوی

فضائل أهل البیت علیهم السلام بین تحریف المدونین وتناقض مناهج المحدثین

58

حسن المظفر

نصرة المظلوم

59

السید نبیل الحسنی

موجز السیرة النبویة – طبعة ثانیة، مزیدة ومنقحة

60

ص: 252

الشیخ وسام البلداوی

ابکِ فانک علی حق – طبعة ثانیة

61

السید نبیل الحسنی

أبو طالب ثالث من أسلم – طبعة ثانیة، منقحة

62

السید نبیل الحسنی

ثقافة العید والعیدیة – طبعة ثالثة

63

الشیخ یاسرالصالحی

نفحات الهدایة – مستبصرون ببرکة الإمام الحسین علیه السلام

64

السید نبیل الحسنی

تکسیر الأصنام – بین تصریح النبی صلی الله علیه وآله وسلم وتعتیم البخاری

65

الشیخ علی الفتلاوی

رسالة فی فن الإلقاء – طبعة ثانیة

66

محمد جواد مالک

شیعة العراق وبناء الوطن

67

حسین النصراوی

الملائکة فی التراث الإسلامی

68

السید عبد الوهاب الأسترآبادی

شرح الفصول النصیریة – تحقیق: شعبة التحقیق

69

الشیخ محمد التنکابنی

صلاة الجمعة– تحقیق: الشیخ محمد الباقری

70

د. علی کاظم مصلاوی

الطفیات – المقولة والإجراء النقدی

71

الشیخ محمد حسین الیوسفی

أسرار فضائل فاطمة الزهراء علیها السلام

72

السید نبیل الحسنی

الجمال فی عاشوراء – طبعة ثانیة

73

السید نبیل الحسنی

سبایا آل محمد صلی الله علیه وآله وسلم

74

السید نبیل الحسنی

الیحموم، -طبعة ثانیة، منقحة

75

السید نبیل الحسنی

المولود فی بیت الله الحرام: علی بن أبی طالب علیه السلام أم حکیم بن حزام؟

76

السید نبیل الحسنی

حقیقة الأثر الغیبی فی التربة الحسینیة – طبعة ثانیة

77

السید نبیل الحسنی

ما أخفاه الرواة من لیلة المبیت علی فراش النبی صلی الله علیه وآله وسلم

78

صباح عباس حسن الساعدی

علم الإمام بین الإطلاقیة والإشائیة علی ضوء الکتاب والسنة

79

الدکتور مهدی حسین التمیمی

الإمام الحسین بن علی علیهما السلام أنموذج الصبر وشارة الفداء

80

ظافر عبیس الجیاشی

شهید باخمری

81

الشیخ محمد البغدادی

العباس بن علی علیهما السلام

82

ص: 253

الشیخ علی الفتلاوی

خادم الامام الحسین علیه السلام شریک الملائکة

83

الشیخ محمد البغدادی

مسلم بن عقیل علیه السلام

84

السید محمدحسین الطباطبائی

حیاة ما بعد الموت (مراجعة وتعلیق شعبة التحقیق) – الطبعة الثانیة

85

الشیخ وسام البلداوی

منقذ الإخوان من فتن وأخطار آخر الزمان – طبعة ثانیة

86

الشیخ وسام البلداوی

المجاب برد السلام – طبعة ثانیة

87

ابن قولویه

کامل الزیارات باللغة الانکلیزیة (Kamiluz Ziyaraat)

88

السید مصطفی القزوینی

Islam Inquiries About Shi‘a

89

السید مصطفی القزوینی

When Power and Piety Collide

90

السید مصطفی القزوینی

Discovering Islam

91

د. صباح عباس عنوز

دلالة الصورة الحسیة فی الشعر الحسینی

92

حاتم جاسم عزیز السعدی

القیم التربویة فی فکر الإمام الحسین علیه السلام

93

الشیخ حسن الشمری الحائری

قبس من نور الإمام الحسن علیه السلام

94

الشیخ وسام البلداوی

تیجان الولاء فی شرح بعض فقرات زیارة عاشوراء

95

الشیخ محمد شریف الشیروانی

الشهاب الثاقب فی مناقب علی بن أبی طالب علیهما السلام

96

الشیخ ماجد احمد العطیة

سید العبید جون بن حوی

97

الشیخ ماجد احمد العطیة

حدیث سد الأبواب إلا باب علی علیه السلام

98

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.